كانت ساحة الشهداء (قلب بيروت) مسرحاً لحزن كبير أمس في تشييع الوزير السابق محمد شطح ومرافقه محمد طارق بدر في مسجد محمد الأمين. حزن سيدات محجبات، رجال ملتحون وآخرون بدا الصليب في أعناقهم، وشبان وشابات وأطفال، على شطح الذي بدا مبتسماً في صورة كبيرة له مرفوعة في الساحة. واتخذت القوى الأمنية تدابير أمنية مشددة لمواكبة مراسم التشييع. وانتشرت الآليات العسكرية في شوارع العاصمة، فيما أقفل محيط المسجد والضريح أمام حركة مرور السيارات. لم يخرج تشييع الوزير شطح في ساحة الشهداء عن مساره الطبيعي. إذ إن الهدوء كان سيد الموقف. رسم الحزن صورة نهار التشييع الذي بدأ وظل بطلاً فيها. رغب الوافدون من برجا، الفاعور، المنية، الزاهرية، عكار، إقليم الخروب، البترون، صيدا وغيرها من المناطق، أن تكون مشاركتهم سلمية وهكذا فعلوا. عشرات من الشبان رفعوا الصوت والهتافات التي تهاجم النظام السوري، وتقول: «ما بدنا جمهورية تحت إجرام السوريين»، «لن يخيفنا القتل بل يزيدنا عزماً وتصميماً لبناء وطننا»، في وقت كانت حناجر طرابلسية تقول: «يا شهيد وسع دارك جايين ناخذ بثارك». الوزير شطح بالنسبة إلى مشيّعيه ليس إلا ذاك الرجل «المعتدل، الطيب، والمفكر صاحب الأفكار الخلاقة». لذلك السبب يبكيه الرجل السبعيني الجالس على الأرض في الساحة، ويقول: «اغتالوه ليسرحوا في البلد. خافوا من الرجل المتمكن في ساعات الحرج من أجل التوصل إلى حل يحبط مخططاتهم. هي محاولة جبانة لضرب الاستقرار ولا يستفيد منها إلا أعداء لبنان». لم يتهم ذاك الرجل أحداً بالاسم بل فضل استخدام «هم» لتجهيل مرتكب الجريمة في حين قصد شبان مشاركون في التشييع النظام السوري و «حزب الله» في هتافات ولافتات كثيرة رفعوها: «ما بدنا دولة يحكمها السوريون». نال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حصة النظام السوري من الهجوم. ولم تكل الهتافات من ترداد عبارات المشاركين تطالب بنزع سلاح حزب الله. وتقول زينة الخضر من طرابلس: «نودع شطح بألم وحزن اليوم. كل من أراد سلوك نهج الشهيد رفيق الحريري اغتالوه، وكل من مثّل 14 آذار أصبح في خطر. كان حديثه متّزناً معتدلاً على رغم أنه مستشار الرئيس سعد الحريري. يخوّفهم الرجل الهادئ والمفكر. لا يريدونه أن يصبح يوماً ما رئيساً للحكومة». تقاطعها أخرى بالقول: «كلنا مشروع شهادة مقابل السلام والأمن بوجه السلاح». هتافات متفرقة أخرى علت مع وصول وفود في فانات من طرابلس إلى مسجد الأمين، رفعوا أعلاماً لبنانية وأخرى لتيار «المستقبل» وأعلام الخلافة باللون الأسود التي ترفع في التشييع والتي كتب عليها: «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وليس للقاعدة أو الجماعة الإسلامية كما اعتقد البعض. ولدى رفع بعض الشبان أعلاماً للجماعة الإسلامية أقدمت قوة من عناصر الأمن الداخلي على انتزاعها منهم مشددة على «عدم رفع أية أعلام سوى العلم اللبناني». ووصل جثمان شطح ومرافقه بدر إلى مسجد محمد الأمين عند الساعة 11 وعشر دقائق في موكب تقدمه دراجون من قوى الأمن الداخلي من مستشفى الجامعة الأميركية في غرب العاصمة، ومستشفى كليمنصو. ولف النعشان بملاءة خضراء كتبت عليها آيات قرآنية ووضع على كل منهما طربوش في تقليد سني لبناني. واستقبل الجثمانان بالدموع وصرخات «لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله». ووقف نجلا شطح عمر وراني قرب نعشه وذرفا دموعاً غزيرة، ووضع كل منهما يده على النعش، وجلست زوجته مع النساء في جانب آخر من المسجد. وقع الهتافات خفت مع بدء مراسم تقليد رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ممثلاً بالوزير علاء الدين ترو، الوزير شطح وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر ووضعه على نعشه، بثتها شاشة