تستكمل مدينة طرابلس ورشة نفض غبار العنف عن شوارعها ومساجدها وأحيائها. وافتتح أمس رسمياً مسجد السلام الذي تعرض العام الماضي لانفجار إرهابي أدى إلى تدميره وسقوط عدد كبير من الضحايا، أمام المصلين برعاية مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار في حضور الرئيس نجيب ميقاتي، وزير العدل اللواء أشرف ريفي ممثلاً رئيس الحكومة تمام سلام والرئيس سعد الحريري، الوزيرين السابقين عمر مسقاوي وخالد قباني، وحشد من الفاعليات السياسية الدينية والعسكرية والتربوية. وبعد إزاحة اللوحة التذكارية، قال المفتي الشعار: «لا يسعنا إلا أن نشكر كل من ساهم في عملية البناء والترميم بدءاً بالرئيس ميقاتي ابن طرابلس، وكما لا يفوتني أن أخص بالتحية والشكر الرئيس سعد الحريري ابن الشهيد الرئيس رفيق الحريري وأيضا أخص الهيئة العالمية لبناء المساجد في رابطة العالم الإسلامي وكل يد أمينة عمّرت وبنت وساهمت في إعادة هذا المسجد (السلام والتقوى)». أضاف: «سنمضي قدماً في الرد على خطوات الإرهاب التي ضربت مدينتنا وأرادت أن تقتل العيش المشترك ولكن لن تنال من عزيمتنا ولا من إراداتنا ولا من وجودنا»، منوهاً «بشعبة المعلومات التي استطاعت أن تكشف اليد الأثيمة الفاعلة لتدمير المسجدين». وأكد رداً على سؤال أن «مسيرة الصلح واللقاء في المدينة لن تتوقف وسنكملها، ولكن لكل شيء أجل، وولادتها آمل أن تكون قريبة بدعم ومساعدة جميع المرجعيات السياسية». بدوره، قال ميقاتي: «مررنا في فترة صعبة جداً بعد الجرائم التي حصلت لمسجدي التقوى والسلام». أضاف: «وكما تعرفون، فإن القلة من الجرائم يتم كشف فاعليها، واليوم القرار الظني الذي صدر بعد نتيجة التحقيقات والخيوط كلها باتت معروفة وننادي بملاحقة الفاعلين وإنزال أشد العقوبة التي ينصّ عليها القانون»، وحيّا «كل من ساهم في بناء وإعادة بناء هذا المسجد، وحيّا الرئيس سعد الحريري وكل من ساهم بترميمه». وأكد ميقاتي أن «طرابلس تتّسع للجميع، مسلمين ومسيحيين وعلويين، وكما قال الوزير ريفي نحن في طرابلس مجتمع واحد ولن نشمل المجرمين الذين قاموا بهذا العمل الإجرامي واستهدفوا المسجد مع سائر المواطنين الطرابلسيين». من جهته، قال ريفي «كان هدف الاغتيال جرّ طرابلس إلى أكبر جريمة إرهابية في تاريخ الصراعات في كل العالم، وفي لبنان خصوصاً، وتمت العملية الإرهابية بتفجير المسجدين أثناء إقامة صلاة الجمعة، ولكن نحن نؤكد ونقول للمجرمين إنه مهما كلّف الأمر ومهما فعلتم شهداؤنا اليوم في العلياء ومساجدنا عادت بفضل الخيرين أمثال الرئيسين سعد الحريري الذي قدم أكبر تبرع لإعادة بناء هذا المسجد ونوجه تحية خاصة له، ونجيب ميقاتي وكل فاعلي الخير». أضاف: «المجرمون الذين تم كشفهم بجهود شعبة المعلومات البعض منهم أصبح وراء القضبان والباقون لدينا أسماؤهم وسنتابع القضية حتى خواتيمها مهما كلّف الأمر. وأؤكد أنه بعد توقيع أكثر من 70 ألف شخص على العريضة المطالبة بتحويل الجريمة إلى المجلس العدلي، تم التجاوب مع ذلك في مجلس الوزراء، وستأخذ المحاكم مجراها الطبيعي وكل إنسان يساهم في إلحاق السوء بمدينة طرابلس سيدفع الثمن مهما كلف الأمر». ولفت إلى «أننا كنا منذ البدء نصرّ على أننا جزء من لبنان العزيز، نرفض الأمن الذاتي كلياً، وقد كان يوماً أسود حين تعرّض أهلنا في الضاحية لتفجيرات كما في مدينة طرابلس، المجرمون سيعاقبون وسيحالون إلى العدالة، ونقول بحسب قرآننا الكريم وشرعنا الحنيف: «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، لافتاً إلى أننا «سنقيم العدالة في حق المجرمين». وشكر ريفي البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي أتى شخصياً إلى مدينة طرابلس ليعزي بشهدائنا الإثنين والخمسين في معرض رشيد كرامي الدولي». وتابع: «طرابلس مدينة العيش الواحد البعيدة كل البعد عن التعصب الوطنية والتي تحتوي كل أبنائها مسلمين ومسيحيين من كل الطوائف والمذاهب. رسالتنا للجميع أن من يعتدي على المدينة سيدفع الثمن مهما كلف الأمر، واليوم يدنا بيد خارج إطار خلافاتنا السياسية أو الانتخابية، طرابلس دائماً كانت تتعاضد بالأيادي لبناء ولتحريك عجلتها الاقتصادية ولإيجاد فرص العمل للشباب»، ودعا المعنيين كافة إلى «ضرورة المساهمة في تحريك الاقتصاد في مدينة طرابلس لأنه متى تخلصنا من الصراعات السياسية وإذا لم نؤمن فرص العمل للشباب دخلنا في صراعات طبقية يحكمها الجوع»، محذراً «من اللعب بأمن طرابلس». أما الشيخ بلال بارودي، الذي شكر كل من ساهم في إعادة ترميم المسجد، أكد «أننا لن ننسى هذا الحدث ولكننا لن نكون أسرى له». وقال: «أوجه رسالة إلى هؤلاء الحاقدين الذين أرادوا أن «يخربوا» نسيج هذا الوطن المتكامل لنقول لهم ها نحن معاً في مسجد السلام بكل أطيافنا السياسية، الرئيس سعد الحريري ممثلاً باللواء ريفي والرئيس ميقاتي الذي أبى إلا أن يحضر شخصياً وكانت له مساهمة فعلية بإعادة ترميم المسجد كما الرئيس الحريري، إضافة إلى الرئيس تمام سلام، الذي أوفد أيضاً اللواء ريفي إلى الافتتاح اليوم». وبعد الافتتاح، أمّ المفتي الشعار صلاة الجمعة في المسجد في حضور ميقاتي وريفي والنائب كبارة، وشدد على ضرورة أن «ندرأ عن الوطن كل السهام التي تريد أن تهزّ كيانه»، وتوجّه بنداء إلى سائر المرجعيات الدينية والاجتماعية أن يقدّموا جميعاً مصلحة الوطن على قضاياهم الشخصية والحزبية وعلى انتماءاتهم الخارجية وعلى علاقاتهم بدول أخرى».