دفعت الأحداث والاشتباكات الدائرة على محاور القتال في باب التبانة وجبل محسن في طرابلس، الرئيسَ اللبناني ميشال سليمان إلى إرجاء زيارته الرسمية للنمسا التي كان مقرراً أن يبدأها غداً الأحد، إلى موعد لاحق، وذلك لمتابعة التطورات الأمنية في لبنان عموماً وفي طرابلس خصوصاً. وعقد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سلسلة من الاجتماعات واللقاءات السياسية والأمنية، في إطار معالجة الأوضاع في المدينة ومواكبة تنفيذ الجيش اللبناني والقوى الأمنية الإجراءات الميدانية التي اتفق على تطبيقها في الاجتماع الذي عقد أول من أمس في القصر الجمهوري. وأجرى ميقاتي لهذه الغاية اتصالا بالرئيس سليمان تم خلاله البحث في التطورات الراهنة وتقويم الوضع في طرابلس والتحضير للاجتماع الاستكمالي الذي سيعقد في قصر بعبدا لمواكبة الخطوات الأمنية بسلسلة من التدابير القضائية اللازمة في حق المخالفين. كذلك بحث ميقاتي، وفق مكتبه الإعلامي، مع نواب طرابلس وفعالياتها في الواقع الميداني وضرورة «التشدد في تطبيق الإجراءات الأمنية والقضائية ورفع كل غطاء سياسي عن المخلين بالأمن وأهمية تهدئة الخطاب السياسي في هذا الظرف الدقيق». وتلقى ميقاتي اتصالا من الرئيس فؤاد السنيورة تشاورا خلاله في الوضع الراهن. وأكد السنيورة خلال الاتصال «دعم كل المقررات التي اتخذت لمعالجة الوضع في مدينة طرابلس وتطبيق القانون على الجميع من دون استثناء». صقر طلب تزويده بأسماء المقاتلين وفي الشأن القضائي، أوعز مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، إلى جميع قادة الأجهزة الأمنية في الشمال، تزويده بأسماء المشاركين في الأعمال الحربية والعسكرية الجارية في طرابلس، تمهيداً لإصدار مذكرات توقيف في حقهم. وكانت وتيرة الاشتباكات تراجعت صباح امس بشكل ملحوظ، خصوصاً مع دخول وقت الصلاة وخطبة الجمعة، حيث ساد الهدوء معظم محاور القتال في طرابلس، فيما كانت الحركة في أرجاء المدينة كافة شبه معدومة مع سماع أصوات الأعيرة النارية المتفرقة ورصاص القنص. وردَّ الجيش اللبناني على مصادر النيران وسيَّر دوريات مؤللة عند الخط الفاصل وعند مداخل المدينة التي شهدت منذ منتصف ليل الخميس- الجمعة وحتى الخامسة فجر امس، مواجهات ضارية وعنيفة بين المسلحين على محاور القتال كافة،حيث انفجر الوضع الأمني على نطاق واسع، حيث شملت الاشتباكات مناطق البقار، الريفا، الشعراني، الأميركان، حارة السيدة، جبل محسن، طلعة العمري، حارة البرانية، سوق الخضر، البازار، الستاركو، بعل الدروايش، مشروع الحريري، المنكوبين والملولة، واستعملت فيها كل أنواع الأسلحة، فضلاً عن القذائف الصاروخية من نوع (ب7) و(ب10) وقذائف الهاون، التي وصلت إلى عمق طرابلس، وخصوصاً مستديرة أبو علي، الغرباء، الزاهرية، شارع المئتين، الثقافة، باب الحديد والمناطق المحيطة بها، ما دفع ببعض أئمة المساجد إلى الطلب من السكان النزول إلى الطبقات السفلية والملاجئ، كما سُجلت عمليات نزوح إلى خارج