كنت مرافقا لفريق من الأطباء والطبيبات السعوديين في رحلة إغاثية تابعة لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية حتى وصلنا إلى جمهورية مغمورة بأقصى الغرب الإفريقي؛ وتنقلنا خلال 24 ساعة بين 5 طائرات و6 مطارات داخل القارة الإفريقية، ورأيت بأم عيني أخلاقاً وهمة من شبههم عراب رؤيتنا ب«جبل طويق»، وكيف نحث الخطى وكل منا يشد من أزر الآخر ونستبشر ونفرح حينما نخرج من أي مطار دون تعطيل أو فقدان للأمتعة حتى لا نتأخر على عملية الغد لقلب طفل إفريقي من ضمن 25 طفلاً آخرين سيخضعون للعملية نفسها ضمن تلك الرحلة. وما إن وصلنا إلى المستشفى حتى وجدنا قبيلة ذلك الطفل وقد نصبوا خيامهم وربطوا الحمير التي تجر عربات الأخشاب، أمام المستشفى وكأنهم في انتظار خبر مفجع، وتمت العملية الجراحية بنجاح كالمعتاد ولم يبرحوا مكانهم حتى خرج إليهم طفلهم بعد أيام قليلة، والسبب أن لديهم اعتقادًا أن هذا الطفل قد تلبسته روح شريرة ولن تتركه حتى تقتله ومن يحاول إخراجها منه، وكانوا يرفضون الذهاب به إلى المستشفى خوفًا عليه وعلى العاملين بالمستشفى، ولا يخففون آلامه سوى بتقديم قربان لتلك الروح الشريرة بنحر الحيوانات وسكب دمائها على الطفل وإرغامه على شرب دمائها، فكان خروج الطفل معافى بمثابة صاعقة أحرقت كل تلك الأفكار والخرافات البالية لدى تلك القبيلة؛ وبالتالي فسيسمحون لبقية الأطفال من مرضى القلب في القرى المجاورة بإجراء العمليات التي حرموا منها. وبالعودة إلى أرض وطننا الغالي لم ينشر عن تلك الحملة في الصحافة المحلية سوى عدد الأطفال المستفيدين؛ وهذا الطبيعي إذ إن هناك عشرات الحملات تقام في الوقت نفسه؛ وتصل قوافل المركز إلى 106 دول حول العالم. فماذا لو كان هناك فيلم وثائقي قصير لا يتجاوز 5 دقائق؛ يتبع حياة هذا الطفل منذ أن كان في القرية وأثناء تنقله مع قبيلته، ووثق ترقبهم لأذية الروح الشريرة وكيف كان نجاح العملية صادمًا لهم ومنقذًا لأفكارهم، ثم يتتبع الفيلم تأثر صحة الأطفال الآخرين بعد أن تغير فكر أسرهم الذين حرموهم من حقهم الأساسي في العلاج والحياة بصحة، وإدخالهم في ظلمة الأمراض النفسية والفصام، لما قاسوه من خوف بعمر الزهور، وكيف يمكن أن يكون الفيلم مقدمة لفيلم ممتد يتتبع حياة أطفال تلك القرى، وكيف تغير مستقبلهم بسبب رصاصة رحمة غيرت أفكارهم؛ أطلقتها طواقم طبية سعودية تطوعية، وعادت لأرض الوطن دون أي صخب إعلامي! لو أن مثل هذا الفيلم عرض على منصات عالمية ورشح لجوائز عالمية، ما هو المتوقع من تأثيره الناعم في صورتنا أمام العالم. بل ولو أسس المركز مكتبة تحتوي على مؤلفات لقصص مشابهة يرويها طواقم المركز المنتشرة حول العالم، وتحويل ما يمكن تحويله منها إلى أفلام وثائقية، فكيف سيكون حجم هذه المكتبة، خصوصا وأن هناك مبادرات من وزارة الإعلام لإبراز مثل هذه الجوانب لنجاح المواطن السعودي بشكل وثائقي وبمعايير عالمية، مثل مبادرة «كنوز السعودية»، فبكنوزنا البشرية (نغيث حتى الفكر).