(يا غيرة الله قد عاينت فانتهكي .. هتك النساء وما منهن يرتكب، هبِ الرجال على إجرامها قتلت..ما بال أطفالها بالذبح تنتهب)، كانت هذه بعض الكلمات التي نظمها إبراهيم بن المهدي حينما دخل على خليفة المسلمين المعتصم، ويخبره استصراخ المرأة المسلمة وهي تستجير من بطش الروم( وامعتصماه)، فهب من ساعته قائلا ( لبيك ، لبيك ) ونادى بالنفير ليثأر لعرض المرأة.. تذكرت هذا الموقف وأنا أشاهد كم الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة السورية شقيقة أحرار الثورة في نضالهم لتخليص الوطن من براثن نظام الأسد الطائفي، الذي استنفد كل أوراق لعبة الإجرام والبطش، فانزلق إلى مستنقع رخيص بإهدار كرامة المرأة وإذلالها لتركيع أهلها تحت أقدامه، بينما العرب والمسلمون واقفون، يتفرجون، فأنى لنا بمعتصماه.. تلك كانت زفرات الأسى وآهات الألم تنطق بها كلمات الدكتورة تغريد الحجري عضو الأمانة العامة في المجلس الوطني السوري ومديرة مكتب المرأة في حوار صريح جداً مع « اليوم» ,تالياً نصه: الأولويات أهم القضايا المنوطة بمكتب المرأة؟ لاشك أن اهتمام هيئة الائتلاف السوري بالمرأة وتشكيل مكتب للمرأة لم يأت من فراغ، بل فرضته عدة اعتبارات لاتتوقف عند مجرد المكانة التي حققتها المرأة السورية من حيث إثباتها للذات وتقاسمها لمسيرة النضال والكفاح الوطني مع شقائها من الرجال على درب التحرر من حكم ديكتاتوري مستبد حتى الوصول إلى دولة حرة تتنفس نسيم الديمقراطية لتواكب أجواء الربيع العربي، بقدر ما يتعلق الأمر بإعادة ترميم للجوانب النفسية وإصلاح الخلل الذي تسبب فيه نظام الأسد وجرائم الشبيحة الذين أطلقهم كالكلاب المسعورة ينهشون في أعراض النساء السوريات، كما استخدمهن كدروع بشرية في مواجهاته مع الثوار، فضلا عن قيام شبيحة النظام بعمليات التحرش والاغتصاب للمرأة انتقاماً منها. للأسف الشديد فإن المرأة السورية التي أفلتت من قبضة شبيحة نظام الأسد ولجأت إلى مخيمات ومعسكرات الإيواء وجدت نفسها تواجه مشكلة إن لم تكن مشاكل أخرى، كانتشار زواج القاصرات في سن الرابعة عشرة، وهي ظاهرة اجتماعية خطيرة جدا سيكون لها تأثير سيئ على المجتمع السوري بالمستقبل، فضلا عن انتشار موضوع الزواج المبطن، ناهيك عن حالات التحرش بالمرأة السورية في مخيمات الإيواء بالخارج، وتم الاستهانة بالمرأة السورية حتى وصل الحال ببعض المجلات والصحف العربية تنشر على صدر صفحاتها إعلانات تطلب فيها خادمات سوريات. نحن في الحقيقة معنيون بكل الملفات التي تتعلق بهموم ومشاكل وقضايا المرأة السورية سواء ما تسبب فيه شبيحة النظام أو تلك التي تعرضت لها المرأة بالخارج، حيث نسير في خطين متوازيين ، فمن جهة يتم توثيق كل ذلك ، ومن ناحية أخرى نحاول إيجاد حالة توازن لوضع المرأة السورية، من أجل أن نتلافى المشاكل التي قد تتعرض لها المرأة في المستقبل بقدر الإمكان. توثيق الجرائم تحدثتم عن عملية توثيق للانتهاكات التي تعرضت لها المرأة السورية على يد شبيحة نظام الأسد.. فما هي الآلية التي يتم اتباعها لتحقيق ذلك؟ هناك عدة طرق يتم اتباعها من أجل القيام بعملية توثيق الانتهاكات التي تعرضت ومازالت تتعرض لها المرأة السورية على يد شبيحة نظام الأسد، فهناك مثلا صفحات التواصل الاجتماعي وشبكات الإعلام عبر النت، كما توجد هناك عمليات تواصل مع الداخل سواء عبر شبكات حقوق الإنسان أو النشطاء والعاملين في ميادين المجتمع المدني أو المحامين للحصول منهم على البيانات والمعلومات المتعلقة برصدهم للانتهاكات التي تتعرض لها المرأة، ثم نقوم بعد ذلك عملية التوثيق . هل الهدف من عملية التوثيق مجرد تسجيل للانتهاكات التي تتعرض لها المرأة السورية؟ القضية لاتقف عند مجرد التوثيق بهدف تسجيل أحداث وانتهاكات، بل إننا نقوم بعملية تصنيف للمعلومات التي نحصل عليها عن المرأة، إذ علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أننا أمام مشكلة مركبة للانتهاكات التي تتعرض لها المرأة على يد نظام الأسد، فمن جانب هناك بعض النساء المعتقلات بالداخل اللاتي أعلن عنهم النظام، في حين هناك جزء آخر تعرض لعمليات الاختطاف وهذا هو حال كثير من الفتيات اللائي قام شبيحة النظام باختطافهن من منازلهن، الشوارع، من المدارس والجامعات، وقد نقل الإعلام بعض هذه الصور وقام بعرضها على الرأي العام العالمي عبر الفضائيات وعلى صفحات الجرائد. وماذا أنتم فاعلون ؟ نحن بصدد التنسيق مع منظمات نسائية عربية وإسلامية ودولية لحثها على القيام بزيارات للأراضي السورية وإحراج نظام الأسد ومطالبته بزيارة السجون والمعتقلات للإطلاع على أوضاع السجينات، ومن ثم رصد وتسجيل ملاحظاتهم، والكشف عن الأعداد الحقيقية للنساء في المعتقلات ، وفي نفس الوقت الوقوف على مصير الفتيات اللائي قام شبيحة النظام باختطافهن . الطريق للجنائية الدولية إلى أين تذهبون بعد الانتهاء من عملية التوثيق؟ نحن الآن في طور الإعداد للملف والخروج بصيغة معينة، وحينما ننتهى من استكماله بكل ما ينبغي ان يحتويه من انتهاكات واعمال اغتصاب، عندئذ سنقوم برفعه إلى محكمة الجنايات الدولية، خاصة وأن الجميع يعرف أننا كمجمتعات عربية لنا عاداتنا وتقاليدنا العربية والاسلامية، التي تعتبر أن المرأة سواء كانت زوجة أم ابنة هي عرض الأسرة ، فمابالنا حينما يتم انتهاك عرض المرأة أمام أبيها أو إخوتها، وهناك حالات كثيرة تعرضت لانتهاك عرضها أمام ابيها وأولادها وزوجها، وهي تصرفات غير مقبولة عربياً وإسلامياً، كما يرفضها الضمير الإنساني العالمي بأي حال من الأحوال، ومن ثم فإنه يجب أن يتم توقيع أقصى العقاب على كل من قاموا بذلك من أتباع نظام الأسد. جسور التواصل كيف تستثمرون وجودكم في لندن لنقل صورة معاناة السوريين للمجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان في أوروبا؟ نحن كمكتب للمرأة في هيئة الإئتلاف السوري عمرنا لم يتجاوز الشهر تقريبا، فهي خطوة مستحدثة، ومع ذلك حاولنا نكثف من تحركاتنا ومساعينا على كافة الجبهات لمد جسور التعاون مع كافة منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان العالمية، إلا أننا آثرنا في البداية أن تكون انطلاقتنا من التفاعل مع منظمات المرأة السورية في كافة الدول العربية وكذلك الحال المتواجد منها في أوروبا وأمريكا، بهدف تجميع العمل النسوي السوري ضمن خطة عمل واحدة. ترتيب البيت النسوي هل يعني ذلك أنكم تميلون نحو مركزية العمل النسوي ؟ ربما كلمة المركزية غير محببة إلى كثير من الناس لارتباطها دائما في الأذهان بصورة الإدارات البيروقراطية والديكتاتوريات المستبدة، أما نحن فهدفنا واضح أننا نريد مد جسور التواصل مع الجميع، وليس بالضرورة أن ينصهر الكل في بوتقة واحدة سواء كانت الإئتلاف أو غيره، لأننا مؤمنون ومقتنعون وحريصون على أهمية وجود التنوع واحترام توجهات بعضنا البعض، المهم أن يكون طريقنا في النهاية يتجه صوب خدمة قضايا المرأة السورية ككل، سواء تعلق ذلك بوضع المرأة في الحياة السياسية، أم الاجتماعية، أم الاقتصادية، فجميعها قضايا مطروحة. وماذا عن جسور التواصل مع المجتمع المدني العالمي؟ هذه المهمة منوطة بالأخوات السوريات المتواجدات في كل قطر من الأقطار، حيث يضطلعن بمسؤوليات التواصل مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وتلك المعنية بقضايا المرأة والطفل، مع التركيز على المنظمات الاوروبية العاملة في هذا المجال نظرا لخبرتها العالية مقارنة بالمنظمات العربية. إهدار حق المرأة إلى أي مدى تعوّلون على منظمات المجتمع المدني الدولية لخدمة قضايا المرأة السورية؟ كما سبق وأشرنا فإن المرأة السورية تتعرض لانتهاكات عديدة، خاصة داخل المعتقلات حيث يمنع نظام الأسد أهاليهن من زيارتهن، ومن ثم فإن دور المنظمات الإنسانية العالمية مهم وفعال في الكشف عن الأوضاع اللإنسانية التي تتعرض لها المرأة داخل السجون، من أجل أن يكون هناك رأي ضاغط من المجتمع الدولي لنصرة قضايا حقوق المرأة والطفل . أين منظمات المرأة العربية مما تتعرضن له ؟ للأسف نحن نعاني من صمت عربي ودولي سواء تعلق الأمر بالثورة السورية بشكل عام، أو الانتهاكات التي يمارسها نظام الأسد ضد المرأة السورية بصفة خاصة، ورغم أصوات الاستغاثة فالجميع من حولنا يضع أصابعه في أذنيه، فلا نرى تحركا من أي منظمة للمرأة عربيا ولا عالميا لنجدتنا، ونأمل أن تقوم منظمة المرأة العربية بدورها المنوط بها في نصرة المرأة السورية . عقد نفسية ما أولويات خطة تحرككم خلال المرحلة المقبلة؟ يجب أن نشير إلى حقيقة هامة، وهي أنه عندما تنشب الحروب يكون أكثر المتضررين منها المرأة والطفل، لذا سنضع في مقدمة أولياتنا المقبلة البعد النفسي عند الطفل على وجه التحديد، ومن خلال خارطة طريق يكون هناك استعانة بأطباء لوضع برامج علاجي، حيث تترك المشاهد المأساوية التي يتعرض لها الطفل آثاراً خطيرة على تكوينه وسلوكياته المستقبلية، لأن الطفل الذي يشاهد أمه أو اخته وهي تغتصب وينتهك عرضها من جانب شبيحة نظام الأسد، فضلا عن هدم جدران مدرسته، وحارته وضياع كل ملامح الذكريات مع الرفاق، لاشك أنه سيكون لذلك تداعياته السلبية عليه مستقبلا، كما سيظل دوي أصوات الصوارخ في أذنيه، لنجد انفسنا بعد سقوط النظام أمام جيل به تشوهات ليست جسدية فحسب بل كذلك مليئة بالعقد النفسية، وللأسف هذا الواقع سنظل نعاني منه لفترة ليست بالقصيرة. هل لديكم رؤية للتدخل المبكر للتخفيف من وطأة هذه الكارثة؟ بالفعل نحن نتحرك من الآن بغرض التدخل المبكر لحماية مستقبل سوريا من جيل ذي عقد نفسية، لذا وضعنا ضمن أولوياتنا خطة تحرك لزيارات ميدانية لمخيمات النازحين في الخارج وكذلك الداخل من أجل إقامة دورات تدريبية لعناصر تتولى مهمة عمل دورات تدريبية للتأهيل النفسي سواء كان للمرأة أوالطفل خاصة في مخيمات النازحين من أجل بناء مجتمع سوري سليم الجسد والنفس ما بعد نظام الأسد . ضحايا الكيماوي ما حقيقة انتشار بعض أمراض السرطانات بين النساء السوريات في مخيمات النازحين؟ هناك قافلة طبية سوف تقوم بزيارة لمخيمات النازحين السوريين للوقوف على الحالة الصحية للمرأة خاصة، وهناك برنامج صحي لحماية المرأة من ظاهرة أمراض السرطان ، وخاصة سرطان الثدي والرحم باعتبار أن المرأة أكثر عرضة للإصابة بأمراض السرطان، ومن ثم فإن البرنامج سيشمل إجراء الكشف الدوري كل شهر على المرأة، فضلا عن برامج للتوعية الصحية والإنقاذ، حيث هناك مخاوف من حدوث حالات حمل في مناطق المخيمات والنزوح، وما قد ينتج عن ذلك من ولادة أطفال مشوهين بسبب القنابل الكيماوية التي استخدمها نظام الأسد في قصف المناطق السكانية في سوريا، وهواجس أن يكون لها انعكاسات سلبية على الأجيال الجديدة، ومن هنا يأتي دور الصحة الإنجابية في الكشف المبكر حتى لا يكون هناك جيل مشوه ، ويكفي المستقبل السوري أن يحمل ضحايا مشوهين وذوي إعاقات جسدية ، لا أن نضيف له جيلا آخر به تشوهات خلقية. رصاص الأسد وسيف الجهل أخيراً لو كانت هناك رسالة لمن ستكتبينها ؟ في الحقيقة هي ليست رسالة واحدة بل عدة رسائل : الأولى للمجتمع العربي الذي وقف يتفرج على المرأة السورية وهي تستغيث وتستجير به أن يحميها من انتهاكات الأسد.. وكذلك رسالة للأمي العام للجامعة العربية وخاصة إدارة المرأة بالجامعة العربية من أجل أن يكون هناك تحرك فاعل للإفراج عن النساء المعتقلات داخل سجون نظام بشار،أو في أضعف الإيمان السماح لذويهن بزيارتهن والإعلان عن أسماء المعتقلات وعدم استخدام المرأة كدروع بشرية في المعركة ضد الثوار، وتوقف شبيحة النظام عن انتهاكات عرض المرأة.. ثم رسالة أخيرة للقادة العرب قبل قمة الدوحة، نقول لهم: لقد طالت معاناة الشعب السوري وثورته على مدى عامين ، بينما يستمر الصمت العرب والدولي تاما، ونحن هنا إذا كنا نتحدث عن المساعدات الاغاثية وخاصة إنقاذ جيل من الأطفال لاتتوافر له فرصة التعليم منذ عامين بالمخيمات مما ينذر بجيل جاهل، وكأن من لايصيبه رصاص الأسد يقتله سيف الجهل، فضلا عن ضرورة أن يكون هناك موقف عربي موحد لايجاد حل بشروط معينة لحل الأزمة السورية ومعاقبة نظام الأسد ضد كل جريمة في حق سوريا، ونحن سنظل نسير على درب ثورتنا للحصول على كرامتنا حتى إلى آخر يوم في حياتنا، ومهما أمعن نظام الأسد في حرب الإبادة ضد الثورة فإرادة الشعب السوري لن تنكسر، وسنعيد بناء سورية المحررة.