نشأ الفنان أشرف فياض في مدينة أبها، وتكون فنياً بها... وهو أحد أعضاء جماعة"شتا"التشكيلية، التي قدمت معرضها الأول العام الفائت بنجاح جيد في جدة. وهو إضافة إلى ممارسته للتشكيل يكتب الشعر، ولديه مجموعة شعرية ناجزة. حول تجربته الفنية وتطورها وجديده كان لنا معه هذا الحوار حدثنا عن بداياتك الأولى مع التشكيل وقرية المفتاحة وأصدقاء"شتا"؟ كيف بدأت وتنامت؟ - كانت بداياتي في مراحل باكرة من الطفولة، وذلك بمحاولة محاكاة العديد من اللوحات الشهيرة عالمياً، لكنني توقفت عن ممارسة الرسم لفترة طويلة جداً... ثم عدت الى التشكيل كممارسة جادة عام 1999 في مدينة غزة، من خلال عدد من المشاركات الخجولة، ومن ثم عدت إلى أبها لانتسب الى قرية المفتاحة التشكيلية في أبها، وشاركت في عدد من المعارض المحلية المقامة هناك... لكنني كنت مقلاً جداً في انتاج اللوحات نتيجة لبحثي المتواصل عن الفكرة وعن شكل مختلف للعمل الفني غير محصور ضمن إطار اللوحة. وبدأت فعلاً في ممارسة أعمال مغايرة وخارجة عن المألوف، وكنت أواجه مشكلة في كيفية طرحها على المستوى المحلي بشكل يلقى قبولاً في الوسط التشكيلي. ومن خلال انتسابي إلى قرية المفتاحة تعرفت على الأصدقاء في"شتا"، ووجدت لديهم رغبة مشابهة لرغبتي في تعاطي الفن وإنتاج ما هو مختلف وأكثر عمقاً. وتمكنا من تأسيس مجموعة"شتا"عام 2004 بعد جهود فردية كثيرة. وعلى أسس متقدمة ومختلفة وحرة. في معرض جماعة"شتا"الأول في جدة كانت أعمال الجماعة على صلة كبيرة وربما تنبثق من فضاء الكومبيوتر والانترنت، بدءاً من تصميم كتيب المعرض وليس انتهاء بالأعمال، حدثنا عن هذا الفضاء وكيفية استثماره وكيف يمكن أن يتم؟ - بما اننا ننتمي كمرحلة حضارية قائمة بحد ذاتها إلى عصر المعلوماتية إن صح التعبير وعلى رغم كوننا نلعب دور المستهلك بإتقان لتلك المعطيات الحضارية، التي تطورت بشكل تجاوز القدرة البشرية على التخيل. والتحايل على ما هو حقيقي وملموس... فإننا أردنا التساؤل عن موقع الفن في المسيرة الحضارية للقرن الحادي والعشرين. فقد كان الفن هو القائد الأول للمسيرة الحضارية الإنسانية على مر العصور. لكن موقعه لم يعد معروفاً ومحدداً. في هذا العصر الذي تقود مسيرته بتسارع كبير الثورة المعلوماتية والتقنية، التي سلبت الإنسان الكثير من خصائصه، ونقلته إلى واقع افتراضي بات مألوفاً جداً، وليس لدينا قابلية لمناقشته وتحليله... أين يقف الفن في المسيرة الحضارية الإنسانية لهذا العصر؟ هو ليس القائد الآن. لكنه موجود بمدارسه وتوجهاته كافة، من دون أن يطرأ عليه تطور حقيقي يخوله لقيادة هذه المرحلة من التطور الإنساني. ومن ثم المراحل المستقبلية، نحن هنا طرحنا تساؤلاً حول قدرة الفن على الاستمرار طالما أنه بدأ في التراجع بهذه الطريقة، وربما هو تطور بشكل لا يمكننا استيعابه ليشمل كل تلك المعطيات الحضارية المتسارعة بما فيها ثورة التقنية والمعلومات. تلح على خطابك التشكيلي مسألة الهوية كثيراً... أنت الفلسطيني الذي ولد في أبها ويعيش فيها حتى اللحظة كجبلي كيف ترى هذه المسألة؟ ما مصدراتها غير الشخصية أقصد الفنية والإنسانية لديك؟ - تعد الهوية أحد الإشكالات الحضارية التي تزداد تعقيداً مع مرور الزمن، أضف إلى ذلك الظروف السيئة المختلفة التي تضطر الكثير من الشعوب إلى الاغتراب أو الهجرة سواء كانت احتلالاً أو اضطهاداً أو أوضاعاً اقتصادية متدهورة... تلك الشريحة الكبيرة من الناس تعاني بشكل أو بآخر من إشكال الانتماء المزدوج والولاء. ومن ثم التطبع الثقافي والحضاري والانصهار في حضارات تختلف عن مجتمعاتهم الأصلية... ما يخلق نمطاً حياتياً مختلفاً يحمل أوجهاً عدة. في محاولتي هنا لمناقشة هذه المسألة أحاول البحث في الإمكان الفعلي لتحقيق معادلة الانتماء متعدد الأوجه. أو خلق واقع اجتماعي جديد يستوعب الانتماءات المختلفة كافة. وما مدى واقعية تحقيق ذلك الطرح بناء على انتماء لقاسم مشترك ورابط أكثر قوة وعمقاً من أي شيء آخر. هو الانتماء للإنسان بشكل مجرد من أي حقائق أخرى. في معرض شتا الأول في جدة كنت تقدم بطاقات هوية للزائرين كفعل تشكيلي يعيد صياغة مفهوم البطاقة ويعبث بها... كان هذا الاحتجاج يتم بآلة القهر السابقة ذاتها، ألا بد لنا من بطاقات في كل مرة؟ - بناء على قناعاتي الشخصية التي توصلت إليها بعد تجربتي الطويلة وتصالحي مع فكرة عدم حملي لبطاقة هوية تثبت انتمائي إلى جنسية محددة أو إلى وطن دون الآخر، حاولت الرمي بكل تلك التراكمات التي مررت بها على المستوى الشخصي وطرح التساؤل الأهم حول تنظيم حياة البشر، عن طريق تصنيفها واختزالها في مساحة صغيرة جداً، توضع في محفظة النقود تدعى بطاقة الهوية. حاولت هنا طرح البطاقة كمفهوم وبرابط بصري مألوف لدى الجميع. عن طريق إعادة صياغة مفهومها بشكل سطحي يقترب كثيراً من سطحية وجودها الفعلي وطريقة تصنيفها. ومحاولة تجريدها من أهميتها الكبيرة لدى الفرد والمؤسسة المسؤولة عن التنظيم المزعوم لحياة البشر، وطرح مناقشة بديلة للقيمة الحقيقية التي يحملها الإنسان من خلال علاقته المباشرة مع نفسه وطريقة تعاطيه مع مكوناته الجسدية والنفسية وتعاملاته مع محيطه الخارجي، بشكل مجرد ومتطرف في انحيازه إلى مرآة المحيط الخارجي التي تؤثر في نظرتنا لأنفسنا بل وتسيطر عليها في بعض الأحيان، وصولاً إلى صياغة نمط معين في تصنيف تلك البطاقات عن طريق اختلاق وقائع افتراضية ممسوخة للنمطية التي بنيت عليها تلك البطاقات. تمارس الخروج عن فضاء اللوحة عبر الجرأة في التقاط ماهو خارج الفن ودمجه بعالمك واستثماره فنياً لوحات المرور مثلاً هل استنفدت المجالات التقليدية الأخرى كافة؟ لمَ تلجأ لذلك؟ وماذا تجد؟ - كما ذكرت في السابق حول موقع الفن من المكونات الحضارية المختلفة في عصرنا. وحول احتمالية شبه مؤكدة لكون الفن أصبح أكثر اتساعاً وشمولاً من أن ينتج على شكل لوحة، أو مجسم جمالي محدود التأثير ومخصص للاقتناء والتناقل بين المتاحف وصالات العرض. أحاول من خلال هذه التجارب ربط نفسي ومن ثم المتلقي للعمل الفني بعالمه المحيط به. وبتكوين رسائل مدركة بالحواس المتاحة لمحاولة تحديد الموقع المفترض للفن أن يشغله في كل المساحات المعيشية في حياتنا اليومية، إضافة إلى منح العقل النصيب الأكبر من تلك المساحة للتفكير والتعاطي مع العمل الفني بشكل صريح ومباشر، من دون الحاجة الى إعادة إنتاجه بشكل موجه يؤثر سلباً في الفكرة والمفهوم الذي يحمله العمل الفني. ومن ثم خلق نوع من الألفة بين المتلقي وبين العمل الذي يسجل حضوره أمامه بشكل يتيح لعقله وحواسه المختلفة التعاطي بشكل أكثر تركيزاً مع العمل الفني. والوصول إليه مباشرة من دون الحاجة إلى استدراجه بشكل رتيب لمساحات تم شغلها مسبقاً، من دون إغفال الجانب البحثي والمنهجية العلمية في تقديم ذلك النوع من الطرح لتوفير الصدقية بين الفنان وعمله... ومن ثم بين العمل والمتلقي... والتركيز على الجانب الحسي الذي يمنح الفن رقيه وسماته الجمالية المتعارف عليها.