أكد أستاذ تاريخ الشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر الدكتور محجوب الزويري، أن الإسلاميين ليسوا طلعاً شيطانياً غريباً على المنطقة العربية، إذ هم جزء مهم من مكونها الاجتماعي والسياسي لحوالى قرن من الزمان، وأشار إلى أن الخوف من الإسلاميين يعد ظاهرة دولية، وليست إقليمية، منبهاً الإسلاميين ألا يعتقدوا أن الإسلام يمكن أن يمنحهم بطاقات الدخول إلى قلوب الناس من دون تقديم حلول حقيقية وتحمل المسؤولية. ورأى في حوار مع «الحياة» أن الإسلاميين في دول مثل مصر وتونس وربما ليبيا ليسوا في الحكم، بل في مرحلة انتقالية للإعداد لشكل النظام السياسي المقبل، واعتبر ما يشهده المجتمع العربي مخاضاً سياسياً عميقاً وصحوة ثالثة، لافتاً إلى أن الأجواء السياسية الموجودة في دول الثورات العربية غير صحية، فالمشاحنات السياسي تزيد من تدهور الحال الاقتصادية. واعتبر أن الضمانة الحقيقية لدول الثورات هي بناء مرجعيات تعزّز من منطقة المواطنة والشراكة والعدالة الاجتماعية، تجعل المنافسة السياسية تجري في أجواء أكثر صحية، مؤكداً أن هذا عمل يحتاج إلى دور في التربية والتعليم، وثقافة تنتقل من جيل إلى جيل.. في ما يأتي أسئلة الحوار: يلحظ المتابع لأطروحاتك الانحياز إلى الإسلاميين السياسيين في بلدان الثورات والتبرير لإخفاقاتهم الحالية هل يُعزى ذلك إلى طبيعة النشأة أم الدراسة، أم أن الأرض بتتكلم «إسلامية»؟ - أعتقد أن ثمة حالاً من عدم التفريق بين ما أقدمه من تحليل للمشهد السياسي العربي، لاسيما بعد أحداث الثورات العربية، والرأي الشخصي حول ما يجري الذي لا أتردد في البوح به والدفاع عنه إن لزم الأمر. ما قلته وما أقوله لكم الآن إن الإسلاميين ليسوا طلعاً شيطانياً غريباً على هذه المنطقة، وهم جزء من مكونها الاجتماعي والسياسي لحوالى قرن من الزمان. وإذا كنا نؤمن بأن منطق الإقصاء والتهميش لم يجر على مجتمعاتنا إلا العنف والظلم. فمن المنطق أن يغيّر الجميع من طرق تناولهم السياسي لمفردات العمل السياسي وكذلك وجهة نظرهم نحو الآخر السياسي. في المقابل على الإسلاميين ألا يعتقدوا أن الإسلام يمكن أن يمنحهم بطاقات الدخول إلى قلوب الناس من دون تقديم حلول حقيقية وتحمل المسؤولية. على صعيد آخر يجب أن نتذكر أن درجات التسامح السياسي في المجتمع العربي في أدنى درجاتها، وأن الجميع ينزع إلى التفرد بالمشهد السياسي وما يتعلق به ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. إذا كنا كمجتمع وكإرادة جمعية نريد حقيقة أن نخرج من مربع التفرد الذي يقود للاستبداد، فمن الضروري أن نبتكر من الوسائل ما نعزز به من مستويات التسامح السياسي. وفكرة التشارك في تحمل المسؤولية وكذلك تصحيح الأخطاء. الإسلاميين والسلطة انتقال الإسلاميين من المعارضة إلى السلطة من دون تمهيد أو مقدمات.. كيف تراه؟ - في الحقيقة ليس لدينا حتى اللحظة انتقال بمعنى الكلمة للإسلاميين من المعارضة إلى السلطة، ما شهدناه هو فوز تياري الإخوان المسلمين وبعض التيارات السلفية في الانتخابات. وهو أمر كان بمقدوره أن يحدث في المجتمعات العربية من قبل، لو كانت تلك الأنظمة تقبل بانتخابات فيها قدر كبير من الشفافية والنزاهة. الأمر الآخر في هذا السياق هو أن الإسلاميين في دول مثل مصر وتونس وربما ليبيا ليسوا في الحكم، بل في مرحلة انتقالية للإعداد لشكل النظام السياسي المقبل. بالتأكيد لهم دورهم في كتابة الدساتير في تلك الدول، لكن دورهم في السلطة ما زال في مراحله الأولى. أضف إلى ذلك لم يحدث في البلدان المشار إليها ما حدث في إيران مثلاً، عندما «كنس» نظام الجمهورية الإسلامية كل من له علاقة بالنظام الملكي في إيران قبل 1979، وأتى برجاله، ووضعهم لإدارة الدولة والمجتمع، وهو أمر لم يحدث منه شيء في دول الثورات العربية. فما زالت الهيكليات السياسية والاقتصادية وإدارة الدولة كما كانت في ظل الأنظمة السابقة. من هنا فأي حديث عن انتقال للإسلاميين من المعارضة إلى السلطة يعد ناقصاً. أعتقد أن الإسلاميين سيخسرون إذا ما عملوا على التفرد في الحضور في المشهد السياسي الانتقالي، وهو الأمر الذي سينعكس من دون أدنى شك على حضورهم السياسي في مستقبل الانتخابات. من المصلحة العامة أن تتشارك القوى السياسية على اختلاف مشاربها في وضع ملامح مستقبل مجتمعهم، ويجب أن يكون نبراسهم أن لا عودة للاستبداد مهما كان نوعه. في هذا السياق أيضاً ينبغي على الإسلاميين أن يعلموا ويتعلموا أن الاستبداد باسم الدين له آثاره الكارثية على الدين واعتقاد الناس، فالمستبد باسم الدين يأخذ الدين بجريرته، ما يؤثر في معتقدات الناس وإيمانهم بالإسلام كمكون مهم من هويتهم الثقافية والحضارية. إلى أي مدى أسهم الاستبداد في نشوء حركات الإسلام السياسي؟ - الاستبداد يخلق رأياً آخر يمكن أن تسميه معارضة إسلامية وغير إسلامية، ما يميز الاستبداد الذي حدث في دول الثورات العربية، أنه استبداد تمت صياغته تحت مسمى بناء الدولة الحديثة. كما أنه صِيغ تحت مبرر أن الدين سبب للتخلف الذي عبث بالأمة في قرون غير بعيدة، وعليه أصبح السائد أنه كلما أقصي الدين من الشأن العام، زادت حركة المجتمع نحو الحداثة. مثل هذه الفرضية تتشارك فيها أنظمة عربية وتركيا في أوائل القرن ال20 وكذلك إيران. وفي جميع الحالات ما حصل هو العكس تماماً، فالذي تفشى هو الفساد والاستبداد، وتحكم الخارج، فما تمكّنت الدول أن تبني دولاً حديثة، لكنها دمرت عوامل القوى الثقافية الكامنة في المجتمعات ومنها الدين. والتطرف في التعامل مع الدين خلق تياراً سياسياً وقاعدة عريضة شكّلت أساساً لما سمي بالإسلام السياسي. وهنا دعنا نتوقف مع مصطلح الإسلام السياسي، فالمصطلح هو إنتاج غربي قصد منه تلك التيارات التي ترى في قابلية الدين لإدارة الشأن العام ومنه السياسة، كما قصد منه وصف التيارات التي تتبنى موقفاً من النموذج الغربي وعلمانيته السياسية، وتطبيقه بحرفية في المجتمعات الإسلامية. فالمصطلح هو وصف الآخر لما يراه مهدداً له، لذا فتكراره فيه نوع من الترويج لفهم أصبح قديماً وربما تغيّر كلياً. من المهم في هذا السياق، أن الاستبداد يشكل حاضنة لكل التيارات المعارضة، سواء ما سمي بالتيارات الوطنية، أم القومية. الإسلاميون اكتووا بنار الاستبداد أعوماً وربما غير الإسلاميين، إلا أن المراقبين يرون تورطهم في الاستبداد بعد أن وصلوا للحكم، لماذا في رأيك؟ - مرة أخرى، أود التذكير أن الإشارة إلى الإسلاميين في الدول التي شهدت التغيير السياسي هي إشارة غير مكتملة، فهذه دول تشهد مراحل انتقالية، وفي هذه المراحل كثيراً ما يغيب الاستقرار والقيم المثالية في السياسة. ما يحدث الآن من الإسلاميين وغيرهم هو شعورهم بعدم الأمان على مستقبلهم، والكل يحاول أن يحصل على ضمانات لمستقبله السياسي. وفي اعتقادي أن هذا هو ما قد يفسر حال الفوضى السياسية في تلك الدول، إضافة إلى عدم القبول الإقليمي ومنطق شيطنة الإسلاميين الذي أصبح أيضاً تكتيكاً يرهقهم فكرياً ومجتمعياً، بحيث يضعهم في وضع المدافع عن نفسه، وتبرير سلوكه وخطابه السياسي. وعود الربيع هل كان الإسلاميون صادقين في وعودهم قبل أن يصلوا إلى السلطة؟ وكيف ترى وعودهم بعد مرور أكثر من عامين على ثورات الربيع؟ - لا أدري إلى أي وعود يشار هنا، فالأوضاع التي تشهدها الدول هي استثنائية بامتياز، وهي لا يمكن أن تؤدي إلى نجاح أي تيار سياسي، بمن في ذلك الإسلاميون، ويخطئون قبل غيرهم إن اعتقدوا أن الأجواء السياسية الموجودة قد تمكّنهم من تحقيق أكثر من تثبيت شرعيتهم السياسية. فمشهد المنافسة السياسية غير صحي، والاقتصاد في تراجع ليس بسببهم، لكن استمرار المشاحنات السياسي يزيد من تدهور الحال الاقتصادية. ويجب ألا نغفل العوامل الإقليمية والدولية التي لها آثارها الواضحة على المشهد الداخلي. في ظني أن على الإسلاميين إن أرادوا أن ينجحوا في تجربتهم في بلدان الثورات العربية، التركيز على أمرين الأول الوضوح في مسألة شكل الدولة التي يريدون، وطبيعة دورهم فيها، والثاني يتعلق بإيجاد المرجعيات الدستورية والقانونية التي تعلي من قيمة الإنسان، بغض النظر عن ميوله ومشربه السياسي والفكري. هل تنجح الثورات بتغيير نمط الحكم في الدول العربية بدل إزالة استبداد حزب بحزب آخر؟ - الثورة لا تنهي الاستبداد باستبدال حزب بحزب، ولا يجب نظرياً أن تكون كذلك، وإذا كانت كذلك فيجب على أهل تلك الثورة أن يتوقّعوا ثورة أخرى. وفي هذا السياق أود التذكير بأمرين، الأول أن الثورة ليست حدثاً يحدث وينتهي، بل هي عملية تغيير شاملة تأخذ وقتاً، كما أن لها إخفاقاتها ونجاحاتها. وربما يجب التذكير بأن الثورة الفرنسية التي بدأت في 1789 لم تحقق ما أرادته في فرنسا وبعدها أوروبا إلا في العام 1870. وخلال ال80 عاماً قضى حوالى 4 ملايين من الناس، خلال تلك العقود كان المخاض على الشكل المراد للدولة المقبلة في ذلك الجزء من العالم، وكيف يجب ألا يعود الاستبداد السابق. كان التركيز على الأسس والمرجعيات التي تجفف منابع الاستبداد، وتحد منه إلى أدنى درجة ممكنة. الأمر الآخر هو حداثة معرفة العرب في شكل الدول الحديثة ومقتضياتها، وهذا ينطبق على الإسلاميين وغيرهم، فالعرب منذ سقوط بغداد في العام 1258 لم يمارسوا حكم أنفسهم. ففي التاريخ الحديث انتقلوا من سلطان الدولة العثمانية إلى سلطة الاستعمار الأوروبي، تجربتان تركتا كثيراً