وقفات طريبية من الحب ما قتل ومن الغيرة ما أعمى الأبصار. من حب أهل طريب لطريب أنصبت معظم كتابات أبنائه ومعظم أحاديث مواطنيه لمناقشة السلبيات والإخفاقات الموجودة على أرض الواقع ، وهو حق من حقوقهم ، إلا أننا نتجاوز حدود المعقول أحياناً إلى ما يصل إلى جلد الذات ، مع أننا نعرف أن كثير من الأحداث المحزنة هي دخيلة على طريب ، ويجب علينا تقبل ذلك باعتبار طريب تجاوز مفهوم القرية إلى مفهوم المدينة ومن مفهوم القبيلة أو قبائل الجد الواحد إلى التعددية . طريب له وجوه مشرقة كثيرة ، لن تحجبها سوداوية المناوشات الصبيانية اليومية ، ولا دموية التزاحم الشعيرية ، ولا موضة التسلح الشبابية . الغالبية العظمى من أهالي طريب لم تقف في طابور الشعير ، ولم تسلح طلبة المدارس ، ولم ترخي العنان للمراهقين ليجوبوا الشوارع في القوائل وفي أنصاف الليالي. هذه الغالبية من السكان هي من أظهرت تلك المرأة الطريبية التي تبرعت بكل أغنامها من أجل محتاجي الصومال وطمعاً في الأجر والمثوبة . هذه الغالبية هي التي تبرعت بحوالي 350 ألف ريال عداً ونقداً مع الكثير من التبرعات العينية ، متجاوزة بذلك محافظات كبيرة مساحةً وسكاناَ. هذه الغالبية هي من أنجبت تلك السواعد التطوعية الفتية التي أحسنت التنظيم والاستقبال ، وأذهلت الجميع بخلقهم وحسن تعاملهم ، ولا أجد ما أعبر به إلا ما قاله أحد المتبرعين وهو يهم بركوب سيارته حينما قال: (أسعد الله ان كل الموظفين في طريب متطوعين). هذه الغالبية التي أحزنها موت ثلاثة من شبابهم في ليلة واحدة حتى ليتخيل للمرء بأن في كل بيت طريبي سرادق عزاء. هذه الغالبية هي التي أنجبت ذلك الرجل الفذ الفريد الذي أصر على إطلاق سراح من دهس فلذة كبده في خلال ساعات من الحادث وقبل أن يدفن ضناه. طريب تجاوز عدد سكانه حسب الإحصائيات الأخيرة كل المراكز الإدارية بمنطقة عسير ، وتخطى بعض المحافظات ، وما يحدث من تجاوزات هي من قلة غير مسئولة ومن جيران يرون في طريب مدينة للجميع كما هي نظرتنا لخميس مشيط أو أحد رفيدة ، ولو كانت الغالبية في نفس مركب القلة وعلى نفس مسارها لأصبحت طريب بحاجة لقوات الطوارئ والحرس الوطني. الخير كل الخير في أهل طريب ، فلا تتركوا القلة بأعمالها النكرة تطغى على أعمالكم الخيّرة وعلى صفاء قلوبكم وعلى كريم عطفكم . حسين آل حمدان الفهري