ها أنذا أعود بقلمي من جديد لكي أخط لكم وأسطر ما رأيته ولما شاهدته من أمور عديدة خلال رحلتي الطويلة في عالم الصداقة.. في عالم خال من الزيف والنفاق والتزييف.. في عالم أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع والحقيقة.. في عالم يشح الزمن فيه أن يجود علينا بمثل هذه الصداقة الحقة وبمثل هؤلاء الأصدقاء الأوفياء.. نعم قلتها صدقا لا كذبا.. صراحة لا مجاملة.. حقيقة لا مكابرة.. قلتها عن واقع تجربة أحسست فيها بمعنى الصداقة الحقة التي هي أسمى الروابط الإنسانية وبما أن الأصدقاء يمثلون الدعامة الأساسية لقيام علاقاتنا الاجتماعية، فإن المشاعر هي التي نشعر بها عند تعبيرنا عن مجتمعنا وعمق مودتنا لأصدقائنا، تلك بالفعل هي أجمل اللحظات التي نعيشها وقد لا تمحى من ذاكرتنا وتظل عنوانا لصداقتنا.. فالصديق هو من تشعر به بقربك عند أزمتك وهو من يواسيك وقت شدتك يقف بجانبك وقت محنتك وتراه في كل وقت يلازمك مثل ظلك ويدافع عنك عند ظلمك يحترمك ولا يهينك تراه يبادر بمساعدتك عند حاجتك.. ويحبك لا لمصلحته ولكن لذاتك.. فإذا فقدت أحدا من أقربائك خفف من مصيبتك وأثناء مرضك يصبح كالبلسم الشافي ووقت فراغك تجده يؤنس وحدتك وعندما تسافر يتألم لفراقك وهو لا تهون عليه عشرتك.. وعندما تحزن يحزن لحزنك ويتألم لألمك وعندما تفرح يفرح لفرحك ويسعد لسعادتك.. وعندما تموت يتكدر بعدك حزناً عليك ووفاء لصداقتك.. فهذا هو الإنسان الذي حقا يستحق أن تمنحه لقب الصديق وتفتخر بصداقته لأنه صديقك وقت ضيقك هذا نموذج كامل وواضح للصديق المخلص الصادق.. ولكن دعوني أبرهن هذا الكلام وأقول لكم أن هناك العديد العديد من الأمثلة الحية لواقع الصداقة الجميلة النادرة في هذا الزمن العجيب الذي أصبح كل شيء فيه غريباً.. فلربما تحكمون على كلامي المقبل بالمبالغة ولكن أقول لكم إنها الحقيقة، إنها الحقيقة قد أكون قطعت مشوارا لا بأس به من سير التعليم.. وقد أكون قطعت الفيافي والصحاري في سبيل التعليم وذلك لأنه واجب علي نحو وطني وديني ولأنه عمل.. والعمل والعلم هما أساس العبادة.. ولكني أخذت بعين الاعتبار الرفقة الجميلة الرفقة التي صعب عليّ تعويضها في زمننا هذا.. إن تلك الرفقة هم نخبة جميلة من أصناف البشر لا بل هم من صفوة الناس عندي.. هم من الذين ينطبق عليهم هذا البيت: واختر صديقك واصطفيه تفاخراً إن القرين إلى المقارن ينسب إن السعادة بمعنى كلمة السعادة لم أحس بمعناها الحقيقي إلا في هذه السنة التي اعتبرتها عندي وعند تلك الرفقة «سنة غير» في كل شيء لدرجة أن الوقت لم يكن له حساب عندي وذلك لمروره السريع ولسرعته الخاطفة كالبرق، ولكن أرجع مرة أخرى وأقول إن اللحظات السعيدة لا بد أن تمر بسرعة خاصة وإذا كان معك مصدر هذه السعادة ومصدر تلك الضحكات التي كانت ترتسم على شفاهنا كل يوم، والتي لا أستطيع الاستغناء عنها، وتلك الأنشودة التي أترنم بها كل صباح لم تأت إلا بسبب تلك السعادة التي كانت تغمرني والتي كادت أن تنسيني قيمة الوقت، أرجع تلك الأمور وتلك الأحاسيس والمشاعر التي خالجت نفسي إلى هؤلاء النخبة من الصديقات واللاتي أعتز بهن وأقدرهن وأحترمهن.. قد تكون العلاقة بين أي شخصين أو بين أي صديقتين شيئاً روتينياً، أو شيئاً معتاداً عليه.. ولكن عندما يكون لك مجموعة من الصديقات يَكْنُنَّ لك كل حب وتقدير.. ويحملن لك في قلوبهن كل محبة ومعزة واحترام.. كما يجدن هن نفس الصفة والتفكير التي تحملينها أنت.. فإنك تكونين في مثل هذه الحالة من المحظوظات بمثل هذه الصداقة.. وتقولين وأنت في هذه اللحظة هل يجود الزمن علينا بمثل هذه الصحبة.. أو يشح علينا إلا ما ندر.. إن تلك المجموعة من الصديقات كانت فوق الخيال.. نعم أقولها بكل صراحة فوق الخيال فهذه تحفظ أسراري والأخرى تراعي عواطفي والثانية تقدر أفكاري وتؤيدني وتساعدني و....