إن كنت تملك فاقرأ مقالي هذا وإن كنت لا تملك فأنصحك بأن تقرأ من صفحات جزيرتنا غير هذا المقال او تتابع قراءة مقالات عزيزتنا أتعلم لماذا؟! لأن الأسى سيحشو فتحات قلبك وتتمنى انك تملك صديقاً صدوقاً مخلصاً يشاركك في السراء والضراء فتجده في فرحك يزيد من سعادتك سعادة أخرى وتجده في حزنك يدا تداوي ألمك وتتبع أثر حزنك ليقدم لك واجب الصداقة الحقة على طبق الإخلاص الذهبي. أعيد السؤال: هل تملك صديقا صدوقاً,,؟! أتمنى ان تجيب بنعم ليس لأنك تملك صديقا فقط بل لأنك تسعد بانضمام الإخلاص والصدق والتضحية لتلك الصداقة التي تجمعكما,, ربما تعرفه منذ زمن وربما لم تعرفه إلا من فترة قصيرة ولكن حبه تغلغل في أعماقك وسرى في جميع وجدانك فأصبح صوته يتردد على مسمعك وطيفه يلازمك لا تتعجب فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف حتى وإن بعدت الدار وشط المزار. قل لمن شط المزار به ليت شعري عنك ما خبرُك؟! أعلى حفظ لحرمتنا؟! أم عفا من ردنا أشرُك؟! كتب أبو الدرداء يناجي صديقه سلمان الفارسي يدعوه إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان الفارسي: إن بعدت الدار من الدار فإن الروح من الروح قريب وطائر السماء على إلفه من الأرض يقع! أنظر لائتلاف الأرواح وشذا عطر الصداقة الفواح لا تتعجب فالروح من الروح قريب والقلب للقلب شاهد! قيل للجنيد: ابن عطاء يدعي صداقتك فهل هو كما يقول؟! قال: هو فوق ما يقول وأجد ذلك له من قلبي بشواهد لا تكذبني عنه ولا تكذبه عني. لم لا وصديقك تعرفه وقت ضيقك حين يتخلى عنك من سواه من الأصحاب ممن يعرفك وقت الحاجة! لم لا وصديقك سلاحك تواجه به مصاعب الدنيا وآلامها,, تواجه به جراح الزمن وهو لك الصاحب المؤتمن: أخاك أخاك ان من لا أخأ له كساع إلى الهيجا بغير سلاح! لم لا وصديقك يبادلك الرأي ويسدي لك المشورة ويفديك بروحه؟! روحه روحي وروحي روحه إن يشا شئت وإن شئت يشا قال العتابي لصاحب له: ما أحوجك إلى أخ كريم الأخوة كامل المروءة، إذا غبت خلفك وإذا حضرت كنفك وإذا نكرت عرفك وإذا جفوت لاطفك وإذا بررت كافأك وإذا لقي صديقك استزاده لك وإن لقي عدوك كف عنك غرب (1) العادية وإذا رأيته ابتهجت وإذا باثثته استرحت. قل لي يا عزيزي أفليس الإنسان كاليمين بلا شمال؟! فصديق يحمل تلك الصفات حري بك أن تحافظ عليه بل أن تفرش له فؤادك وتغطيه بعينيك,, تجعل له قلبك سكنا وتحفظ وده بل وتخطب مودته بكل ما أوتيت من قوة فتحفظه في غيبه وتبرز حبك له كلما دعت المواقف لذلك أو كلما رأيت ان حبكما سيذبل فكل شيء صائر إلى الذبول ما لم يجدد، ولا ترضى له إلا بالجميل قولاً وفعلاً فهذا الصديق مرآتك التي تعكس صورتك وتطلع من حولك على شخصك وتعرفهم بشخصيتك فلابد من حفظ الصديق في غيابه وحضوره والحفاظ عليه والتودد له وليس هذا تذللاً او خضوعاً بل هو قمة العقل ورجحان اللب فها هو رجل قد أتى إلى مطيع بن إياس فقال له: قد جئتك خاطباً, قال: لمن؟! قال: لمودتك، قال: قد أنكحتكها وجعلت الصداق ألا تقبل فيّ مقالة قائل. فأنت أيها الصديق يا من تملك صديقاً صدوقاً اجعله تاج رأسك ومدينتك المأهولة بالحب والمودة,, حافظ على صداقتكما ففيها خيرا الدنيا والآخرة بإذن الله فالمتحابون في جلال الله على منابر من نور يغبطهم على تلك المكانة الأنبياء والشهداء ومن يا ترى يصل لمكانة الأنبياء والشهداء؟! فأمامك طريق دنيوي زاخر بالأجر والمثوبة من الله فلم لا تشارك صديقك وتشركه معك في الأجر أفلست تحبه وتفديه بروحك؟! فأنت يا من تملك صديقاً صدوقاً ما زال في الوقت متسع فقدم لصديقك مايعزز صداقتكما ويزيد من حبكما فلربما أتى يوم تتمنى ان يعود ذلك الصديق إلى الحياة لتقدم مالم تقدمه له من واجبات الصداقة