هناك الكثير من الحب في غناء نجوم المغرب العربي باللهجة اللبنانية. المغني أحمد الشريف في «عَ الوعد يا كمّون»، قبله المغني صابر الرباعي في «ع الطاير»، وقبلهما المغنية لطيفة التي وقفت بطلة في واحدة من مسرحيات منصور الرحباني «حُكم الرّعيان» فغنت وحاورت باللهجة اللبنانية كما حضرت في مهرجانات بيت الدّين إلى جانب أنطوان كرباج ورفيق علي أحمد... أغنية أحمد الشريف اللبنانية الجديدة ليست الأولى، إذ له أكثر من أغنية لبنانية، ولعلّ تعاونه الأبرز في هذا المجال كان مع الملحن سمير صفير الذي استطاع في إحدى الأغاني «بدّي طير» أن يُرَكِّب مزيجا ً من اللون اللبناني البلدي، والقفلات الغنائية التونسية، وتحديداً في المطلع الذي يقول «أنا لمّا بكون بين أيديكي»، فإن الياء في «أيديكي» تمتد وتمتد صوتيّاً في شكل إدائي «تونسي» يُظهرُ براعةَ هذا المغني الشاب في الاكتساب. فالإقامة في لبنان، والتجوال الصوتي بين الأغاني اللبنانية القديمة والجديدة، والاستناد إلى ذاكرته الغنائية التونسية مكّنته من التأقّلم مع الروح اللبنانية من دون الانقطاع عن جذوره، وذلك يتكشّف في أغانيه اللبنانية المعروفة، وآخرها «عَ الوعد يا كمّون» ... في «ع الوعد يا كمّون» حافظ الشريف على المدّات الصوتية، اللبنانية الفولكلورية هذه المرّة والتي تتمركز في مطلع الأغنية، أو في الكلمة الأولى تحديداً. المَدّة هنا تقع في كلمة «عَ الوعد» وبالضبط عند حرف الواو فيها، ما يُذَكِّر ببعض الأغاني الفولكلورية اللبنانية الذائعة الصيت، مثل «الحدا»، إضافة إلى الكلمة الأخيرة من السطر الأول «صَرْلي عمر ناطر» فإن المَدّة تصل إلى ما بين حرفي «الطاء» و «الرّاء». وإذا كانت المَدّة الأولى تحدث عند أحد حروف المَدّ أصلاً في اللغة وهو «الواو»، فإن المَدّة الثانية في نهاية السطر تحدث بين حرفين لا في حرف معيّن بالضبط، وهي مَدّة فولكلورية تحتاج طريقة لفظ جبلية لبنانية أجاد الشريف التقاطها وإرسالها في الغناء من دون أي افتعال، وهي مَدّة تاخذ «شكل» حرف «الياء» المخفّف. ويغوص الشريف في الطبيعة الإدائية الفولكلورية اللبنانية في السطر التالي مباشرة «يا قلب ما تربّيت»، فيتهدّج صوته في حرف «الياء» من «تربّيت» ويتدرّج في لعبة صوتية احترافية معروفة لدى نجوم الغناء اللبنانيين، المختصّين بالفولكلور فقط ، ونادراً ما وضعت في أغنية لغيرهم. أحمد الشريف في «عَ الوعد يا كمّون»، إذن، لبناني الهوية الفنية قلباً وقالباً، ووضعه يشبه كثيراً وضع بعض نجوم الغناء اللبنانيين الذين يجيدون اللهجة المصرية إلى درجة لا تعود تميّزهم او تفصلهم عن المغنين المصريين المحترفين. فهل يجوز أن يُعتبر أحمد الشريف خارجاً على «قوانين» الأغنية التونسية في إنشاده أغاني باللهجة اللبنانية كما يحلو لبعض فنّاني لبنان القول حيال من يغنّي من زملائهم أغاني باللهجة المصرية؟ الجواب الطبيعي، كلاّ، فأحمد الشريف مثلاً، أنشد في «ستار أكاديمي» عدداً من الأغاني العربية، ومنها التونسية والمصرية والخليجية واللبنانية. وعندما أتى إلى الاحتراف بقي في الأجواء ذاتها وأنشد أغانيه الخاصة بالتنويع نفسه. والمهم في كل ذلك أنه لم يقدّم صورة سلبية لفنان يحاول أو يدّعي قدرة على التلوّن الإدائي وهو عاجز، بل كان مثالاً للمغني القدير الذي يعرف إمكاناته ويتصرّف بوحيها بلا أي تردّد أو خشية طالما أن البراعة حاضرة في ما «يقول» ... وكلمة «يقول» لا تعني في المعجم الفنّي الغنائي ما تعنيه الكلمة في السياق العادي المألوف، بل تعني الإداء الصحيح الشديد المراس، وعندما يستمع أبناء المهنة الغنائية إلى صوت متميّز يردّدون بنبرة تحمل التأكيد «بيقول» ... وأحمد الشريف بيقول ... «عَ الوعد يا كمّون» أغنية جميلة نصاً ولحناً وإداءً وتوزيعاً موسيقياً. ومع أن الجملة في معناها ومبناها من الأمثال الشعبية اللبنانية الدالّة على كذب بعض الناس في الحياة اليومية، فإنها في الأغنية أقرب إلى خفة الظل العاطفية المحبّبة والكذب ملح العشّاق!