تكاد لغة المعارضة في كثير من المجتمعات العربية تنتقل الى السلطة نفسها، فيصير الخطاب موجّهاً الى هيئات معنوية غامضة أو الى هيئات دولية ليس في إمكان العرب حالياً ان يؤثروا فيها. وهذا التعميم يلغي المسؤوليات إذ يحيلها الى آليات بعيدة عن متناول اليد، أي الى فعل ايديولوجي مؤجل حتى إشعار آخر. ومما يضاعف المأساة الفلسطينية، مثلاً، انها اتخذت من جانب العرب، قبل الفلسطينيين شمّاعة تعلّق عليها القضايا كافة، خصوصاً قضايا الاقتصاد والحريات العامة. ولعل الميل الشعبي العربي، خصوصاً في دول الطوق، الى السلام، هو نوع من رغبة برفع الذريعة ليجري السجال واضحاً حول الاقتصاد والحريات. هذا الميل تجده لدى فئات تكتوي يومياً بنار الاحتلال الاسرائيلي و"هداياه" المدمّرة الى ما ومَنْ يجاوره من أرض وبشر. وبعيداً من فلسطين يتم اللجوء الى مواقف ايديولوجية "كبيرة" من نوع مواجهة الهيمنة الغربية واستنهاض الأصالة العربية او الاصولية الاسلامية وغير ذلك مما يتلهّى به الهواة ويتقنه المحترفون، وبالتالي يتم ربط مسألتي الاقتصاد والحريات بالانتهاء من المعركة "الحضارية" او "المقدسة". ولما كان الحكم يعرف بالتجربة مسؤوليات واقعية مثل الانماء في وجوهه الاقتصادية والانسانية وتوفير فرص العمل وغير ذلك من يوميات عمل الوزارات، فإن الحكم كان يتوجه الى الناس بلغة مسؤولية هي لغة الارقام… وقد "اكتشف" هذا الحكم في غير بلد عربي ان لغة الايديولوجيا هي الطاغية والمسموعة، وأن الناس، مع الأسف، يسيرون الى تمجيد الكليات المجردة على حساب الجزئيات الملموسة، فبدأ يعتمد خطاب المعارضة وصار عرب هذه الايام جميعاً معارضين… للغرب وبالذات الولاياتالمتحدة الاميركية. وكفوا أنفسهم شرّ "القتال" من اجل اقتصاد افضل وحريات اكثر. * كاتب لبناني من أسرة "الحياة