قال كثير من الفلاسفة والمفكرين المعاصرين إن العالم يتجه إلى مرحلة تعدّد الأقطاب، وقد صدقوا في ذلك. فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، تشكّل نظام عالمي ثنائي القطب بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي. ثم انهار الاتحاد السوفيتي، فأصبح العالم يدور حول قطب واحد هو القطب الأمريكي. أما اليوم، فنحن نعيش بالفعل مرحلة تعدّد الأقطاب، كما تنبّأ بها أولئك المفكرون، وأصبحت هناك قوى دولية جديدة تنهض في مجالات السياسة والاقتصاد والتأثير الثقافي. وفي منطقتنا العربية والشرق الأوسط، أصبح من الجلي أن المملكة العربية السعودية تُشكّل أحد هذه الأقطاب الصاعدة في وقتنا الحاضر. وهذه فرصة عظيمة للأمة العربية، غير مسبوقة منذ زمن بعيد، وعليه أصبح الالتفاف العربي حول المملكة في هذه المرحلة ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة لعبور الأزمات التي تعصف بالمنطقة وبالأمة بشكل عام. إن القيادة الحكيمة التي تقود المملكة اليوم، بطموح وهمّة عاليتين، مصمّمة -بعون الله- على تحقيق الأهداف. بل إننا قد رأينا كثيرًا من الأهداف المُعلنة في رؤية المملكة وخطتها الطموحة قد تحققت، والباقي في طريقه إلى التحقيق بعون الله تعالى. ولكن للأسف، هناك في جسد الأمة اليوم عدة أوبئة خبيثة أصابت اليمن ولبنان وسوريا والعراق. بعض هذه الدول بدأ يتعافى، وبعضها لا يزال يصارع. وعلى شعوب هذه الدول وغيرها أن تكون مدركة لحجم الاستقطابات الحاصلة، وأن تميّز بين مشاريع الخير والنهضة، وبين مشاريع التدمير والفتنة. القطب السعودي اليوم يمضي نحو المستقبل، نحو الازدهار، والتنمية، والرفاه. بينما الأوبئة الخبيثة تجرّ المناطق التي أصابتها نحو العكس تمامًا؛ نحو الفقر، والتفكك، والانهيار. ونرى – على سبيل المثال – في بلدي اليمن، كيف انتزع مشروع «مسام» أكثر من 484.000 لغم من الأراضي اليمنية منذ انطلاقه في يونيو 2018. هذه الألغام زُرعت لتفتك وفتكت بالإنسان دون تمييز، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، عاجزًا أو سليمًا، بل وحتى بالحيوانات. هذا المشروع السعودي الجبّار ليس سوى نقطة صغيرة من بحرٍ من مشاريع الخير التي تقودها المملكة. وفي المقابل، نرى أن هذه الألغام زُرعت بأيدٍ تنتمي إلى تلك الجهات التي أصابت أوطاننا، والتي لا تعرف البناء، بل لا تزرع إلا الحروب والدمار والخراب، وليس لها مشروع إلا من هذا النوع، بل وأسوأ. اليوم، العالم في زمن التحالفات، والأمة اليوم التفافها حول المملكة العربية السعودية ليس مجرد تحالف تقليدي كالتحالفات الحاصلة في العالم، بل هو وحدة أخوية ومسؤولية تاريخية لمصير الأمة، الذي أصبح من الواضح أنه على المحك. مستقبل منطقتنا لا يمكن أن يكون مشرقًا إلا إذا تأسس على قيم العدالة، وكرامة الشعوب، والسلام، والتعايش. إما أن نعبر مع العابرين إلى بر الأمان والرفاه، وإما -لا سمح الله- أن نسقط فريسةً للأوبئة الخبيثة ومعاول الدمار والخراب.