وحتميات الأخوة الصادقة فلا تكن مع الزمن ضده حتى لا يقول لك جرحه الغائر: رأيت جفاء الدهر بي فجفوتني كأنك غضبان عليَّ مع الدهر ولا تكن ممن لا يفكر في غير نفسه ويجعل من الاعتداء والتعدي على حقوق صديقه مورداً سهلاً حتى وإن أخطأ عليك (فالعفو من شيم الكرام) ولأن الصداقة لكي تستمر لابد أن تحفها التنازلات من الطرفين حتى تدوم وتستمر: وكنت إذا الصديق أراد غيظي وأشرقني على حنق بريقي عفوك ذنوبه وصفحت عنه مخافة ان أعيش بلا صديق أنت يا من تملك صديقاً اجتهد في تأكيد حبك له حتى وإن كان يعلم ذلك فكما أشرت ليس ذكاء مني بقدر ما هو حقيقة مسلم بها في أن الشيء إذا لم يجدد فمصيره الذبول قال الفضل بن الربيع: أحلف لأخيك أنك تحبه واجتهد في تثبيت ذلك عنده فإنه يستجد لك حباً ويزداد لك وداً. أفلست ترغب في ذلك يا من تحجم عن تجديد حبكما؟! دع البخل جانباً فمن يبخل بمشاعره على عزيز لديه حري به أن يبخل بأشياء كثيرة تتطلب منه بعض الجهد وقليلا من العطاء! أليس كذلك؟! فالبخل الذي أعنيه كثير لا يتوقف على التعبير (مشافهة) عن مشاعرك فقط ولا بالرسائل المعطرة التي يبخل بها الكثير الكثير في هذا الزمن الذي تعتريه موجة جفاف عارمة تقصم كل رطب فيها ولين بل أعني بذلك الدعاء والدعاء الصادق من القلب سواء كلفت به من قبله أو لم تكلف فصداقتكما تحتم عليك محبة الخير له والسعي خلف تحقيق ما تتمناه نفسه وتصبو إليه ولعلي حين أتحدث عن الكتابة والمراسلة أفتح باباً أتمنى ان يعيه الكثير فكم من صديق لمس البخل في صديقه,, في حرفه الذي يعلم كل العلم ان له أثره الفعال في تخفيف مصاب او تقديم عزاء او حتى تشجيع لعمل قام به وتذكيره بحق الله فيه ولا نعلم لذلك سبباً: ترى حَرُمت كُتب الأخلاء بينهم ابن لي، أم القرطاس أصبح غالياً؟! فما كان لو راعيت كيف حالنا وقد دهمتنا نكبة هي ماهيا! فهبك عدوي لا صديقي فربما رأيت الأعادي يرحمون الأعاديا! فالإقلال من الكتابة ضرره على الطرفين عظيم ولربما قاد ذلك للقطيعة أو إيجاد شيء في النفس فالأولى بك ان تحافظ على حبكما وعلى الكنز الذي بينكما وتكتب له,, أكتب ما سنحت لك الفرصة,, متى ما رأيت أن الواجب عليك ان تكتب له في تخفيف,, في تهنئة ,, في دعوة أو حتى بدون مناسبة فحرفك له أثره في نفسه,, له وقعه الخاص والذي لن يكون له الأثر العميق من أي كائن من كان إلا منك أفلست (أنت) روحه؟! ولعل الواجب عليك بما أننا في الكتابة والمراسلة رد الرسالة حتى وإن لم يطلب منك لما في ذلك من الأثر الطيب الذي سينعكس حتماً على صديقك ويحفظه لك في سجل صداقتكما: إذا كتب الصديق إلى صديق فقد وجب الجواب عليه فرضا فذاك من حسن التصرف وكمال العقل وطيب المعاملة التي ينبغي أن تبدأ بها أنت فتضاف لميزة العقل دماثة الخلق ولين الجانب ليفتخر بك المحيطون ويجعلك صديقك وساماً يتزين به صدره وتاجاً يفتخر بحمله امام الآخرين فلا خير في صديق لا يكون عون صديقه ولا يهديه عيوبه ولا يكون المتقدم عليك في الابتعاد عن المساوئ والعيوب ليس أنانية بل لكي تسعد لتقديمك فائدة تضاف لسجلات الفوائد التي قدمتها لصديقك وتوأم روحك قال سقراط: مما يدل على عقل صديقك ونصيحته انه يدلك على عيوبك وينفيها عنك ويعظك بالحسنى ويتعظ بها منك ويزجرك عن السيئة وينزجر عنها لك. تمهل ولا تعجل بلومك صاحباً لعل له عذراً وأنت تلوم فالملامة والعتاب أمر مطلوب ولكن ليس دائماً ولا في كل شيء فلا تكن صديقاً لواماً لأنك حتماً ستفقد صديقك الذي ربما تنازل أكثر من مرة ويكتمها في كل مرة ولكن تأكد (تفيض الكأس عند امتلائها). عزيزي! يا من تملك صديقاً احرص عليه وقدم له المعونة واجعل السلف لك مثلاً يحتذى في حفاظهم على أمور دينهم وحرصهم على تتبع مواطن الخير. قرع رجل باب بعض السلف في ليل فقال لجاريته: أبصري من القارع؟ فأتت الباب فقالت: من ذا؟ قال: أنا صديق مولاك، فقال الرجل: قولي له: والله إنك / لصديق، فقالت له (ذلك) فقال: والله إني لصديق، فنهض الرجل وبيده سيف، وكيس ، يسوق جارية، وفتح الباب وقال : ما شأنك؟ قال: راعني أمر، قال: لابك، ما ساءك، فإني قد قسمت أمرك بين نائبة (2) فهذا المال، وبين عدو فهذا السيف، أو أيم (3) فهذه الجارية! فقال الرجل: لله بلادك ما رأيت مثلك. فهذا أقل واجبات الصداقة التي أرى ان أبدأ بها قبل أن تبدأ لأن من يملك صديقاً في هذا الزمن يملك الدنيا بأسرها ومن يفتقده أو يفقده بشكل أو بآخر فإن الحزن أُسقط في يده عفواً الحزن حاصر قلبه وأصبح إنساناً مدعواً لطاولة الحرمان الفارهة! لا أعني ان تقديم المعونة في شيء مادي فقط بل حتى الإحساس أمر جد هام فشاركه في حزنه وفرحه وأشعره أنك تبادله صدق المشاعر فيما تملك ومالا تملك,قال ابن مناذر: كنت أمشي مع الخليل فانقطع شسع (4) نعلي فخلع نعله فقلت له: ما تصنع؟ قال: أواسيك بالحفاء! لله در تلكم الصداقات التي لا تعرف المصالح أو تزييف المشاعر,, تلك الصداقات التي ذكرتها لنا كتب الأقدمين,,صداقات زاخرة بالتضحية والصدق,, زاخرة بالعطاء والمشاركة,, فها هو التوحيدي يذكر في كتابه الصداقة والصديق نوعاً من أنواع الصداقات العجيبة فذكر: قلت لأبي سليمان السجستاني: إني أرى بينك وبين ابن سيار القاضي ممازجة نفسية وصداقة عقلية، ومساعدة طبيعية، ومواتاة خلقية, فمن أين هذا؟ وكيف هو؟ فقال: يا بني! اختلطت ثقتي به بثقته بي، فاستفدنا طمأنينة وسكوناً لا يرثّان على الدهر ولا يحولان بالقهر ومع ذلك فبيننا مشاكلة عجيبة، ومظاهرة غريبة، حتى أنا نلتقي كثيراً في الإرادات والاختيارات والشهوات والطلبات وربما تزاورنا فيحدثني بأشياء جرت له بعد افتراقنا من قبل، فأجدها شبيهة بأمور حدثت لي في ذلك الأوان حتى كأنها قسائم بيني وبينه، أو كأني هو فيها أو هو أنا، وربما حدثته برؤيا فيحدثني بأختها فنراها في ذلك الوقت أو قبله بقليل، أو بعده بقليل. وأنت يا من نصحته بألا يقرأ مقالي هذا والذي أعلم انه لن ينفذ ما أشرت إليه فقط لأنها النفس البشرية تقدم على ما منعت منه أنصحك الآن بألا تيأس من هذه الدنيا فحتماً ستجد ما تتمناه نفسك من صدق الصداقة وعبق الأخوة حتى وإن تطلب الأمر منك السفر في طلبه قيل لفيلسوف من أطول الناس سفراً؟ قال : من سافر في طلب صديق! فهذا الفيلسوف لم تشفع له مكانته ليجد صديقاً أمامه مستوفي الشروط وحاضر الطلب ويكفي رأيه في أطول الناس سفراً. تغربت أسأل من قد أرى من الناس هل من صديق صدوق فقالوا: عزيزان لن يوجدا صديق صدوق وبيض الأنوق (5) أتمنى ألا أكون بهذا الحرف شقياً وألا أكون ممن حرك مشاعر الحزن والأسى لفقد الأحبة والأصدقاء ولكنها الدنيا (أحبب من شئت فإنك مفارقه) تجبرنا على ان ننزل أشرعتنا في مرافئ الحياة المختلفة لنعلن نحن الرحيل يوما ما: كنا نزوركم والدار جامعة في كل حال فلما شطت الدار صرنا نقدر وقتاً في زيارتكم وليس للشوق في الأحشاء مقدار جمعنا الله بمن نحب في الدنيا والآخرة ورزقنا منازل يغبطنا عليها الأنبياء والشهداء. اللهم آمين. نبض: إن ما قل منك يكثر عندي وكثير من الحبيب القليل عزيزة القعيضب (1) كففت من غربه أي من حدته, العادية: مؤنث العادي وهو العدو والجمع عُداة. (2) المصيبة. (3) آمت المرأة من زوجها أيمة وأيما وأيوماً: فقدته وكذا الرجل من امرأته وتأيم الرجل وتأيمت المرأة: إذا مكثا زمانا لا يتزوجان. (4) قبال النعال وهو زمام بين الأصبع الوسطى والتي تليها. (5) الأنوق: العقاب وفي الأمثال: أعز من بيض الأنوق يضرب لما لا سبيل إليه.