لجأ أغلب الفنانين التشكيليين في الفترة الأخيرة لعرض لوحاتهم وأعمالهم عبر المولات والمطارات بعد أن كانت تعرض في صالات العرض المخصصة لها أو في مراسم للفنانين أو بفروع جمعية الثقافة والفنون. لمعرفة الدوافع التي دفعتهم لذلك يقول الفنان التشكيلي علي سلمان: لعدم وجود خيار آخر، لم يعد هناك أي حراك ثقافي ولا جماهيري يشجع على إقامة المعارض فيها، كما أن الصالات محجوزة طوال فترة الصيف، كذلك وجود عدد كبير من المتسوقين ومرتادي السوق وزوار المنطقة يسهل عرض اللوحات ورؤيتها لجميع الفئات، كما أن عرض الأعمال بالمولات يصاحبها راع رسمي، مع إمكانية اقتناء بعض اللوحات من الزوار ومرتادي المولات. غير أن سلمان يستدرك: رغم تلك الإيجابيات إلا أن هناك بعض السلبيات في إقامة المعارض داخل المولات أولها أن المكان المعد لعرض اللوحات غالبا ما يكون مكشوفا وفي بهو مما يعرض اللوحات للعبث والتكسير، كما أنه لا توجد حراسة على اللوحات من العابثين وخصوصا الأطفال الذين يعبثون بكل شيء، وأيضا طريقة العرض في المولات على استاندات من الشبك مما يتعب المتلقي في مشاهدة العمل، وآخرها الإضاءة حيث إن لها دورا كبير في إبراز العمل، والإضاءة العالية تفقد اللوحة ألوانها الطبيعية وتقلل من قيمتها الفنية". اما الفنانة التشكيلية وصاحبة مركز مرسام للمبدعين بجدة سعاد بلخضر فتقول: إن سبب لجوء بعض الفنانين إلى عرض لوحاتهم في المولات التجارية يعود لإعطاء أكبر شريحة من المجتمع التعرف على الفنانين التشكيليين السعوديين والعرب وعلى ما يقدمونه من فن تشكيلي وكذلك التعرف على ما يقدمه أبناؤنا الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة من إبداعات فنية. ويرى التشكيلي محمد شراحيلي أن الاستفادة من هذا العرض هو تعرف أكبر شريحة من الزوار على أعمال الفنانين، وسبب لجوئنا للمولات لأن الفنان التشكيلي يبحث عن الناس والموقع المناسب في إقامة معرضه وقد لا يتخيل أحد مدى حضور الجمهور للمعارض المقامة فيها وعن تفاعل الناس مع الأعمال ونقاشهم للفنانين. وعن ابتعاد فناني عسير عن أعمالهم بقرية المفتاحة المكان المخصص لهم قال: "بكل صراحة السؤال هذا لا يوجه لنا بل لإدارة المفتاحة، والذي فكر في تنظيم تلك المسابقات المستمرة بالمولات اعتبرها نقطة إيجابية للأسواق الذكية من ناحية إعلان عن مسابقة تشكيلية وإقامة حرف يدوية وجوائز خيالية". ويصف شراحيلي الإقبال على الأعمال التشكيلية في المولات بأنه كبير، يؤكد وعي القائمين على المولات وأنهم إدارة واعية وحكيمة في نشر الفن التشكيلي بالمنطقة وبالمملكة، لدرجة أن الجمهور في عسير يسألنا: أين أنتم في السنوات الماضية؟. أما التشكيلي أحمد حاضر فيقول إن غياب قرية المفتاحة وكذلك رعاية الشباب عن دورهما في المنطقة من الجانب الفني والثقافي فتح الباب للبحث عن مواقع جديدة تقدم هذا الفن الراقي، ومن أهمها حاليا هي المولات لوجود الجهمور الكبير بكل فئاته وتنوع الثقافات