نحن أمة لا نختلف عن الأمم الأخرى، في أفراحها وأتراحها، وملاهيها، وطرائفها وفكاهاتها. وتوجد لدينا، بوفرة وكثافة، كل ألوان «الكوميديا»: السوداء والصفراء والبيضاء وحتى «الشهباء»، ولا نختلف عن الآخرين سوى أن لدينا، أيضاً، كل أنواع «الدراما» الدموية، وتستبد بنا شحنة عاطفية «فوق الحمراء» ونقتنع، في أحيان كثيرة، وعلى الرغم من أنوفنا العربية الشامخة، إننا أمة مبتلاة بمحن «مهندسة» لم تحدث صدفة. في الوطن العربي وفي المملكة نجد أناسا يكرهون أمريكا بحدة وبتغطرس أحياناً وبجهل أكبر، وينشدون «إلياذات» طويلة ويتعسفون فتاوى في فنون لعن أمريكا وشتمها، لكنهم أشد ما يكونون متعة وحبوراً حينما يركبون سيارات أمريكية ويستخدمون أجهزة أمريكية ويتعاملون بالدولار الأمريكي في كل مكان.وحينما نستعرض بعض النماذج العربية في السياسة والاجتماع والاقتصاد وحتى في الدين، نكتشف أن الليل طويل، وأن المحن مقيمة «ما أقام عسيب» وأن هؤلاء باقون بين ظهرانينا واكتافنا، وجاثمون على أنفاسنا. مثلاً لا يمكن في أية أمة أخرى أن يجري التفكير بإعادة «انتخاب» رئيس تسببت إدارته في قتل و«تعويق» مئات الآلاف من مواطنيه، وتغييب مئات آلاف أخرى، وتشريد الملايين. ولكن في أمة العرب تجد من يدافع ب«حرارة» وب«فدائية» ملحمية عن «ضرورة» إعادة انتخاب «الرئيس القائد الملهم بشار الأسد» ليحكم سوريا سنوات أخرى سيرى فيها السوريون نجوم ظهر أخرى لم يتسن لهم مشاهدتها حتى الآن. يدعون إلى اعادة انتخاب الأسد على الرغم من أن النتيجة واضحة، ففخامته في سنتين فقط، غيب نصف مليون مواطن سوري من الوجود وحق الحياة، وصادر من أربعة ملايين آخرين حق الوطن، فما عسى أن تكون إنجازات فخامته في أربع سنوات قادمة. مع أنه لن يتمكن، بعد الآن، من «رش» السوريين بالكيماوي لأن الكيماوي قد أصبح ملكاً لأمريكا، ولا يمكن للأسد نقله أو المساس به أو حتى تدميره سوى بإذن من جون كيري. وفي العراق تعمل آلة التلفيق والإقصاء بأقصى طاقاتها وعلناً بلا حياء. ثم يودون أن يستقر العراق ويتعافى من محنه المديدة وليله الطويل. وفصائل فلسطينية عادت الفلسطينيين أكثر مما تعادي إسرائيل. وفي لبنان يحدث تدمير ذاتي ومجاني لهذا البلد الجميل الذي يمثل رمزاً تاريخياً ثميناً لتعايش الطوائف وإبداعاتها. وفي مصر الكل يكيل اتهامات للكل، حتى اصبحت الفضائيات المصرية نوعاً خاصاً من الرشاشات والبنادق والقنابل..!.. ووصلات ردح ومزايدات مقيتة مع الإخوان أو ضدهم. وفي الوطن العربي وفي المملكة نجد أناسا يكرهون أمريكا بحدة وبتغطرس أحياناً وبجهل أكبر، وينشدون «إلياذات» طويلة ويتعسفون فتاوى في فنون لعن أمريكا وشتمها، لكنهم أشد ما يكونون متعة وحبوراً حينما يركبون سيارات أمريكية ويستخدمون أجهزة أمريكية ويتعاملون بالدولار الأمريكي في كل مكان. وفي امة العرب نجد من يتحدثون عن ثقافة الحوار والسلام والحضارة والتمدن ولكنهم يتبادلون التحايا ب«الرشاشات» والقنابل وكل أدوات الموت الأخرى المروعة. ماذا يعني كل هذا؟!.. يعني أن القوى النافذة العالية الصوت في الوطن العربي الآن «خارج التغطية»، والحكمة عدوها اللدود والجنون ضالتها وكنزها التليد. *وتر أيقظته الرياح الغاضبة من نصف غفوة.. ليمد نظره هلعاً.. هذا الأفق ملبّد بالخوف.. وفي طرف الوادي الحزين، تكظم قرى الحفا آلامها. وتتوسل المدن الصاخبة.. تصبراً أن يعود الضحى.. وأناشيد فياض العوشز.. [email protected]