تعد دار الكتب المصرية أقدم المكتبات المعاصرة في الشرق العربي، إذ يعود تأسيس نواتها الأولى إلى العام 1870 تحت إشراف علي باشا مبارك وبتوجيه من الخديوي اسماعيل. وتضم حالياً أكثر من ستة ملايين كتاب، فضلاً عن عشرات المخطوطات والبرديات والعملات النادرة التي لا تقدر بثمن، ويتبعها أكثر من 25 مكتبة فرعية، ضمن "الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية" التي تعتبر، بمقتضى قرار جمهوري صدر العام 1993، "هيئة ذات شخصية اعتبارية تتبع وزير الثقافة". وتولى أخيراً رئاسة مجلس إدارة هذه الهيئة السيد سمير غريب خلفاً للدكتور ناصر الأنصاري الذي عُين مديراً لمعهد العالم العربي في باريس. وكان غريب يشغل قبل ذلك منصب مدير صندوق التنمية الثقافية المصري الذي يرأس مجلس إدارته وزير الثقافة أيضاً، وبدأ حياته العملية صحافياً وتخصص في السنوات الأخيرة في نقد الفن التشكيلي. وعقب صدور قرار تعيين غريب في منصبه الجديد، بادر خبير التراث والمخطوطات الدكتور ايمن فؤاد سيد بتقديم استقالته من منصب مدير دار الكتب المصرية احتجاجاً على ذلك القرار. "الحياة" أجرت حوارين مع سمير غريب وأيمن فؤاد سيد حول ملاحظات كل منهما بالنسبة الى واقع دار الكتب المصرية ومشروع تطويرها الذي أنجزت مرحلته الأولى في نهاية العام الماضي تحت رعاية السيدة سوزان مبارك. ما هي الأهداف التي تنوي العمل على تحقيقها بعد توليك منصبك الجديد؟ - هدف واحد، وهو الوصول بدار الكتب والوثائق القومية في مصر إلى مستوى دور الكتب الوطنية الكبرى في أكثر الدول تقدماً. وهذا الهدف ينطوي على تفاصيل كثيرة جداً، تشمل تطوير المباني والبشر الموظفين، وأدوات العمل وإمكاناته، خصوصاً المادية، حتى نتمكن من مواكبة تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين والتكيف معها. وأعلم أن ذلك الهدف يسهل الكلام عنه، في حين تقف دون تحقيقه مصاعب كثيرة جداً. وأنا أعتقد أنه يمكن التغلب على تلك المصاعب بطرق عدة أولها: الدعم المادي والمعنوي من القيادة السياسية والحكومة، وثانياً استجابة العاملين في دار الكتب والوثائق القومية لتحقيق هذا الهدف. وثالثاً المدى الزمني المناسب. ما هو تقويمك لما أُنجز حتى الآن في إطار مشروع تطوير دار الكتب الذي افتُتحت إحدى مراحله في نهاية العام الماضي؟ - الانجاز الذي تحقق جيد من دون شك، لكن هذا لا يمنع أن تكون لي في هذا الصدد رؤيتي الخاصة. فاهتمامي بالتطوير سيتركز أولاً على المخازن التي لم يهتم أحد من قبل بتطويرها، رغم أنها - في اعتقادي - هي عصب هذا المكان. والخطوة التالية في التطوير - من وجهة نظري - يجب أن تشمل المكاتب الإدارية التي وصلت أيضاً الى حال يصعب احتمالها، وهذا ثابت في فيلم وثائقي طلبتُ إعداده بمجرد تحملي لمسؤولية رئاسة الدار. بالنسبة الى المخازن، سنبدأ بتطوير مخزن الدوريات لأنها الأكثر عرضة للتلف، مقارنة بالكتب، ومن ثم يجب أن تكون لها أولوية الحماية. ولماذا، والأمر كذلك، لا تبادرون بنقل تلك الدوريات على شرائح فيلمية؟ - هذه قصة أخرى تدخل ضمن الهدف الأساسي الذي تحدثت عنه منذ قليل، وخصوصاً ما يتعلق بتطوير الأدوات تكنولوجياً. يصر البعض على ضرورة أن يكون رئيس دار الكتب شخصاً متخصصاً. ما تعليقك على ذلك؟ - متخصص في ماذا؟ في علوم المكتبات والوثائق.. - هذا اذا كان الأمر يتعلق بوظيفة أمين مكتبة. وأنا لا أدعي أنني أمين مكتبة، أو محاضر في علم المكتبات أو علم الوثائق. والمتخصصون في هذه الفروع وغيرها هم أساتذة أفاضل يتعاونون مع رئيس مجلس الإدارة. قبل هذا اللقاء مباشرة كنت في اجتماع مع الدكتور يونان لبيب رزق رئيس اللجنة العلمية لمركز تاريخ مصر في دار الكتب. أنا لم أعيَّن رئيساً لهذه اللجنة أو أي لجنة علمية أخرى في دار الكتب. فهذه اللجان من المنطقي أن تضم متخصصين وأن يرأسها متخصص. والأمر نفسه ينطبق على رؤساء أقسام الدار مثل قسم التزويد، قسم المكتبات، قسم الفهرسة والتصنيف. منصب رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية هو منصب إداري، الذي يتولاه هو الإداري الأول أو المصدر الأول للإدارة، ومن ثم فإنه يُسال عن مدى نجاحه أو فشله في إدارة هذه الهيئة. وأنا حاصل على إجازات عدة في علم الإدارة، فضلاً عن خبرتي العملية في إدارة صندوق التنمية الثقافية. قبل أيام صرح وزير الثقافة بأن مهمتك الأساسية هي تطوير مكتبة "باب الخلق". ما هو تصورك لمراحل إنجاز هذه المهمة؟ - "باب الخلق" هي دار الكتب الأصلية ويعود تاريخ إنشاء مبنى "باب الخلق" الى بداية القرن الحالي في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، ليكون "دار الكتب خانة الخديوية"، و"دار الآثار العربية" التي تحولت في ما بعد الى المتحف الإسلامي. وأنا شخصياً كنت أفضل أن يخصص المبنى منذ البداية لدار واحدة فقط وليس لدارين. فنحن الآن نعاني من هذا الازدواج، الذي يعتبر معرقلاً لتطوير المبنى كما نتصوره. وفي كل الأحوال لا بد من الحفاظ على المبنى باعتباره أثراً عريقاً. وفكرة تطوير مبنى باب الخلق تعود إلى السيدة سوزان مبارك، إذ أنها شكّلت لجنة عليا لهذا الغرض، وتم اختياري عضواً فيها بصفتي مديراً لصندوق التنمية الثقافية. ووضعت تلك اللجنة، بعد اجتماعات عدة خطة للتطوير سيتم بمقتضاها تحويل مكتبة "باب الخلق" الى دار للمخطوطات والدراسات الشرقية، على أساس متحفي أكثر منه مكتبي، وذلك من أجل الحفاظ على الكنز الثمين الذي تحتفظ به دار الكتب والذي يربو على 57 ألف مخطوطة من العصر الفرعوني وحتى بداية القرن العشرين، بالاضافة إلى الكثير من العُملات الاثرية والوثائق المختلفة والدراسات الاستشراقية القديمة. وفي إطار إدارتي لصندوق التنمية الثقافية أعلنتُ عن مسابقة معمارية دولية لتطوير مبنى "باب الخلق"، وفاز بها مكتب هندسي مصري، وتم التعاقد معه. وتقرر أن تنفذ المشروع شركة مقاولات مصرية. ولم يبدأ التنفيذ حتى الآن، للأسف، على رغم مرور نحو عامين على اتخاذ تلك الاجراءات. ولا يرجع ذلك إلى أسباب مالية، إذ أن السيدة سوزان مبارك قادت حملة تبرعات لتمويل المشروع، بلغت حصيلتها 20 مليون جنيه، زادت أخيراً حتى بلغت 25 مليون جنيه نتيجة لاستثمارها كوديعة في أحد البنوك. كما أن الحكومة وافقت على المساهمة بمبلغ 20 مليون جنيه. وما هي إذن المشكلة التي لم يبدأ بسببها التنفيذ حتى الآن؟ - المشكلة هي أن قسماً من المبنى مخصص للمتحف الاسلامي. كما أن الأمر يتطلب الحصول على موافقة اللجنة الدائمة للآثار الاسلامية والقبطية في المجلس الأعلى للآثار، لأن المبنى مسجل كأثر إسلامي. وبعد اتصالات أجريتها مع الجهات المعنية، تقرر أن تجتمع هذه اللجنة قريباً للنظر في الموضوع، وأتوقع أن تصدر قراراً بالموافقة. وكانت هناك مشكلة أكثر تعقيداً، وهي أن الطابق الأرضي من المتحف الاسلامي يُستخدم مخزناً لمقتنيات أثرية، وأقنعنا أمين عام المجلس الأعلى للآثار، الدكتور جاب الله علي جاب الله، بأن يخلي ذلك المخزن خلال شهر من الآن، لتتمكن الشركة المنفذة للمشروع من تدعيم أساسات المبنى. كما سيتم إخلاء الحديقة المتحفية المجاورة للمتحف لتوضع فيها معدات ومواد تنفيذ المشروع. وفي خطتنا إنشاء مرآب للسيارات وغزف للأجهزة الحديثة الخاصة بالتكييف والإنذار وغير ذلك تحت الأرض، أسفل الحديقة المتحفية. ويتوقع أن يستغرق التنفيذ 18 شهراً، وسنحاول اختصار المدة لنتمكن من افتتاح دار "باب الخلق" في ثوبها الجديد قبل نهاية العام 2000. وماذا عن آفاق التعاون بين دار الكتب والمكتبات المماثلة خارج مصر؟ - ضمن أهداف كل دار كتب في أي مكان في العالم أن تتبادل المعلومات مع غيرها. وهذا ما تفعله دار الكتب والوثائق القومية المصرية. فخلال انعقاد المؤتمر الأخير لمجمع اللغة العربية في القاهرة، على سبيل المثال، طلب مني الباحث المغربي البارز الدكتور عبدالهادي التازي تصوير مخطوط محفوظ في الدار ليحققه، فلبيت طلبه على الفور. كما طلب أخيراً المستشار الثقافي الكويتي في القاهرة إتاحة الفرصة لمحققين وباحثين كويتيين لزيارة دار الكتب المصرية والإطلاع على أوجه التطوير التي شهدتها في إطار تبادل الخبرات وأبدينا ترحيباً تاماً بهذا الطلب وجاري حالياً إعداد التفاصيل الخاصة بتنفيذه. سيفتتح مشروع "مكتبة الاسكندرية" قبل نهاية العام الحالي، فما هو تصوركم لإمكانات التعاون معها؟ - لا شك أن هذا المشروع العظيم سيضيف ثقلاً ثقافياً وحضارياً لمصر على المستوى العالمي. ومع ذلك ستظل لدار الكتب أهميتها باعتبارها أقدم المكتبات العربية، وفي ضوء ذلك فإننا نرحب بالتعاون مع "مكتبة الاسكندرية". وأنا تحدثت في هذا الشأن مع الدكتور محسن زهران رئيس مجلس إدارة هيئة مكتبة الاسكندرية إنطلاقاً من خطاب وصلني منه أخيراً، أبدى فيه رغبته قيام تعاون بين الهيئتين. وسنعمل قريباً على بلورة تصور محدد في هذا الصدد. متى ستصدر دار الكتب مجلة متخصصة على غرار ما تفعله مثيلاتها في العالم؟ - الدار تصدر فهرساً شهرياً بما يرد إليها من كتب لكن توزيعه محدود. وأنا سأضع في اعتباري ضرورة العمل على إصدار مجلة شهرية توزع على نطاق واسع. وأحب أن أشير كذلك إلى أنني اتفقت مع الدكتور يونان لبيب رزق، بصفته رئيس اللجنة العلمية لمركز تاريخ مصر المعاصر، التابع للدار، على إصدار حولية كل ستة أشهر، تشتمل على الأبحاث والدراسات الجديدة حول تاريخ مصر. وفي ذهني أيضاً العمل مستقبلاً، من أجل تحويل هذا المركز، وغيره من المراكز المتخصصة التابعة للدار، الى معاهد أكاديمية ينطبق عليها قانون الجامعات في مصر