التي تتابع وتشاهد المعروضات الفنية، مضيفا بأن هناك سببا مهما هو محاولة الوصول للجمهور في المواقع التي يتواجدون فيها وهذا مهم ولا شيء يعيبه فلو كان المعرض مثلا في قرية المفتاحة أو صالات العرض فالحضور محدود بأناس محدودين. أما في المول فهناك الكثير الذين يزورون معارض لأول مرة وبزيارتهم الأولى قد تتكرر وقد تكتشف مواهب جديدة لا تساعدهم ظروفهم للوصول للمفتاحة أو لم يكن في خاطرهم بأن الموهبة التي يملكونها قد يكون انطلاقتها تشجيع فنان متمرس ومتواجد في المول بجانب معرضه، وأيضا بالمولات يكون هناك دور للفنانين وهو دور تثقيفي مهم يكون بالوصول للجمهور في مواقعهم. وأشار حاضر بأنه لم يصبح الاقتصار على المولات فأصبح هناك توجه نحو المطارات بعرض لوحاتهم في صالات القدوم بالمطار ففي هذا العام كان للفوتوغرافيين والتشكيليين وجهة جديدة وهي مطار أبها ضمن مهرجان صيفنا بمطارنا الذي استقطب الفنانين ليكون منبر ثقافيا وفنا راقيا". أما الفنان إبراهيم الألمعي فيقول: "إن الأعمال التي تعرض في المفتاحة والصالات لا يأتيها إلا القليل جدا، بعكس المولات تكون بها كثافة وإقبال كبير لم نكن نتوقعه وسوف يكون هذا هو اتجاهنا من الآن حيث سنتجول بأنحاء مناطق عسير لتعريف الجمهور بالفن التشكيلي وتذوقه". مدير فرع جمعية الثقافة والفنون بأبها أحمد عسيري قال ل"الوطن":"في رأيي أن اتجاه الفنانين إلى الجمهور سواء كان في المطارات أو الأسواق التجارية هو إشاعة للتذوق الجمالي وبالذات عندما تشاهد هذه الأعمال الأسرة بكاملها ابتداء بالطفل وانتهاء بالرجل الكبير في السن، لذلك أرى أن هذه الفكرة كسر لنمطية العروض التي كانت تقدم في السابق وخروج عن المألوف والابتعاد قدر المستطاع عن النخبوية وتحويل اللوحة إلى مادة لها رسالة ولها مضمون يحاول من خلالها الفنان الإسهام في صياغة وتقديم هذه الأعمال بكل ما فيها من مدارس مختلفة وبالذات الفنان بمنطقة عسير كانت تهيمن عليه سطوة الطبيعة بحكم المعايشة التاريخية بالطبيعة في حياته اليومية ولكنه استطاع الآن أن يخرج بلوحته وبمضامينها إلى أفق أوسع وطرح قضايا كبرى من خلال الأعمال التي بدأنا نحثها ونتابعها في هذه المعارض. واقترح عسيري: "أنا مع عرض هذه الأعمال ليس فقط في الأسواق والمطارات وإنما أيضا أن تذهب إلى الأماكن السياحية في المتنزهات والساحات العامة وإلى أروقة الجامعات ومدرجاتها لأن اللوحة في مضمونها هي فكرة تدل على ما وصل إليه الفنان السعودي من وعي برسالته وإسهام في التنمية الثقافية في بلادنا فأنا أؤيد هذه الفكرة وأن يذهب الفنان إلى الجمهور بدلا من انتظار الجمهور الذي قد تكون هناك عوائق ما تمنعه من الذهاب إلى الصالات المحددة لإقامة مثل هذه الفعاليات وليس فقط في الفن التشكيلي وأتمنى أيضا أن أرى الكتاب يدور في نطاق هذا المحور في هذه الأماكن في الساحات والمطارات وفي الجامعات لأننا نعلم أننا ضد فكرة تجزئة الثقافة لأنها فكرة واحدة لا تتجزأ".