إثر قتل الجندي البريطاني، لي ريغبي، في لندن خلال أيار (مايو) الماضي، أقبل عدد كبير من الناس على مشاهدة شريط فيديو يظهر أحد الجناة وهو يتحدث رافعاً ساطوراً فيما الدماء تلطخ يديه. وبادرت قناة «آي تي في» إلى بث الشريط في نشرتها الإخبارية، وسارت على خطاها شبكة «بريتيش نتورك». لكن الشريط لم ينتجه صحافيون محترفون، فَمَنْ صوَّره بواسطة هاتفه ال «بلاكبيري» هو رجل صودف مروره في طريقه إلى مقابلة عمل. وهو زوّد مراسلي «آي تي في» بالشريط، وطلب ألا يذاع اسمه. وخشي كثر أن تقوّض وسائل التواصل الاجتماعي مهنة المراسل المحترف. «ثقتي في مواطن - صحافي هي بمقدار ثقتي في مواطن- جرّاح»، يقول مورلي سَفِر، المراسل لدى «سي بي أس». لكن مرور الأيام أظهر أن ما يبثه الناس «العاديون» من صور وفيديو وتغريدات «تويتر» يساهم في تحسين التغطية الإخبارية وتوسيع رقعتها وإغناء مادتها. ويساهم سيل ما ينتجه الهواة في توفير فرص عمل للصحافيين ممن يجيدون أصول التحقق من الصور وإثبات «صحتها» وتحليلها. ولا يعزف الجمهور عن صور الهواة «المهزوزة» أو غير الواضحة. ويرون أن الصور التي تلتقطها عدسات غير محترفة أكثر حميمية وواقعية من صور المهنيين «الملساء» ولقطاتهم الماهرة. وإذا امتنعت المحطات التلفزيونية عن نشر مواد الصحافيين الهواة، سيهجرها جمهورها الى «يوتيوب» للاطلاع على صور الصحافيين المرتجلين. وتعاظمت نسبة استناد الصحافيين في إعدادهم تحقيقات واسعة الى مصادر مستمدة من مواقع التواصل الاجتماعي. ودعت وكالات اخبار ومواقع اخبارية قراءها الى إرسال «موادهم» مباشرة الى موقعها. وموقع «سي أن أن» هو من اول المواقع التي بادرت الى ذلك، واليوم، يبلغ عدد الهواة المساهمين فيه 1.3 مليون شخص أي 6 اضعاف عددهم في 2008 يوم بدأ الموقع استقبال مواد عامة الناس. وتدعو صحيفة «أفتوبلادت» السويدية قراءها الى إبلاغها بمواقعهم الجغرافية وتنبيهها عند وقوع طارئ في جوارهم. وهي تنشر أبرز صورهم وتسجيلاتهم في مقابل تعرفة بسيطة. وفي نيسان (ابريل) المنصرم، أطلقت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية موقعاً صغيراً اسمه «غارديان ويتنس (شهود الغارديان)» بالتعاون مع شركة اتصالات ترمي الى مساعدة مستخدمي الهواتف الخليوية على بث تسجيلات الفيديو الخاصة بهم. لكن الشهود يميلون الى بث «أعمالهم» على شبكات التواصل الاجتماعي. وعلى سبيل المثل، في 2005، كان مستخدمو موقع «بي بي سي» يقبلون على إرسال «أعمالهم» إليه. وكانت حصة موادهم راجحة في مضمونه المخصص لهم. لكن «بي بي سي» تضطر اليوم الى البحث عما يقارب نصف مضمون موقعها على وسائل التواصل الاجتماعي. ويومياً تبث شرائط فيديو مدتها مجتمعة 7 آلاف ساعة من البث الوثيق الصلة بأخبار حوادث على «يوتيوب»، موقع الفيديو على الخط التابع ل «غوغل». الهواة هم منتجو مواد «يوتيوب». وتستعين وكالات الأخبار بفِرَق يتعاظم عددها للبحث عن أفضل الصور والتسجيلات القصيرة المرمية في بحر الشبكة الإلكترونية. ويستعين موقع «بي بي سي نيوز» بأكبر فريق في قسم وسائل التواصل الاجتماعي. فهو يستخدم 20 موظفاً، في حين يستعين غيره من مواقع الصحف الكبيرة بفرق صغيرة عددها لا يتجاوز 7 اشخاص. ويلجأ الصحافيون الى عدد من الخدمات البرمجية لتحديد موقع بث الشريط ومطابقته موقع المدينة المفترض انه ينقل حادثة طارئة فيها. والصحافيون ملزمون بالتدقيق في «صدقية» المواد، كما يفعلون مع مصادرهم التقليدية، ومن يهمل هذا التدقيق ينزلق الى اخطاء كبيرة. فعلى سبيل المثال، نشرت «سي أن أن» وصحيفة «نيويورك بوست» وصحف أخرى عناوين رئيسية تناولت تفجيرات ماراتون بوسطن استناداً الى إشاعات ذاعت في «تويتر» و«ريديت». والصحافيون مدعوون الى الاطلاع على تغريدات المستخدم السابقة للتحقق مما إذا كان منحازاً سياسياً وتقويم صدقية عمله. وهم يستخدمون خرائط «غوغل» للتحقق من مواقع التقاط الصورة او تصوير الفيديو، ويبحثون في بنوك الصور للتأكد من ان الصورة لم يُتلاعب بها. وعلى سبيل المثل، لم ينشر محررو «أسوشيتد برس» شريط فيديو يظهر جولة قتال في درعا. ففي الشريط بدا تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد، ماثلاً حيث تدور المعركة، لكنه أُسقِط قبل أسبوعين. وإثر التحقق من الصور وتسجيلات الفيديو يضطر الصحافيون الى استئذان أصحابها. وهذا الاستئذان مهمة عسيرة. فغالباً ما يطلب صاحب المادة أن تنسب إليه من غير بدل مادي. لكن إيجاد منتجي المواد عسير، وقد تضطر وكالات الأنباء ومواقع الأخبار الى انتظار الموافقة، فتتأخر في نشر المواد. والصحافيون يرغبون في تذليل «يوتيوب» عدداً من العقبات من طريق استحداث خانة ينقر عليها محمِّل المواد فيعطي «الضوء الأخضر» لاستخدامها. وثمة شركات تتولى التدقيق في صدقية تسجيلات الفيديو والصور وتبيع خدماتها في مقابل اشتراك شهري يتراوح بين 750 دولاراً و15 ألف دولار. وشركة «سيتزنسايد» الفرنسية تساعد الصحافيين الهواة على بيع «اعمالهم» للمحطات التلفزيونية. وفي 2011، كان أكثر التسجيلات رواجاً في حركة بيع الشركة هذه هو تسجيل يظهر جون غاليانو، مصمم الأزياء البريطاني، وهو يكيل الإهانات لرواد مطعم باريسي. * عن «ايكونوميست» البريطانية، 1/6/2013، إعداد منال نحاس