المدينة. وأدت حدة المعارك وشراستها، وفق مصادر أمنية، إلى استعمال القنابل المضيئة لاستكشاف مصادر القصف المدفعي والصاروخي، كما تم استعمال رشاشات ثقيلة في المعارك. ونتيجة هذا التراشق المدفعي اندلعت حرائق عدة في بعض المنازل والمحال التجارية عمل عناصر الدفاع المدني وسرية إطفاء طرابلس على إخمادها. أسماء الضحايا كما أدت الاشتباكات إلى سقوط قتيل هو رياض صلاح الدين السلقيمي (59 عاما)، و 20 جريحاً، عرف منهم: إبراهيم يوسف أحمد، حسن محمود، علي خالد العمر، محمد خضر زبيدي، نور الدين عطا الله العدل، نور وليد خضر، محمد خالد فاطمة، آمنة عبدالله دغيم، عمر أحمد الأحمد، باسم عبدو طالعة، كمال إبراهيم أسعد، نور الدين العتري، سويدان أبوعريقة، وليد برغشه، أرسلان إسكندر، إدريس مصول وعلي صعيدي. كما أفادت المعلومات عن إطلاق نار متبادل بين عناصر من الجيش ومجموعة مسلحة على أوتوستراد باب التبانة كانت تحاول منع الجيش من إقامة حاجز، وقد سقط عدد من الجرحى. وتردد أن الجيش سيتدخل بقوة خلال الساعات المقبلة للحسم، وذلك بخلاف المرات السابقة. إلى ذلك، أكد المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، أن «من غير المسموح أن تترك زمرة مسلّحة كمسدس مصوّب إلى رأس طرابلس»، لافتاً إلي أن «أمنها ليس سلعة بيد النظام السوري ولا بيد حزب الله، أمن المدينة حقّ لها وليس منّة من أحد، وعلى الدولة وعلى كلّ المسؤولين، السياسيين وغير السياسيين، أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه طرابلس»، ومعتبراً أن «التغاضي عما يجري بات يهدّد بخروج الأمور عن السيطرة». وقال في مؤتمر صحافي: «نحن مدعوون اليوم باسم طرابلس وباسم كل اللبنانيين المؤمنين بدولتهم والمؤسسات أن نُنبّه إلى خطورة ما تتعرّض له المدينة من اعتداءات أصبحت تأخذ طابع المؤامرة. مرّة جديدة يحاولون تدفيع طرابلس ثمن وقفاتها الوطنية وتمسّكها بخيار الدولة، فإلى متى سيبقى هذا الجرح نازفاً؟ هل يعتقد أحد بعد الآن أن هناك من سيبقى ساكتاً عن الاعتداء المُبرمج والآثم على كرامة طرابلس وأمنها؟». أضاف: «إنه الاعتداء السابع عشر منذ حوادث 7 أيار (مايو) 2008، المشؤومة طبعاً وليست المجيدة، ومنذ اتفاق الدوحة الذي نقضوه على مستوى الوطن، والذي برهنوا من خلال الاعتداء على طرابلس أنه لم يكن سوى محطة لقضم ما تبقى من هيبة الدولة والمؤسسات. إنه الاعتداء الثاني عشر على المدينة بعد تشكيل هذه الحكومة المستقيلة التي كانت استقالتها أشبه باستقالة ميّت واليوم تحت أصوات الرصاص والقنابل التي تروّع الأطفال منذ 5 أيام وعلى وقع الشلل الذي أحدثته هذه الاعتداءات المجرمة تعلن طرابلس وفاة هذا الخيار السياسي الخارج عن قناعتها وثوابتها، وأعني بذلك سقوط خيار المحور السوري – الإيراني في طرابلس. من عاصمة الشمال مدينة الشهيد رفيق الحريري وثورة الأرز التي آمنت بالدولة، والتي تفخر بكبار من أبنائها كالرئيس الشهيد رشيد كرامي والمناضل عبد المجيد الرافعي، نقول طفح