الأحاديث التي تسعى أن تكون جادّة بين الكبار والشباب، غالباً ما تقود إلى نوع من التورط، حيث يخفي الحرص رأسه وراء التجربة والحكمة في جانب، وتخفض الثقة بالنفس عينيها، مسايرةً، في الجانب الآخر.
وروح الشباب تتحسّس بقوة النكهة الخاصة التي ترافق كلام (...)
الكتاب: وليمة العائلة قصص ونثر
المؤلف: راينر ماريا ريلكه
ترجمة: حسين الموزاني
الناشر: دار الجمل - المانيا 1998.
ما أجمل أن يعثر المرء على نصّ جديد يشبع الظمأ إلى القراءة. وإذا أمكنه في الوقت ذاته إضاءة الداخل بالأفكار، فإن الأمر يصبح أكثر (...)
منذ وصوله الى لبنان لقضاء ثلاثة أسابيع معها، توجب عليها ان تكون الحرب ووقودها، وها هي تشعر بالتعب، بالتشوش، قبل انتهاء الأسبوع الأول.
في المرات السابقة كانت تتحمل في صبر، وعدم اكتراث، المضايقات القليلة التي يثيرها وجوده، تمر الأيام في سرعة، باستثناء (...)
أشرت إلى الخزانة الفارغة وقلت لها: "استعملي هذه الخزانة لثيابك" ثم تنحيتُ قليلاً لتستطيع رؤية الجوارير والفراغات. بدا كتفها نحيلاً كما عرفته منذ عشر سنوات محنياً على صدرها العامر، وجانب وجهها لم تتغيير ملامحه كثيراً، إلاّ أن أنفها بدا أطول من (...)
عندما يتذكر المرء الاسلوب العنيف الذي اختاره الشاعر خليل حاوي قبل ستة عشر عاماً لإنهاء حياته، تهجم على الخاطر صورة الفوضى العارمة التي كانت تسود لبنان، وبالذات بيروت، في ذلك اليوم.
كان هناك جيش، يكرهه العرب لأن وجوده يرمز إلى ذلهم، يدخل بيروت التي (...)
من الشارع، ظلّت تتناهى إليه حركة الناس العابرين، خفيفة لكنها لا تنقطع، ومن الغرفة المجاورة يخفت غطيط اخته للحظات ثم يرتفع من جديد، أبعد من ذلك تضجّ أصوات الملاعق والصحون بين يدي أمّه التي ما زالت منهمكة بتنظيف المطبخ، فيشعل سيجارة أخرى، ينفخ الدخان (...)
لا توجد مقولة سيطرت على ذهنية المثقفين والكتّاب العرب في العقود الأربعة الماضية أسوأ من مقولة "مهمة الكاتب في تغيير المجتمع والحكومات". وهي، كمطلب أريدَ به الألتفاف على عملية الابداع وتوظيفها لخدمة الحركات السياسية، ساوت بين الجميع في مجال يشترط (...)
كل الحكومات العربية التي ترغب في الإصلاح تخاف الديموقراطية، كونها تقدم للأصوليين فرصة مثالية للاستحواذ على السلطة عِبرَ الانتخابات. الخوف من انتقال الجماعات الأصولية من الشارع والجامع إلى السلطة الحديثة له ما يبرّره، خصوصاً أن الجزائر ما برحت تنزف (...)
ربما لم يحنْ الوقت بعد للبحث في العوامل النفسية المحرّكة للأفعال وردود الأفعال في العراق الآن، بَيدَ أن التحالفات التي تنفرز بين العراقيين منذ سقوط نظام صدام حسين، لا تخلو من هواجس تاريخية غير معلنة، لكنها موجودة وكامنة، تعمل على بلوّرة المواقف كلما (...)
أمتعتني للغاية المقتطفات التي اختارتها "تيارات - 24 أكتوبر" من كتاب الصديق فالح عبدالجبار الذي يصوّر فيه بغداد بعين الشاب القديمة، وعاطفة الكهل الحالي، العائد اليها بعد سقوط صدام ونظام البعث.
وفالح، ابن أحياء بغداد القديمة، المحيطة بمرقد الشيخ (...)
الى ان نترك الشاطئ وراءنا، يغطس الجزء الأخير من الشمس في البحر، فتتجه خطواتنا الى مكان الحافلة، مهدودة، متطوحة قليلاً، لكن محسوبة بدقة. في السادسة ترحل آخر الحافلات من لارنكا، وعلينا الوصول في الوقت المناسب.
منذ اعدنا السيارة المؤجرة لأصحابها، تركنا (...)
في أوائل أيار مايو الماضي، نبهت التفجيرات الانتحارية في الرياض، ثم الدار البيضاء، العرب ان الارهاب الاصولي ارتد عليهم بعد ان حوصر في الخارج. هذه التفجيرات تركت المجتمعات والحكومات والكتّاب في ذهول وحيرة، تذكرنا بما اصاب اميركا إثر انفجارات 11 ايلول (...)
إذا تعيّن علينا الاختيار بين التحضر والتخلف، فيجب الانحياز الى التحضر من دون تردد. ويمكن نعت الوجود الأميركي الحالي في العراق بمئات الصفات الذميمة استجابة للرطانة التي اعتاد عليها الإعلام العربي، لكن، من مصلحة العراقيين أن ينظروا إليه كواقع، ويفكروا (...)
