في أدوات التكرير الإعلامي في أوروبا تحديداً يمكن لأي متحدثٍ باتزانٍ ظاهر عن الإسلام والمسلمين أن يكون مقبولاً بسبب التطلّع الغربي والتشوّف إلى ما يخالف الفئة المتطرفة الغالبة من أولئك الملثمين والمنفلتين، من هنا يأتي الاحتفاء البالغ باسمٍ لطالما وصف إعلامياً هناك ب«الفيلسوف»، هذا هو «طارق رمضان» حفيد حسن البنا والباحث في تاريخ الحركات الإسلامية الذي يأخذ نفساً دفاعياً في تحليلاته. في محاضرةٍ ألقاها بمركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية في (أيلول) سبتمبر 2011، وطبعت بكتيّبٍ مستقل في 2012، مجموعة من الأفكار حول الثورات والإسلاميين والربيع العربي. طارق رمضان إنما يحاول أن يجمّل الحركات الإسلامية من خلال نقده ويتناول بشفقةٍ تاريخها، إذ يصر على مظلوميتها ومبادرتها التاريخية بالوقوف ضد الأنظمة «الطغيانية»، هذا على رغم ابتعاده عن تسمية الأحداث ب«الربيع العربي» مفضّلاً تسميتها ب«الانتفاضات الإسلامويّة»، غير أنه وفي منتصف المحاضرة يتحدث عن «المشروعية التاريخية» لهذه الجماعات، أطلق هذه الفكرة كالرصاصة بوسط الكتاب الذي بدا فيه معتدلاً مميزاً نفسه عن الإسلاميين جميعاً، وإن انتقد من يخالفونه بالتحليل للأصولية من الفرنسيين، مثل: أوليفيه روا، وجيل كيبل الذين يرون بالصعود للحركات الإسلامية بداية النهاية. بالعودة إلى لغم «المشروعية التاريخية» نقرأ لرمضان: «تم تصوير الإسلامويين باعتبارهم الخطر الأكبر الكامن في العملية برمتها، وبأنهم لا يهددون الغرب فحسب، بل والبلدان ذات الغالبية المسلمة أيضاً، والحقيقة هي أن الإسلامويين، من حيث معارضة النظم الديكتاتورية في مصر وتونس وسورية - وحتى في ليبيا، إذ أعتقد أن علينا أن نكون حذرين بألا نغفل التيار الإسلاموي في البلاد - ظلوا لسنواتٍ عدة يمثلون المجموعات الأفضل تنظيماً، الأمر الذي وضعهم في نضالٍ مستمر ضد الطغاة وقد دفعوا الثمن في مصر، وفي سورية، إذ قتل منهم 20 ألف شخص، وعلى رغم أن هذه الحقائق معروفة في هذه المجتمعات فنادراً ما يتم الترويج لهذه (الشرعية التاريخية)»! لم يوضّح رمضان المقصود ب«الشرعية التاريخية» لكن من الواضح أنه ربط بين الأقدمية في مواجهة الأنظمة والمشروعية، علماً بأن الطغيان الذي مورس سياسياً إنما يقع على الجميع، والمجتمعات بأفرادها وطبقاتها المسحوقة واجهت الأنظمة بالجوع والصمت والبطالة والأسى، غير أن الفرق في التيارات الإسلامية أنها تريد أن تصل إلى الحكم ضمن «أيديولوجية» أصولية تهددد مصائر الحريات والأقليات وتضع الدولة من جذرها على كفّ عفريت لجهة العلاقة مع الغرب وهي علاقة ضرورية لأي دولة طبيعية. المظلومية السياسية لا تخلع الشرعية على من ظُلم ذلك أن «المشروعية» تأتي من أصوات الناس لا من آلام تاريخ الأصوليين. بالمصادفة وقعت على تحليلٍ لطرح طارق رمضان في بداية المائة الثانية من كتاب محمد أركون الأخير، المطبوع قبل أشهر «التشكيل البشري للإسلام»، قال فيه: «طارق رمضان الآتي من جهة الإخوان المسلمين... لا تجد لديه أدنى حدٍ من نقد الأصولية الإسلامية». ويشير «أركون» إلى الحفاوة التي يحظى بها في الإعلام الأوروبي من خلال ظهوره المتكرر على التلفاز، ولأنه يؤيد النظام الديموقراطي «العلماني» الذي يؤدي في الإسلام دوراً مهماً فقد أصبح رقماً مهماً في التداول الفكري الغربي باعتباره «المختلف» و«الحفيد» لحسن البنا. أتطلع إلى قراءة الكتاب الذي يعكف عليه رمضان حالياً بعنوان: «الإسلام والصحوة العربية»، وأن يوضّح بشكلٍ علمي ومفصّل، ولا يجانب المجال السياسي بأدواته حين يتحدث عن «المشروعية التاريخية»، فهو لم يوضّح المعنى العلمي لهذه الجملة، ولئن كان يقصد بها شرعية المعذّب في نظام الطاغية الساقط لأن يكون الحاكم بعد السقوط فإن هذا ينسف كل ما ينظّره رمضان حول الديموقراطية والعدالة وحقوق المجتمعات. بمعنى آخر فإن «المشروعية التاريخية» مصطلح غير علمي ولا سياسي، بل هو مجرد «أكذوبة» تحليلية. www.shoqiran.net shoqiran@