تماشيًا مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، وتماهيًا مع التوجه الثقافي الوطني في صون الهوية والمحافظة على المعالم التاريخية، عادت الحياة من جديد إلى دار الشيخ علي بن عبدالله العيسى، قاضي الوشم ومفتي الديار النجدية -في زمنه-، في قلب شقراء التاريخية. بجوار "سوق المجلس" الشهير، وتحت ظلال الماضي العابق، يقف البيت شامخًا بعد أن أحياه واعتنى به الأستاذ خالد العيسى وإخوانه، أحفاد المؤرخ الكبير إبراهيم بن صالح العيسى، ليصبح معلمًا حيًا ينبض بالإرث، ويحتضن ذاكرة عالم وزاهد وعدل من أعلام نجد. البيت، الذي كان يُعرف في زمن سابق باسم "بيت نورة بنت فيصل آل سعود" -رحمها الله-، انتقل ملكيته لاحقًا إلى الشيخ علي العيسى، ثم إلى سعود بن محمد العيسى، الذي أوقفه على بعض ذريته، لتظل هذه الدار حافظة لتاريخ طويل من العلم والعدل. يمتد البيت على مساحة تزيد على 233 مترًا مربعًا، وكان محاطًا بالمنازل من كل الجهات عدا زاويته الشمالية الشرقية، حيث يمتد ممر ضيق مسقوف يُعرف ب"سوق ملوي"، لا يتجاوز عرضه مترين، وتطل عليه بوابتان، إحداهما "باب القهوة" من الشرق، والثانية "باب السوق" من الشمال. لذلك كان البيت معتماً أغلب الوقت، لا تدخله الشمس إلا من الباحة أو "القوع". وُلد الشيخ علي العيسى في شقراء عام 1249ه، وحفظ القرآن الكريم صغيرًا، وكان شغوفًا بالعلم، مجتهدًا في تحصيله، حتى بلغ مكانة علمية مرموقة. تولى قضاء الوشم بأمر الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي، ثم استمر فيه حتى بعد نهاية الدولة السعودية الثانية، حين أقره محمد العبدالله الرشيد. وكان مرجعًا في الفتيا والتدريس، وأحد العلماء الذين نسخوا "نبذة جبر بن سيار" في أنساب أهل نجد. ويذكر الدكتور عثمان الضويان أن الشيخ علي بن عبدالله العيسى كان من كبار علماء زمانه، وله مؤلفات عدة، منها "حاشية على الروض المربع"، والتي تناولتها رسالتا دكتوراه حديثتان في جامعة أم القرى، فضلًا عن مراسلاته وفتاواه المنتشرة في كتب مثل "الدرر السنية"، و"المختار من مراسلات وفتاوى الشيخ علي العيسى"، و"من آثار علماء أشيقر". وعن المشروع، يقول حفيده عيسى بن عبدالعزيز العيسى: "تم بحمد الله، وبإشراف صالح وعبدالعزيز أبناء سعود العيسى، اكتمال دار الشيخ علي العيسى، وتولى إعادة بنائها الأستاذ خالد بن عبدالرحمن العيسى وإخوته، ليعود هذا المعلم التاريخي إلى الحياة، وليكون مفخرة لشقراء وأهلها وكل زائر لها، لما يحمله من سيرة علم وعدالة وزهد". ويُعرف عن خالد العيسى اهتمامه بإحياء البيوت التراثية القديمة، ومن أبرز ما قام بإحيائه: دار المؤرخ إبراهيم بن صالح العيسى في أشيقر 1270ه - 1343ه، وبيت عمر بن علي العيسى، وبيت المضبوط أحمد بن عبدالله العيسى، ودار المطوع عبدالرحمن الفوزان العيسى، وبيت البيز عبدالرحمن العيسى، وغيرها من البيوت التي أصبحت تنبض بالحياة من جديد. هذا المشروع، رغم أنه جهد فردي، إلا أنه يعكس انسجامًا عميقًا مع رؤية المملكة 2030، وتماشيًا مع التوجهات التي تقودها وزارة الثقافة وهيئة التراث في صيانة المباني التاريخية وتعزيز الوعي بقيمة الموروث الوطني، ليتحول الماضي من حكاية إلى حاضرٍ نابض، يربط الأجيال بجذورهم، ويُظهر للعالم أن الطين لا يزال يحكى.. إذا ما أُحسن الإصغاء إليه. دار المؤرخ ابن عيسى -1270 1343ه في القرية التراثية بأشيقر صالح وعبدالعزيز وعيسى العيسى والزميل محمد الحسيني أمام دار الشيخ علي العيسى دور المطوع والبيز من العيسى في شقراء التراثية بعد ترميمها حفيد قاضي الوشم عبدالله بن عمر بن علي العيسى "رحمه الله"