يتوزع اهتمام مُعظم القنوات الفضائية الشعبية بين عرض أمسيات وقصائد الشعراء وشيلات المُنشدين وبين عرض المناسبات الخاصة والرسمية أو مزاينات الإبل، وقد خرجت بعضها مؤخراً خروجاً محموداً من الإطار الضيق الذي وضعت نفسها بداخله وأضافت برامج منوعة وشاملة كشكل من أشكال التغيير والتشويق في محاولة لجذب شريحة أكبر من المتابعين، وأعتقد أن أبرز إنجازات القنوات - التي أشرت للعديد منها في مقالات سابقة - هي إتاحة فرصة أكبر للمبدعين للظهور سواء بعرض إنتاجهم أو بإقامة المسابقات التي لا يتم فيها الاكتفاء بعرض إبداع المبدع فحسب، بل يحظى المتسابق المتميز فيها بالعديد من المزايا التي تتناسب مع حجم موهبته وتشجعه على الاستمرار وتقديم الأفضل. لكن الملاحظ هو أن المسابقات التي أقامتها القنوات الشعبية وبرغم كثرتها وخدمتها لأصحاب المواهب الشعرية الجميلة أو تلك التي تتماس تماساً مباشراً مع موهبة الشعر وتقترن بها كالإنشاد مثلاً، إلا أن ثمة مواهب عظيمة أخرى ما زالت بعيدة عن اهتمام القائمين على القنوات ولم يتم تخصيص مُسابقات لتشجيع أصحابها، أو القيام بأضعف المطلوب وهو منحهم فرصة الظهور وعرض إبداعهم للمشاهدين، وأعني تحديداً موهبة إلقاء الشعر التي يكاد ينعدم الاهتمام بها وبأصحابها مع أن الإلقاء الجيد يُضيف الكثير من الجماليات للقصيدة ويُساعد على إيصالها للمتلقي بصورة أفضل كما هو الحال مع الإنشاد. لا أتحدث هنا عن الشعراء أو الإعلاميين المعروفين الذين يمتلكون موهبة إلقاء الشعر إلى جانب مواهبهم الأساسية لأنها وحدها قد تكون كفيلة بإبرازهم وتسليط الأضواء عليهم، بل عن أصحاب موهبة إلقاء الشعر من المغمورين وممن يهتمون بانتقاء أفضل القصائد لغيرهم ويجتهدون في منحها مزيداً من الجمال بروعة إحساسهم وتفاعلهم مع كلماتها وبعذوبة وقوة أصواتهم إضافة إلى حرصهم على طرحها بإخراج بديع ومتميز، وبرغم تعدد عشاق إلقاء الشعر إلا أن هناك مبدعَين لافتا نظري بشدة خلال الفترة الماضية واطلعت على تجربتهما المتميزة في إلقاء الشعر عبر وسيلتين مختلفتين وأجد من المناسب الإشارة إليهما ومن الواجب عليّ الإشادة بهما، الأول هو دخيل الله بن فاطم الذي قدم عدداً من القصائد للشعراء وتم بثها في إحدى قنوات الشعر بصوته الرائع، وكذلك استمتعت كثيراً بالاستماع لتجربة مبدع آخر ينشر إنتاجه عبر (اليوتيوب) وأطلق على نفسه لقب (سفير الإلقاء الألمعي)، وقد تميز بجمال صوته وبراعته في التفاعل مع القصائد التي يُلقيها وكذلك قدرته على تنويع اختياراته الشعرية من حيث الشكل والأغراض. وأجزم أن هناك الكثير من المبدعين في مجال إلقاء الشعر غير من ذكرت ينتظرون إتاحة الفرصة المناسبة لهم من قِبل القائمين على القنوات الشعرية لعرض إبداعهم كشكل من أشكال التشجيع الذي يضمن لنا مواصلة عطائهم وتطوير مواهبهم. أخيراً يقول المبدع غلاب بن عايض: يالله عسى رخوم البشر ما تكاثر اللي على الأجواد صارت مغثه كم واحد دمه مجمّد وخاثر الجسم حي الجسم والروح جثه!