"ليس من دواعي الحظ ان تكون جاراً للعراق"، هذا الكلام البليغ قاله أناند نيدو مذيع ال"سي أن أن"، وقد خبر الايرانيون معنى هذا الكلام جيداً، وعرفه الكويتيون أكثر من غيرهم، ويملأ ذاكرة السياسيين السوريين بالمرارة منذ أمد طويل، ولولا تدخل التحالف الدولي (...)
في أجمل حديقة بمدينة روما فيلا بوركيزا وعلى ربوة تواجه معهد الفنون الجميلة الشهير بيللا دي آرتا فوجئت وأنا أتجوّل، في أول زيارة لي للمدينة، بتمثال أحمد شوقي، على قاعدة مرتفعة وبحجم كبير، بين شعراء وكتّاب أوروبا المشهورين: فولتير، آنغاريتي، (...)
للمرة الثالثة في هذا الاسبوع يقتحم الماضي ليله، فتقدم نبيلة من الشارع نفسه، المقفر من الناس في الأضاحي المشمسة، مطرقة وتتمهل في سيرها المحلّق في خياله الغافي، وعندما تصل، وتتكشّف نظرتها الحنون، المجوية بالشوق، تلقي عليه ابتسامة حزينة، ثم تتلاشى مثل (...)
لحسن الحظ لم يسألني عن آخر مرة قذفت فيها الصنارة الى الماء، ولا عن المكان، لذلك وقّع على رخصة الصيد، وسلّمها لي متمنياً التوفيق.
لم أكذب يوماً، وبالأحرى لم أكذب إلا نادراً، وهذه ال"نادراً" لم تحدث على وجه اليقين، فكانت السبل تنحني امام جهودي كلما (...)
لن يدعي اي كاتب سياسي تقديم حل للمشكلة العراقية من دون ان تسقط نتائجه الأخيرة في الأوهام. وقد أوقعت هذه المسألة في شراكها من قبل اذكى كتّاب السيناريوات في العالم الغربي. ومع تراكم الشعور بالإحباط، الذي رافقه دائماً الخوف من استمرارها بلا حل، اصبح (...)
مهما قيل، وسيقال عن النفط العربي، فإن هذا المصدر الثمين للطاقة ساعد العرب على تجنّب حالة يمكن ان تكون بائسة من التخلف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ومهما كانت الثروة، عندما تهبط فجأة على البشر، تفسد الضعيف منهم وتعزز شخصية القوي، وهذا ينطبق على (...)
"كيف لمّا في مدينة صغيرة أخرى لمّا في محطة القطار وكيف الصدفة والحياة شاسعة، الحياة وغموض الأشياء، الرموز والإشارات، وكنتُ بعد دقائق إلى الرحيل...".
بهذه الإستهلالات الرخيمة، المعطوفة على ما سبقها، في النبر والمعنى، تبدأ الشاعرة صباح زوين مقاطعها (...)
أن تختار عدواً مرهوب الجانب، يعني، قبل كل شيء، احساسك بالرضى عن النفس. وفي حالة أميركا، هذه القوة العظمى، شكّل العداء لها السمة البارزة لثقافة النصف الثاني من القرن العشرين. هنا إنجذب المثلث المتنافر الأهداف، الأدب والفكر والسياسة، إلى هذه الكأس (...)
حالما هدأ ضجيج الرصاص وتخلصت البناية من سحب الدخان والغبار، عرفت انني لن أراه بعد اليوم.
كنت مستعداً للشهادة على أنه لم يرتكب القتل في عمليات السرقة التي قام بها، معرضاً نفسي للعقوبة، لكنه رفض تسليم نفسه، لأنه خبِرَ عذاب النوم خلف القضبان. الآن أصيح (...)
1
عبر النافذة القريبة، نظر، وأشاح بوجهه مرتين، عن القمر الذي يسطع وحيداً، ثم أهمله.
لم يعد جذاباً، ولا موحياً، كما عهدناه. ربما لفضيحة قربه منا، أو لأنه سارق، قليل الحظ، للنور، أو لأن الإنسان، وهذا أرجح، عندما يطأ مكاناً ما، ينزع سحره إلى (...)
الطريق يزداد وحشة، كلما خلا، مع تقدم الليل، من وميض الأنوار البعيدة، المنبعثة من المدن الصغيرة والقرى المبعثرة بين حقول الخضار. هدأت ثرثرة الركاب قبل فترة طويلة، استسلموا الى الصمت، أو النوم، لنسيان ريح تموز يوليو الجافة، المندفعة من نوافذ السيارة (...)
حين أدركتُ، أخيراً، أنها انصاعت، من جديد، لهوسها المعهود في تقديم الدماء الحارة لقرابينها، وأنها كانت، هذه المرة أيضاً، تخفي في حقيبة يدها رجلاً آخر، عضضت عليها بأسناني، ابتلعتها، ثم دفعتها إلى تجاويف معدتي، ومن يومها بدأ عذابي.
أعرف، يا مرجل (...)