هل يبدو متسرعاً القول إن معركة التنافس بين الإعلام التقليدي وإعلام التواصل الاجتماعي محسومة لمصلحة الأول على اعتبار أن الثاني يفتقر إلى الدقة والصدقية وينطوي على المبالغات والإشاعات وضعف المحتوى وسوى ذلك؟ كانت غالبية الإجابات عن هذا التساؤل في «منتدى الإعلام العربي» في دبي بالإيجاب، لكن يبدو أن لدى قناة «سكاي نيوز عربية» مقاربة مختلفة في شأن هذا الجدل. اليوم كثير من المواد الإخبارية تأتي من أفراد عاديين، وفكرة الصحافي الذي يعرف بالخبر أو المعلومة قبل الآخرين تتراجع في شكل كبير، وبتنا نرى أحياناً مراسلين ميدانيين أضعف من أن يدركوا حقيقة المنطقة التي يغطونها، لكنْ ينبغي أن يكون ذلك مبرراً لإعطاء الصحافي المحترف والمتمرس مزيداً من الأهمية وليس العكس. فوكالة عريقة مثل «رويترز» قد تتأخر ربما في بثّ خبر أو تحليل ما، وقد يكون الخبر نفسه متاحاً على مواقع وفي أماكن عدة قبل فترة من بثّ «رويترز» مادتها، إلا أنّ الغالبية ما زالت تشعر بمزيد من الثقة والاطمئنان حين تقرأ الخبر في «رويترز» أو «الفرنسية» أو «يو بي آي» أو «أسوشيتدبرس». إذاً، تراكم الصدقية والمهنية يبقى الأساس. وربما هذا ما دفع ظاعن شاهين، رئيس تحرير صحيفة «البيان» الإماراتية لأنْ يقول إن وسائل الإعلام الاجتماعي لم ولن تكون بديلاً من الإعلام التقليدي؛ فهذه الوسائط برأيه «ربما تنقل الصورة لكنها لا تستطيع أنْ تنقل أو تنظر إلى خارج الإطار». في مقابل هذه الحِدّية، ثمة من يرى أن وسائل الإعلام الاجتماعي تفرض على الإعلام التقليدي مزيداً من الحرص على تعميق الخبر وتحليله وتقديمه للقارئ أو المستمع والمشاهد في شكل يليق بسعة اطلاعه وكثرة المصادر التي يطّلع عليها أو في متناول يده. وحين يجد شخص ما أن نشرة أخبار «العربية» أو «الجزيرة» أو «بي بي سي» العربية على الساعة الخامسة مساء هي نفسها نشرة السادسة والسابعة مساء مثلاً، فسيتجه على الأغلب إلى مصادر أخرى مثل المواقع الإلكترونية أو «تويتر» و «فايسبوك»، ما يعني أن إحساس الإعلام التقليدي بأنه يفقد جزءاً من جمهوره من المفترض أنْ يحضّه على تحسين الأداء وتلبية فضول الجمهور، وهو فضول بات أشدّ عطشاً وأكثر استعصاء على الإشباع. اليوم، الخبر الآتي من سورية في معظمه أكثر اعتماداً على وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام المحترف لا يعدم المعايير والآليات لتوظيف هذه الوسائل في صناعة مادة إعلامية تتسم بالجدية والدقة والغنى واحترام المتلقي. يمكن أي إعلامي محترف أو وسيلة إعلامية رصينة أن توظف إشارة صغيرة على «تويتر» أو جدلاً على «فايسبوك» أو «يوتيوب» وتحوّله إلى مادة إعلامية مميزة، وتميزها لا ينفي فضل «تويتر» و «فايسبوك» و «يوتيوب» عليها. إن تزاحم الأخبار وحيوية المواقع الإلكترونية وديناميكية «تويتر» و «فايسبوك» يفرض على محرري الصحف والقنوات التلفزيونية مزيداً من الحرص على المتابعة لآخر لحظة حتى لا «تحترق» مادتهم الإعلامية وتغدو قديمة بين لحظة وأخرى، وكم من صحيفة تجد فيها مادة مطولة تتناقض مع شريط الأخبار على موقعها الإلكتروني الذي ينقل آخر الأخبار. إعلام التواصل الاجتماعي من شأنه الإعلاء من أهمية «السوسيولوجي» في صناعة المادة الإعلامية، وهي حاجة ملحّة وضرورية في ظل عالم عربي يمر بتحولات ومراحل انتقالية وصراعات وانقسامات قد تؤدي إلى إعادة رسم الخرائط وإعادة التوزيع السكاني في المنطقة. ويبدو الإعلام الاجتماعي أكثر صراحة في البوح أو التعبير عن علاقات اجتماعية تتفكك ومجتمعات تتخاصم ويتفتت نسيجها الوطني وتتشظى أكثر فأكثر وتختلف كثيراً في شأن هويتها وماضيها وحاضرها ومستقبلها. فئة الشباب هم غالبية مستخدمي «تويتر» و «فايسبوك» و «يوتيوب»، وهم الأكثر اقتناء للهواتف المحمولة الذكية، ما يعني تحدياً أمام أي وسيلة إعلامية جادة ومؤثرة في أنْ تسعى للوصول إلى الأجهزة الذكية التي في أيدي الناس، كما يقول عرار الشرع، رئيس التحرير التنفيذي في قناة «سكاي نيوز عربية» التي ستطلق قريباً برنامج «سيغنال» يومياً لمدة نصف ساعة يركّز على إعلام التواصل الاجتماعي أكثر من الصورة والخبر التقليدي التلفزيوني. النقطة الجوهرية التي يضيء عليها عرار تقول إن إعلام التواصل الاجتماعي شهد طفرة لا يمكن تجاهلها وأنه يعيش فوضى، والمطلوب التقرّب من جيل التواصل لتكون هناك قواعد ومعايير مهنية وتنظيم لهذا الإعلام... ويساهم في إرساء هذه القواعد صحافيون وإعلاميون مؤهلون وأصحاب خبرة، ومنفتحون على معالجة نواقص وسائط الإعلام الاجتماعي، ما يتطلب «صبراً استراتيجياً» لن يطيقه من يكتفون بوسم تلك الوسائط بالخفة والخواء والصبيانية. * كاتب أردني