شكل صعود نجم المغني نبيل شعيل، في بداياته، صدمة ل "عين" الجمهور أولاً، ول "أذنه" ثانياً. عين الجمهور العربي اعتادت، خلال مراحل طويلة سابقة، نجوم غناء رشيقي القوام يتميزون بالوسامة، مع الأصوات الجميلة، إلا في ما ندر، فجاء شعيل يبدّل الصورة بل ينسفها جملة وتفصيلاً، وتحديداً في بدانته الكثيفة. وأذن الجمهور العربي اعتادت أصواتاً متنوعة في قوتها أو رومنسيتها، ولم تكتشف أصواتاً"رجالية"رفيعة أقرب في إيحائها الى الأصوات النسائية إلا في ما ندر، فجاء صوت شعيل من هذا الصنف لكن على غنى تعبيري قَلّ نظيره. ربما لم تعرف الكويت أو حتى البلدان الخليجية كافة، من قبل، صوتاً كذاك الذي حمله شعيل وتقدم به الى الحياة الغنائية العربية، ولهذا كان حضوره الفني مختلفاً شكلاً ومضموناً، ولهذا أيضاً أحدث صدمة ولكن في المعنى الإيجابي. فالرجل كانت بدانته جزءاً من خفّة الظل، وكان صوته"الرفيع"جزءاً من التجديد الذي جاء به الى الأغنية الكويتية مع عدد من زملائه المجايلين الذين أكملوا طريقاً كان جيلٌ من المغنين القدامى قد بدأه... فالتجديد تناول النصوص والألحان والمواهب والخبرات الأدائية الزخرفية وكل ما استطاعت الإمكانات البشرية والتقنية إليه سبيلاً. نبيل شعيل على مستوى الصوت وطاقاته يمثّل حالة خاصة في الأداء، حتى في الخيارات الغنائية. كأنه رسّام بارع ولكن بالصوت. كأنه مهندس ولكن بالصوت. كأنه مقبل من زمن اختلطت فيه التجارب الأدائية، فالتقط منها نقاط قوّة معيّنة وخزّنها في داخله حتى نضجت ثم أعاد إنتاجها وجدد عناصرها الأولية وأطلقها بصوته من جديد. من هنا، تسكن ملامح ماضي الأغنية الكويتية التراثية حنجرته بهدوء ورقة مع ملامح التطوير، وتنعكس على الأغاني الجديدة التي يصطفيها بين عدد كبير مما يُسمعُه الملحنون إيّاه. إنها أغان ذات عمق، إنما على بساطة، وهذه المعادلة هي مكمن السر في نجاح شعيل وامتداد شهرته الى العالم العربي. واللافت في هذا المغني الأصيل انه كان"يغادر"الكويت في الأغنية أحياناً باتجاه مصر ولبنان، موسِّعاً مروحة اللهجات الغنائية العربية التي يعتمدها. كانت أغنية"عينك على مين"باللهجة المصرية في عز زمن الملحن صلاح الشرنوبي مطلع التسعينات شرارةً مضيئة أوصلت صوته الى مسامع جمهور مصر، وركّزت وجوده في مسامع الجمهور العربي الكبير. ثم كرر المحاولة مراراً وصولاً الى أغنيته الأخيرة"جاني"التي تحتل مواقع متقدمة اليوم في وسائل الإعلام. وفي غضون ذلك مرّ صوته باللهجة اللبنانية وقطف عدداً من الأغاني اللطيفة التي أبرزت طواعية حنجرته واستعدادها لتلقفِ للهجات غنائية عدة والطيران فيها بما تستحق من العناية وبما يمكن أن تحصده من نجاح... ومع أن الكليبات التي صوّرها نبيل شعيل كانت تُظهره في مظهر المغني الذي يراقب قصة حب تجري بين شخصين آخرين، لا قصة حب عاشها هو أو يعيشها مع حبيب، على عادة كليبات المغنين الآخرين، فإنه استطاع أن يقيم علاقة ودّ ومحبة مع الجمهور من دون أن يمثّل"النجم الذي تحبه الصبايا"أو يجسده ركضاً بين الشجر مع الحبيبة أو شمّاً وضماً وما بينهما من اللقطات والمشاهد التي تفعل فعلها في نفوس الجمهور المراهق... على رغم أن هذه القاعدة التي أتبعها المخرجون معه، ويتبعونها أحياناً مع نظيره المغني حسين الجسمي، وأحياناً أخرى مع المغني رابح صقر وغالباً غالباً جداً مع المغنيات في الخليج تكاد توحي بأن هؤلاء المغنين لا يمكن أن"يحبهم"أحد حقاً. ولعلّ تفضيل المخرجين استبدال قصة الحب التي ينبغي أن تُعرض في الكليب بين المغني وحبيبته واعتباره غير موجود، بقصة حب أخرى بين شاب وفتاة مجهولين يجعل الأغنية تشبه حال"الترانزيت"بمرورها في صوت المغني من دون أي ارتباط جدّي بها... انه خطأ عضوي في اعتبار المغني السمين أو غير الوسيم مثلاً، غير مؤهل لعالم العشق والعاشقين، في وقت يكون هناك معجبون ومعجبات به حتى الوله. وثمة ما يدعو الى الاستغراب في اعتراف شعيل بأنه يوافق على هذا الأمر لأنه"لا يصلح كعاشق"! نبيل شعيل أنموذج مغنى خليجي يظل يحلم بجناحين كبيرين... عبدالغني طليس