كبيرة مثبتة في الساحة. في حين انعكست دموع نجلي شطح عبر الشاشة حزناً إضافياً في الساحة، وعبارات تطالب ب «حماية دولية للبنان»، وصولاً إلى «إقامة توازن مسلح في البلد». «قتلوه قبل أن يعلو صوته»، يقول ايلي بارودي الكتائبي الذي يرى أنه «لا يزال في البلد أشخاص أوادم وأوفياء للناس. لن يخيفنا القتل». وسعد يزبك القواتي يقول: «نزلنا إلى هنا رفضاً للسلاح». مراسم التشييع وفي مسجد الأمين حيث سجي النعشان، كانت الشخصيات الرسمية والسياسية والشعبية بدأت بالتوافد منذ الصباح الباكر إلى الجامع حيث تقبلت عائلتا الشهيدين ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة وأعضاء كتلة تيار «المستقبل» التعازي. وحضر المأتم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس المكلف تمام سلام ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ممثل رئيس حزب «الكتائب» الرئيس أمين الجميل سجعان قزي على رأس وفد ضم النائب ايلي ماروني والوزير السابق سليم الصايغ، ووفد من الحزب التقدمي الاشتراكي مثل رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط ضم الوزراء غازي العريضي ووائل أبو فاعور وعلاء ترو، والنواب: أكرم شهيب، هنري حلو وايلي عون، ونائب رئيس الحزب دريد ياغي، أمين السر العام ظافر ناصر، وعدد من أعضاء مجلس القيادة والمفوضين في الحزب. النائب بطرس حرب وقيادات سياسية ونواب قوى «14 آذار» وممثلون عن هيئات روحية ودينية إسلامية ومسيحية وهيئات ديبلوماسية ونقابية واجتماعية واقتصادية ونسائية وهيئات مجتمع مدني، وشارك وفد كبير من مشايخ طائفة الموحدين الدروز برئاسة ممثل شيخ عقل الطائفة نعيم حسن، الشيخ غاندي مكارم. الشعار: لن نتبنى أفكاراً إرهابية وأم مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار الصلاة على جثماني الشهيدين، وألقى كلمة قال فيها: «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإن على فراقكم أيها الشهداء لمحزونون. باسم الشمال وباسم دار الفتوى في الشمال وباسم الأحرار والعقلاء والحكماء على مساحة أرض الوطن نودع اليوم رمزاً من رموز الفكر والاعتدال، نودع رمزاً كبيراً من رجالات الوطن وبناته». وأضاف: «إنها لحظات ينبغي أن نتوقف من أجل أن نتدارك وندرك ونستوعب حقيقة الصراع والمعركة في لبنان. المعركة واضحة كل الوضوح وبينة على جميع العقلاء والحكماء، معركة بين البناء والعطاء والتعمير وبين فريق آخر آثر أن يكون سبيله للعلى هو القتل والتدمير وأن يلحق بأبنائنا ورجالاتنا شهيداً بين كل فترة وأخرى». وتابع: «لن يلين لنا ساعد ولن نتراجع عن طريق من شأنه أن يبني بلداً وحضارة وقيمة إنسانية عالية، لن نتراجع عن ذلك، لن نتبنى أفكاراً ضبابية وتدميرية وإرهابية، سنقف بالمرصاد أمام كل أنواع القتل والتدمير وكل وسائل سفك الدماء وسيعلم اللبنانيون جميعاً أن يوماً آتياً سينتصر فيه الحق وستعلو فيه كلمة العقل وسيكون الاعتدال سيد الموقف، وأمام المسيرة لن يخرج لبنان أبداً عن هذه المنهجية والفكر والقيم الإنسانية على الإطلاق». وقال: «ستتشكل الحكومة قريباً بإذن الله تبارك وتعالى، يوم يلتقي الحكماء وجلهم في مسجدنا، وستتشكل الحكومة لتستوعب قضايا الوطن من دون ردود فعل وإنما بتعقل وحكمة معتادة من قبل رجالاتنا في لبنان الذين كان لهم الدور الأساسي في رئاسة الوزارة وبالتعاون مع رئيس الجمهورية». وأضاف: «ستتشكل الحكومة من دون نكاية وكسر، وإنما بتوافق من أجل تحقيق مصلحة واحدة هي مصلحة الوطن وتحقيق أمن المواطن ومن أجل أن يكون لبنان سيداً وحراً ومستقلاً وأن يكون ولاء اللبنانيين لوطنهم وبلدهم وأن يتمسكوا بدستورهم». وعند الثانية عشرة وثماني دقائق وعلى وقع كلمة «لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله» تم