و.... كنا كبستان زرعت فيه كل الورود الجميلة.. وكل وردة تحمل شكلا ولوناً مميزاً ولكن مهما اختلفت البتلات في ألوانها إلا أن الكؤوس التي تحملها واحدة وهي الأساس.. نعم كنت كوردة أحيطت بتلك الوردات الجميلة من جميع النواحي لكي تحميها من المؤثرات الخارجية والعوامل الأخرى.. حتى تلك الحركات العشوائية وتلك القفشات وتلك الثكنات العفوية والبسيطة يكاد لا يخلو أي يوم يمر علينا منها.. ناهيك عن تلك المواقف الجميلة والتي لها أثر ووقع كبير في النفس.. جعلتنا نحب كل شيء حولنا.. جعلتني أحب ذلك المكان الذي كنا نجتمع به من بداية دخولنا إليه وحتى خروجنا منه.. أحببت تلك المدرسة أحببت ترابها وبنيانها أحببت طاولتي ودفتر تحضيري وطالباتي.. أحببت العصافير التي كنت أسمع شقشقتها بينما كنت أنا أشرح وألقي الدرس على الطالبات.. أحببت ذلك الباص ا لذي كان ينقلنا كل صباح أحببت تلك الشمس التي كانت تبزغ علينا وتضيء وجهي بنورها الوضاء المشع فأصحو من غفوتي التي غفوتها بحلم جميل في ذلك الباص الجميل أحببت ذلك الطريق الطويل.. والذي كم تمنيت أن يكون أطول من ذلك حتى تطول لحظات السعادة بيننا عندما اجتمع مع صديقاتي الحبيبات.. فلقد كنت أحس بأن ذلك الطريق الطويل كل يوم يقصر عن اليوم الذي قبله فقد كنا نجتمع فيأخذنا الحديث والمناقشات الحادة وذيك السواليف الجميلة التي كنا نشعر بلذتها في تلك اللحظات.. حتى نحس أن اللحظات السعيدة التي بيننا تمر بثوانٍ ولن ترجع ثانية.. أحببت تلك المقالب الظريفة التي كنّا نعملها لبعض.. أحببت تلك اللحظات التي أجد فيها إحداهن مقبلة عليّ باسمة وتلك تنتظرني لكي تشرح لي مشكلتها والثانية توجه إليّ النصح والأخرى تقوم بالتعليق على ملابسي كل ذلك بنفس طيبة خالية من الحقد والحسد وحب النفس.. بل إن صفة الايثار تكاد تنتشر بيننا حيث إن كل واحدة كانت تفكر في صديقتها ربما أكثر من تفكيرها في نفسها.. نعم لقد كانت تلك المجموعة التي لا تقل ولا تزيد عن ستة مثالاً حياً لمجموعة من الأصدقاء.. وكما قلت إن الإنسان وهو يسير في هذه الدنيا ويقطع مراحل حياته فيها يحتاج إلى من يؤانسه في الطريق ويسلي وحدته في السفر ويكون عوناً له عند نزول الملمات والحوادث.. يفرح لفرحه ويحزن لحزنه.. أصاب من الدين أوفره ومن الأدب أكثره.. وكما قال صلى اللّه عليه وسلم: إن أقربكم مني مجلساً أحاسنكم أخلاقاً الموطأون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون» بل إن حتى نبيي وقرة عيني وقدوتنا اختار أبا بكر الصديق رفيقا لدربه ، وصديقاً مخلصاً له.. وكما قال الشاعر: إذا صاحبت فاصحب صاحباً ذا حياء وعفاف وكرم قائلا للشيء لا إن قلت لا وإذا قلت نعم قال نعم حتى الألقاب لم ننسها بل جعلنا لها نصيباً في جلساتنا التي لم أنسها ما حييت فهي في بالي دوماً وفي بالي كل شيء جمعتنا وروحتنا وجيتنا وفرحتنا.. كان كل شيء ينتهي بسرعة فوقفت لحظة وتذكرت بل شعرت أن الوقت بدأ يتداركنا فأدركت أن عذرنا الحاضر هو الوقت والخاطر كنت دائما أقول لصديقاتي الوقت.. الوقت ولكن كل ما يسعني قوله هو، وهو كلنا «عايشين» وهي كلها أيام أوقات نذوب من الحنين أوقات نذوب من الآلام.. حيث يتحتم علينا بعد كل هذا أن نرضخ في النهاية إلى القدر المحتوم، إلى كل ما يحصل لنا من بعد وفراق الذين هو أصعب اللحظات وكما ذقنا أسعد اللحظات لا بد لنا في النهاية وفي نهاية المطاف أن نذوق أصعب اللحظات.. فالحياة طرق الحياة ممرات.. الحياة لقاء، تعارف، محبة، ود..، وداع . فلحظة الفراق لحظة مريرة خاصة عندما تكونين أعطيت كل حبك لأشخاص يعرفونك وتعرفينهم جيدا.. ولكن كما أن القدر لعب دوراً كبيراً في جمعتنا لا بد أن يكون له دور في تفريقنا ولا راد لقضاء اللّه وقدره ولكن نسأله اللطف فيه.. فالوداع صعب ولكن لا بد لنا في النهاية من تقبله رغماً عنا.. وهنا تكمن صعوبة السؤال.. هو صعب السؤال لماذا نفترق.. صعب السؤال أين نلتقي.. أنتم الشمال ونحن الجنوب.. لكن نحب.. واللّه نحب.. وفوق الخيال بعد.. وفي الأخير خل عن خله رحل ولكن ما زال هناك أمل.. بإذن اللّه عز وجل.. ويأتي موعد اللقاء والفرح يحل . فلا البعد يعني غياب الوجوه.. ولا الشوق يعرف قيد الزمن.. والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته. منيرة البكر