المرحلة الاولى من مشروع تطوير دار الكتب المصرية بوشر بها قبل أيام والمكتبة تعتبر من اقدم المكتبات العامة في العالم، اذ انها تأسست في العام 1870 في القاهرة بناء على توصية رفعها علي باشا مبارك، ناظر وزير المعارف والاشغال، آنذاك، الى الخديو اسماعيل، الذي ترتبط بفترة حكمة الكثير من معالم النهضة المصرية الحديثة. وتضم دار الكتب المصرية حالياً ثمانية ملايين مجلد و55 ألف مخطوط و4 آلاف بردية عربية، و12 الف قطعة نقدية نادرة، وتشمل على 15 قاعة اطلاع مجهزة بأحدث التقنيات بينها 4 قاعات تفتح للمرة الاولى امام الجمهور والباحثين في اطار مشروع تطوير الدار. وفي اطار المشروع نفسه تم تخصيص - للمرة الاولى - قاعة للمكتبات المهداة الى الدار، ومنها مكتبة عباس محمود العقاد واحمد تيمور باشا والدكتور حسن عباس زكي. كما تم تخصيص قاعة اخرى للمكتبات التي آلت الى الدار من القصور الملكية، مثل مكتبة قصر عبادين ومكتبة قصر الامير يوسف كامل. وضمت عملية التطوير كذلك صار يتبع "الادارة المركزية لدار الكتب المصرية" 25 مكتبة فرعية في القاهرة والجيزة في مقدمها "مكتبة 15 مايو" التي تضم 80 ألف كتاب. ويذكر ان مشروع تطوير دار الكتب المصرية إنطلق برعاية السيدة سوزان مبارك، عقب صدور قرار جمهوري في العام 1993، يقضي بفصل الدار عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب" لتكون عصب ما أصبح يُعرف منذ ذلك الحين باسم "دار الكتب والوثائق القومية"، ومعروف ان دار الكتب المصرية انتقلت من مبناها التاريخي في "باب الخلق" الى موقعها الحالي المطل على نيل القاهرة في العام 1973، ومبنى "باب الخلق" تأسس سنة 1898 وافتتحه الخديو عباس حلمي الثاني في العام 1903. علما أن المقر الاول للدار كان يشغل أحد طوابق قصر الامير مصطفى فاضل في "درب الجماميز". ضمت دار الكتب المصرية عند انشائها نحو 30 ألف مجلد، كانت محفوظة بطريقة بدائية في عدد كبير من القصور والجوامع المصرية الشهيرة، وذلك بغرض حمايتها من عمليات النهب المنظم التي كان يقف وراءها بعض المستشرقين في القرن الماضي. وتعد مجموعة الوثائق البردية من أهم المجموعات التي تضمها دار الكتب المصرية، فهي توضح كيف تطورت الكتابة في مصر، في القرون الاربعة الاولى للهجرة، من اليونانية فقط الى العربية واليونانية معا ثم الى العربية فقط. كما توضح كيف كان حال مصر الاجتماعية من حيث علاقة الولاة بالخلفاء من شراء وزواج وعتق. وأقدم هذه الوثائق يرجع الى سنة 87 ه 706 م، واحدثها يعود الى منتصف القرن الرابع الهجري. وبين تلك الوثائق منشورات في شؤون الجزية صادرة عن قرة بن شريك، والي مصر من قبل الوليد بن عبد المالك 709 - 714 م وبينها كذلك كتاب "الجامع في الحديث" لعبدالله بن وهب، وقد كتب في اوائل القرن الثالث للهجرة لأوائل القرن التاسع الميلادي، وهو الكتاب العربي الوحيد 199 صفحة المكتوب كله على البردي، وقد عثر عليه في مدينة ادفو في جنوب صعيد مصر وقام المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بنشره سنة 1948. وتعد دار الكتب المصرية اولى مكتبات العالم من حيث مجموعات المصاحف التي تقتنيها والتي يرجع بعضها الى القرن الهجري الأول، ومنها مصحف يظن انه احد المصاحف التي بعث بها الخليفة عثمان بن عفان الى الامصار، ومصحف بخط الحسن البصري سنة 77 ه - 696 م وآخر مضبوط بالحركات على طريقة ابي الاسود الدؤلي. وبين المصاحف المملوكية التي تتميز بضخامة حجمها وجمال خطها ودقة صنعها مصحف كتبه عبدالرحمن بن الصائغ سنة 801 ه 1399 م بقلم واحد في اقل من 60 يوماً بناء على طلب السلطان فرج بن برقوق، وقد كُتب كله بالذهب الخالص. أما أقدم مخطوط مكتوب على ورق في دار الكتب المصرية فهو رسالة الامام الشافعي بخط تلميذه الربيع بن سليمان 265ه - 878 م. ومن بين المخطوطات العربية التي تقتنيها الدار مجموعة عليها خطوط اشهر العلماء والمؤلفين مثل البيهقي، المتوفي سنة 458 ه - 1066م، والحريري المتوفي سنة 516 ه - 1122 م او اشهر الخطاطين مثل ياقوت المستعصمي وروح الله اللاهوري وعبدالرحمن بن الصايغ. وتوضح هذه المجموعة عبر ترتيبها الزمني، تطور الخط العربي من كوفي ونسخ ورقعة ومغربي وريحاني، وكيف تدرج الشكل والنقط حتى انتهيا الى نظامهما الحالي. ومن ابرز انجازات "مركز تحقيق التراث" التابع للدار نشر كتاب "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي و"الاغاني" لأبي فرج الاصفهاني، "ونهاية الارب" للنويري، و"صبح الاعشى" للقلقشندي، و"النجوم الزاهرة"، و"المنهل الصافي" لابن تغري بردي. اما "مركز تاريخ مصر المعاصر" والذي يتبع الدار ايضاً، فأصدر خلال العامين الماضيين العديد من الكتب المهمة مثل "مصر في كتابات الرحالة الفرنسيين"، و"الصحافة المصرية والحركة الوطنية من الاحتلال الى الاستقلال". وكذلك مذكرات كل من سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي وكتاب "كان ويكون" وهو من تراث عبدالله النديم. ويقول الدكتور ناصر الانصاري رئيس "الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية" إن المرحلة المقبلة من التطوير ستشمل، من بين امور عدة، افتتاح المبني القديم في "باب الخلق" بعد ترميمه وتجهيزه ليكون مركزا للدراسات الشرقية، ومتحفا للمخطوطات والبرديات والعملات النقدية