رفع الجثمانين على أكف عدد من الكشافة تمهيداً لمواراتهما في الثرى بجوار ضريح الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري الذي اغتيل عام 2005. السنيورة : مقاومة مدنية وبعد التشييع ألقى السنيورة كلمة قال فيها: «محمد شطح التحق برفاقه الأبطال. من دون موعد يستقبل رفيق الحريري رفيقاً جديداً. قتلوا شطح في وضح النهار وبدم بارد، ومن دون شعور بالحرج والتردد. المجرم يكرر القتل من دون رادع ويوغل في إجرامه ويحسب أننا لن نتبعه وأنه سيفلت من العقاب». وأكد «أننا لن نستسلم أو نتراجع أو نخاف من المجرمين والإرهابيين والقتلة، بل هم الذين عليهم أن يخافوا لأنهم القتلة. هم يقتلون لكي يحكموا سيطرتهم، ونجدد التمسك بلبنان العيش المشترك والسلم الأهلي». وزاد: «هم يستمرون في القتل، ونحن نتمسك بلبنان الحرية والديموقراطية والمساواة واحترام حقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة واحترام الدستور وتطبيق القانون». وتابع: «هم يمعنون في القتل ويدمرون الإنسان والعمران والاقتصاد ومستوى عيش اللبنانيين ويخربون علاقات لبنان مع محيطه العربي والعالم، ولن نتحول إلى قتلة ولن ندمر لبنان كما يدمرون، وسنبقي لبنان ساحة للحرية وللحوار والتواصل والتصالح وليس ساحة للفتنة والاقتتال». وشدد على «التمسك بالميثاق الوطني والعيش معاً ورفض الاستقواء والإرهاب ونبذ التطرف والتشدد والعنف». وقال: «مهما تجبرت أيها المجرم وتكبرت، ومهما غاليت في الاستعلاء والاستكبار والغرور والقتل، ومهما روجت من الأكاذيب والأضاليل، فإنك إلى زوال، فنحن قرارنا ألا نتراجع وألا نخاف. قررنا أن نسير مع شعب لبنان المسالم إلى مقاومة سلمية مدنية ديموقراطية». وتابع: «يا أبناء انتفاضة الاستقلال، قوى 14 آذار على موعد مقبل معكم، في ساحات النضال السلمي والديموقراطي. قررنا تحرير الوطن من احتلال السلاح غير الشرعي، لكي نحمي استقلاله ونصون سيادته وسلمه الأهلي. وأوان العودة إلى الوطن والدولة، والشرعية قد حانت ساعتها». وقال: «انت أيها المجرم الموصوف والمعروف، من أهل القتل والظلم وسفك الدماء والغدر والتنصل من المواثيق والعهود». وأضاف: «الشهيد البطل محمد شطح، ما كان قبل اغتيالك لن يكون بعده». وكان ميقاتي، تلقى سلسلة اتصالات للتعزية أبرزها من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ووزراء خارجية الولاياتالمتحدة جون كيري وتركيا أحمد داوود أوغلو والأردن ناصر جودة. وعبروا جميعاً عن «تضامنهم مع لبنان في هذه المرحلة الصعبة»، مشددين على «دعم الحفاظ على الاستقرار في لبنان»، وفق «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية. وارتفع عدد ضحايا تفجير الجمعة الماضي إلى ثمانية بعد وفاة أنور بدوي متأثراً بجروحه وسيشيع اليوم في الحدت. توضيح قباني وكان المكتب الإعلامي في دار الفتوى أوضح في بيان أمس أن «عدم مشاركة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني في تشييع الوزير شطح والصلاة عليه في مسجد محمد الأمين يعود إلى الرسالة السابقة التي تلقاها مفتي الجمهورية شخصياً من السيد نادر الحريري في تشييع اللواء وسام الحسن عندما تلقى اتصالاً منه وقال له: «بما أن اللواء وسام الحسن من الشمال فمفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار يصلي عليه في مسجد محمد الأمين وسط بيروت»، وبناء على ذلك فان الرسالة كانت واضحة جداً بعدم رغبتهم بمشاركة مفتي الجمهورية في الجنازة والصلاة عليها وموضوع الشمال كان حجة واهية، واليوم (أمس) في تشييع الوزير محمد شطح فان الرسالة السابقة كافية في فهم مرادهم في ذلك الأمر ومثله، فآثر سماحته هذه المرة عدم المشاركة حيث لا يجوز اللغط في هذه المسألة الطبيعية التي يزجون فيها الدين بالسياسة».