وافقت اللجنة الدائمة للآثار الاسلامية والقبطية في المجلس الأعلى المصري للآثار اخيراً على مشروع تطوير المبنى التاريخي لدار الكتب المصرية في ميدان "باب الخلق" في القاهرة، وهو المبنى نفسه الذي يضم متحف الفن الاسلامي الشهير. وكان اعلان تفاصيل المشروع أثار جدلاً واسعاً بعد ان أشيع ان تنفيذه سيؤدي الى نقل المتحف الاسلامي لتستأثر دار الكتب بالمبنى كاملاً. وهنا لقاء أجرته "الحياة" مع السيد سمير غريب رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة لدار الكتب والوثائق القومية، يتناول تفاصيل مشروع تطوير دار "باب الخلق" ومدى تداخله مع مشروع آخر يهدف الى تطوير المتحف الاسلامي. كما يتناول ما أنجزه عموماً منذ ان تولى منصبه في شباط فبراير الماضي. هل صحيح ان اللجنة الدائمة للآثار الاسلامية والقبطية لم توافق على مشروع تطوير دار "باب الخلق" إلا بعد ان استبعدتم فكرة إنشاء مرآب للسيارات من 4 طوابق تحت المبنى؟ - في البداية احب التأكيد على ان هذا المشروع الحيوي والمهم حصل بشأنه في البداية سوء فهم والتباس من جانب اعضاء اللجنة الدائمة من جهة، وسوء نية من جانب المعارضين له من جهة ثانية. وواقع الأمر ان المشروع لن يؤثر سلباً في متحف الفن الاسلامي، بل سيؤثر إيجاباً. فمن ضمن عناصر التطوير دعم اساسات المبنى كله، على ان يشغل متحف الفن الاسلامي طابقه الارضي فيما تشغل دار الكتب الطابقين الاول والثاني. وتنبغي ملاحظة ان التصميم المعماري للمبنى أنشئ في العام 1903 متخلف بالمقاييس الحديثة وليست له قيمة اثرية ومعمارية باستثناء واجهاته. ولكن المبنى مسجل في عداد الآثار الاسلامية؟ - لقد جرى تسجيله كأثر أثناء اعمال التطوير التي تمت في العام 1983 تحت إشراف رئيس الهيئة المصرية العامة للآثار الراحل احمد قدري على رغم عدم استيفائه شرط مرور مئة عام على إنشائه، حتى تتمكن هيئة الآثار من إزالة محطة وقود كانت تجاور المبنى وتقيم مكانها الحديقة المتحفية الموجودة حالياً. وإذا عدنا الى سؤالك الاول، فإن ما حدث هو انني استبعدت فعلاً فكرة مرآب السيارات، وقدمت تصوري للتطوير مكتوباً الى اللجنة الدائمة للآثار الاسلامية والقبطية، وبعد ان ناقشته باستفاضة وافقت عليه. وبسبب سوء تصميم المبنى فإنه لا يمكن استثمار فراغاته بأي اسلوب علمي، اما واجهاته فإننا سنعيد طلاءها ليتطابق الطلاء مع ما كان عليه من حيث الألوان عند الإنشاء، استناداً الى الصور القديمة للمبنى المنشورة في دائرة المعارف البريطانية، ونحن بذلك نؤكد حرصنا على القيم الأثرية والجمالية والمعمارية في مواجهة الذين يعارضون مشروع التطوير. فائدة مشتركة وكيف سيستفيد متحف الفن الاسلامي من مشروع تطوير دار الكتب؟ - كما قلت، فإننا وفقاً لهذا المشروع سندعم اساسات المبنى كله، وسنوجد مساحات تحت الارض لإنشاء انظمة كهروميكانيكية للتكييف المركزي والتأمين ضد الحريق والسرقة وغير ذلك، في اطار تحديث المبنى كله. وهذه المساحات ستكون اسفل الحديقة المتحفية وستشغل طابقاً واحداً تحت الارض فقط بدلاً من اربعة طوابق كان مخططاً ان يشغلها مرآب للسيارات، وهي الفكرة التي استبعدناها بعد ان ثبت عدم جدواها اقتصادياً اذ انها ستكلف ملايين الجنيهات من دون ان يكون لها عائد مادي مناسب. هل تنسقون بهذا الشأن مع المسؤولين عن مشروع تطوير متحف الفن الاسلامي؟ - نعم هناك تنسيق تام بين كل من استشاري مشروع المتحف الاسلامي المهندس الدكتور سيد الكومي واستشاري مشروع تطوير دار الكتب المهندس احمد ميتو. وفي هذه المناسبة احب ان أشير الى ان نقل المتحف الاسلامي غير وارد، ونحن لم نطالب بذلك. ونحن نتحمل العبء المالي الأكبر في عملية تطوير المبنى كله، إذ ان الاجهزة الكهروميكانيكية التي سيتم تركيبها في اطار مشروعنا ستفيد دار الكتب ومتحف الفن الاسلامي على السواء. ما هي أبرز عناصر تطوير مقر دار الكتب في "باب الخلق"؟ - إعادة تقسيم الفراغات بما لا يخل بالأحمال الإنشائية لاستحداث صالة ارتفاعها عشرة امتار سيتم تقسيمها "ميزانين" بما يتلاءم مع مشروع عصري لدار الكتب في القرن 21. ولن تهتز، تبعاً لذلك، قطعة واحدة معلقة على حائط في متحف الفن الإسلامي، إذ أن تنفيذ المشروع سيتم وفق احدث تكنولوجيا اميركية في هذا المجال. دار متحفية هل سيتحول مقر دار الكتب في "باب الخلق" في ضوء هذا المشروع الى متحف؟ - ستكون دار كتب متحفية تضم اكثر من مئة ألف مخطوطة، وثلاثة آلاف بردية، وعشرة آلاف عملة معدنية قديمة، وأكثر من 800 كتاب ترجع الى الفترة من القرن الخامس عشر الى القرن السابع عشر الميلاديين. وبما ان المبنى أثري وسينفذ داخله مشروع لدار كتب حديثة، رأينا من الأنسب ان يضم الآثار التي تمتلكها دار الكتب المصرية والتي لا تقدر بمال من الناحيتين الفكرية والثقافية. وستكون هناك مخازن مجهزة لحفظ هذه المقتنيات وحمايتها، وقاعات لعرض نماذج منها، وقاعات أخرى للبحث والاطلاع مزودة بوسائل تكنولوجية حديثة ومعمل ترميم. أي أن هذا المقر التاريخي سيصبح متحفياً من ألفه الى يائه، وسيتيح له ذلك التكامل للمرة الاولى مع متحف الفن الاسلامي. وفي الفراغ الفاصل بين دار الكتب ومتحف الفن الاسلامي سننشئ كافتيريا ومطعماً ومكاتب للخدمة الادارية، وفوق سطح المبنى سننشئ مظلة من خامات خفيفة بعد إزالة حجرات عدة كانت تستخدم في عمليات تجليد الكتب ولم تعد هناك حاجة اليها. متى سيبدأ تنفيذ هذا المشروع، وما المدة التي سيستغرقها؟ - سنبدأ في التنفيذ عقب تسلمنا المبنى بصورة رسمية من محافظة القاهرة، وأتوقع ان يتم ذلك قريباً جداً. والمدة التي سيستغرقها تنفيذ المشروع لن تتجاوز 18 شهراً، بكلفة تبلغ 50 مليون جنيه. ألم تفكروا في حل آخر لمشكلة عدم وجود مرآب لسيارات زائري مبنى "باب الخلق"؟ - أنا استبعدت فكرة انشاء مرآب متعدد الطوابق اسفل الحديقة المتحفية للمبنى لأنني لا اريد ان احل مشكلة بإيجاد اخرى اكبر منها، واذا كان هناك حل آخر فإن ايجاده يقع على عاتق مسؤولي محافظة القاهرة. هناك ارتباط تاريخي بين مبنى دار الكتب والمتحف الاسلامي ومبانٍ اخرى مجاورة له مثل المبنى الذي يوجد اسفله "مقهي محمد علي" ومبنى مصنع الحرف اليدوية. ألا يدفعكم ذلك الى توسيع مشروع التطوير ليشمل المنطقة المحيطة؟ - هذا ايضاً يقع ضمن مسؤوليات محافظ القاهرة الذي يعتبر- بحكم منصبه - عضواً في اللجنة العليا لمشروع تطوير دار الكتب والتي ترأسها السيدة سوزان مبارك. الهيكل التنظيمي هل تكونت لديك ملاحظات محددة منذ ان توليت منصبك بشأن الهيكل التنظيمي للهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية؟ - هناك ملاحظة اساسية وهي ان هذا الهيكل يتسم بقصور شديد، اذ انه وضع على عجل عقب صدور القرار الجمهوري بفصل داري الكتب والوثائق القومية عن الهيئة العامة للكتاب في العام 1993. وفي هذا الصدد سنسعى الى تحويل المراكز العلمية الخمسة التابعة لدار الكتب والوثائق القومية الى مراكز بحثية لها كادر وظيفي خاص شبه جامعي، وسنحاول إضفاء المزيد من الحيوية على الهيكل التنظيمي ككل وتلافي النقص الشديد في الدرجات الوظيفية العليا. وسنعمل على استحداث إدارة للتسويق تكون تابعة لمكتب رئيس مجلس الإدارة. وأخيراً ما الذي تنوون فعله ازاء مشكلة وقف دار الكتب؟ - في سنة 1903 عند افتتاح المبنى التاريخي لدار الكتب في "باب الخلق" أراد الخديو توفيق ان يؤمن إيرادات ثابتة لدار الكتب على المدى البعيد لكي تؤدي عملها على أكمل وجه، لذلك أنشأ كتاباً وقفياً أوقف فيه خمسة آلاف فدان من املاكه على دار الكتب موزعة على محافظات البحيرة والمنوفية والقليوبية. وبعد قيام ثورة تموز يوليو 1952 تم دمج أوقاف دار الكتب ضمن الأوقاف التي تشرف عليها وزارة الأوقاف. وطوال هذه السنوات نسيت هيئة الأوقاف المصرية إيداع ريع هذه الأوقاف لمصلحة دار الكتب، ونسي المسؤولون هذا الوقف الى ان اكتشف في العام 1996 مصادفة كتاب الوقف ضمن ارشيف دار الوثائق القومية. والآن أراضي هذا الوقف مشتتة وبعضها تم الاستيلاء عليه، ولذلك أسعى الى إعداد مذكرة قانونية تفصيلية لاسترداد هذه الأوقاف او استرداد قيمتها المادية.