الكيل، ما جرى ويجري لم يعد مقبولاً ويجب أن يتوقف فوراً». ولفت ريفي إلى أنه «يخطئ من يعتقد أن ما يجري في طرابلس مواجهة مذهبية بين السنة والعلويين، ما يحصل اعتداء من زمرة تمّ تسليحها لضرب أمن طرابلس، جماعة ثَبُت للأجهزة الأمنية، التي نشكر لها جهدها في كشف الجريمة الكبرى، أن مجرمين يختبئون تحت عباءتها ارتكبوا على الأقل جريمتي التفجير في مسجدي السلام والتقوى. هذا الواقع يجعلنا نتوجه إلى أهلنا في جبل محسن ليتخذوا الموقف المناسب لإدانة المسؤولين عن التفجيرات المجرمة ونتوجه إلى المرجعية الدينية العلوية لإدانة هؤلاء والتبرؤ منهم وإدانة المجرم حيّان رمضان الذي يختبئ بعباءة رجل دين». وسأل الأجهزة الأمنية القادرة «لماذا لم تبادر إلى مداهمة هؤلاء المجرمين واعتقالهم وسوقهم أمام القضاء ليصار إلى محاكمتهم وفقاً للقانون ومنعاً للثأر والانتقام ولإخماد الثورة من داخل أهالي المدينة والشهداء والجرحى؟». وقال: «نحن اليوم أمام لحظة الحقيقة التي يجب أن تقال: طرابلس لم تعد قادرة على تحمل هذه الاعتداءات، في الجولة السابقة أبلغ الرئيس سعد الحريري كل المعنيين أن عدم وقف هذا المسلسل الإجرامي ستكون له عواقب وخيمة تماماً كما فعل نواب المدينة وفاعلياتها وقياداتها».وأضاف: «اليوم اتصل بي الرئيس فؤاد السنيورة معلناً استعداده للاعتصام في هذه المدينة إلى أن ينتهي هذا المسلسل الإجرامي، الأحرى والأولى بالرئيس نجيب ميقاتي ووزرائه الطرابلسيين أن يتركوا وزاراتهم ويعتكفوا في مدينتهم لإعادة حقها في الأمن إليها»، داعياً أهل طرابلس، من قيادات ومرجعيات وفاعليات وشرائح أهلية وشعبية، إلى «التشاور والبحث في خطة تحرُّك تعيد لطرابلس حياتها الطبيعية. لن نعدم أيَّ خيار لحماية أهلنا ومدينتنا». وقال رداً على سؤال: «النظام السوري لديه زُمر معروفة، ومحور سورية- إيران- «حزب الله» نحن نعلم خريطة توزيع المجموعات المتعاملة معهم، وهي مجموعات من المُرتزقة لا يُبنى عليها رهان. وكميات السلاح الموجودة في باب التبانة لا تُحسب أمام كميات السلاح الموجودة لدى مجموعات حزب الله أو سرايا المقاومة. لن نخجل في تبنّي أهلنا في المناطق التي تتعرّض للهجوم. نعم، هناك من بنى جيشاً أشبه بجيش نظامي يلبس لباس الجيش اللبناني ويستعرض قواته أمام عدسات الكاميرات، لا يُمكن الدولة أن تنظر بعينين، يجب أن تنظر بعين واحدة إلى كل أبنائها. يجب أن تكون الدولة عادلة ومُنصفة لكل أبنائها». وعن الخطة الأمنية أجاب: «نحن في الخطة الثانية عشرة، هذه مهزلة، وكأن هناك إحساساً لدى الناس بأن ما يجري هو خطة رعاية للعبث بأمن المدينة وليس لحفظ أمن المدينة. أقول للجميع أعيدوا النظر في حساباتكم. نحن كلبنانيين توافقنا على أن تحكمنا الدولة اللبنانية ولا يمكن أي فريق أن يحكمنا مهما كانت قوته العسكرية». وقال: «سنراهن على لبنان وعلى الدولة، والمسؤولون الذين يقصّرون في واجباتهم يجب أن يسقطوا ويُستبدلوا، لا أحد يستطيع أخذ البلد بخياراته، بل يجب أن نتشارك».