حين يقرر الوالدان الانفصال، فرابطة الزواج لا تختفي بينهما فحسب، بل يتصدع سقف البيت، وتهتز أعمدة الأمان في عالم الطفل، الذي لن يفهم التفاصيل الدقيقة لهذا الانفصال، لكنه يشعر بالتغيّر المفاجئ غير المتوقع، ويلاحظ غياب الأصوات التي اعتاد سماعها، ويشاهد الفراغ الكبير في تلك الأماكن التي كانت تمتلئ بذلك الحضور المألوف والسكينة والدفء المعهود. وكما نعلم أن الطفل قد لا يسأل كثيرًا، لكنه يُفكر كثيرًا، ففي صمته تأمل وأسئلة حائرة بلا إجابات، حيث يسأل: هل أنا السبب؟ لماذا لا يجتمعان معنا كالسابق؟ هل يمكن أن يعود كل شيء كما كان؟ فتنمو في داخله مشاعر الخوف، والقلق، والذنب، والوحدة، دون أن يستطيع تسميتها أو التفريق بينها. الدراسات التي أجريت في هذا المجال أكدت أنّ كثيرًا من الأطفال يمرون بتغيرات سلوكية بعد الانفصال، فبعضهم ينسحب ويصبح أكثر هدوءاً مما هو معتاد، وبعضهم قد يظهر سلوكًا عدوانيًّا أو متقلبًا أو غاضبًا، وبعضهم قد تتراجع شهيته، أو قد يتأثر نومه، أو قد تتغير علاقاته مع أقرانه وزملائه، حيث يحاول إخفاء هذا الحدث المؤلم عنهم، وبالتالي فمن الطبيعي أن يتجه مستوى تحصيله الدراسي نحو الانخفاض والهبوط، أو قد تطرأ على بعض ملامح الانحراف السلوكيّ الذي يجدون فيه متعة لعقولهم الصغيرة المنشغلة بمحاولة فهم وتفسير ما لا يستطيعون قوله. ومع أنه هذه الآثار وغيرها قد لا تظهر على المدى القريب فقط، بل قد تمتد طويلًا إلا إنه إذا لم يتم احتواء الطفل بالطريقة الصحيحة فقد يتأثر إدراكه للعلاقات الأسرية والعاطفية، وقد تُنبت داخله مخاوف من الارتباط المستقبليّ خاصة إذا كانت طفلة، وقد يبقى رهين قلق فقدان الأحبة، أما بعض الأطفال فقد يتجسد في داخله تصور بأن الحب لا يدوم، وأن الاستقرار مؤقت مهما كان الارتباط. ولعل هذه المساحة لا تسمح لنا بالتوسع أكثر والتطرق لكافة المظاهر السيكولوجية التي تعتري أطفال الانفصال والطلاق، إلّا أنه قد يتجاوز الطفل هذه المرحلة بأمان، إذا ما توفرت له بيئة داعمة ومطمئنة، حين يشعر أن مشاعره مفهومة، وأنه لا يتحمل مسؤولية ما حدث، وحين يظل كلا الوالدين قريبين منه، حتى وإن افترقا في السكن، فإنه يجد في ذلك سندًا يساعده على التكيف بعد الفراق وتصدع سقف البيت. والمطلوب من الوالدين في هذه المرحلة ليس الكمال، بل الوعي بهذا الأمر، فالمودة والتقدير يجب ألا تنقطع بعد الانفصال، بل من الأفضل أن تتحول إلى مسؤولية مضاعفة في دعم نفسية الأطفال، حتى وإن انفصل البيت وانقسم إلى مكانين، فعلى الأقل أن نحافظ على مصدر الدفء، خاصة إذا اختار الكبار أن يُبقوا على قلب الطفل سليمًا.