من الانعكاسات غير الإيجابية على الثقافة السياسية في العالم العربي، وجعلتاه منقسماً بين دعاة التجديد، وأولئك الذين يرون في التجربة التاريخية بعض الإيجابيات. ومع تعزز سيطرة الاستعمار، لاسيما ثقافياً، أصبح نموذجه هو البراق، وتجربته هي المثال الذي يروّج له، لكن بشكل مجزأ، بسبب ما رأيناه من استبداد باسم الدساتير في كثير من دول الثورات العربية. فالدستور الذي شرع في أوروبا للحد من الاستبداد، أصبح في أجزاء من العالم ومنها دول عربية، وسيلة لجعل الاستبداد شرعياً ومبرراً. المشاركة السياسية هل يمكن أن تسهم المشاركة السياسية بين كل التيارات في استنهاض دول الثورات والقيام على أرجلها؟ أم أن المشاركة تبدو غير ممكنة لتنافر أدبيات كل تيار؟ - هذا يحتاج إلى وقت، ويحتاج إلى انتشار روح التسامح السياسي. ومرة أخرى أذكر هذا، لأن هذا لن يحدث في يوم وليلة. فالنخب السياسية التي تتناحر اليوم هي جزء من تركة الاستبداد، فكيف يتوقع أن تحدث التغيير المطلوب وهي مسكونة بتركة الاستبداد والقلق من أن تتكرر. تقول في بعض أطروحاتك إنه لا يمكن إعطاء حكم على تجربة الإسلاميين بعد وصولهم للسلطة في دول الثورات، ماذا عن تجربة الإسلاميين في السودان وأفغانستان وإيران؟ - المقابلة بين تجربة الإسلاميين في بلدان الثورات والدول المشار إليها تحتاج إلى توضيح. فالتجربتان السودانية والأفغانية في اعتقادي يجب ألا تشملهما المقابلة والمقارنة، فالتجربة السودانية جاءت بانقلاب عسكري، والأفغانية جاءت في سياق انهيار الحكومة المركزية، وظهور دولة فاشلة تمكّنت «طالبان» من السيطرة على المشهد السياسي. أي مقارنة ربما تكون مقبولة بين تلك الدول وإيران. وهنا يجب التذكير بأن تجربة الإسلاميين في بلدان الثورات العربية لم تغيّر البنى السياسية والاقتصادية والإدارية كما حصل في إيران، فالتغيير ما زال ظاهرياً وما زال قيد البحث، من خلال الجدل حول شكل الدولة. لكن في إيران التغيير كان شاملاً من لحظات الثورة الأولى، سيطر فيه رجال الدين على المشهد السياسي طوال أكثر من 3 عقود. وفي اعتقادي أن عقد بعض المقارنات قد يصبح مقبولاً، لكنه يجب النظر إلى عامل الزمن والمحيط السياسي الدولي كذلك. المقارنة التي أعمل عليها هي بين دول تطورت فيها حركات احتجاجية سلمية مطالبة بإسقاط أنظمة، وصعد فيها الإسلاميون إلى مواقع صنع القرار، وهذا ما حدث في إيران في نهاية القرن الماضي وما حدث في تونس ومصر واليمن وسورية. هل يَطَرِد العنف مع الحرية في عالمنا الإسلامي، أي كلما انخفض سقف الحرية ازداد العنف، أو العكس؟ - هذا تفسير معمم، وهو يرى أن الحرية أحد أهم ضمانات عدم تفشي العنف، ولكن هذا يعود بنا إلى بناء المرجعيات التي تعزّز من منطقة المواطنة والشراكة والعدالة الاجتماعية، بعبارة أخرى بناء مرجعيات تضمن كل ذلك، وتجعل المنافسة السياسية تجري في أجواء أكثر صحية. وهذا عمل يحتاج إلى دور في التربية والتعليم وثقافة تنتقل من جيل إلى جيل، لأن الاستبداد والاستئثار هما الأقرب للنفس البشرية، في حين التسامح يحتاج إلى جهد تدريبي وبعض الوقت. هناك من يتهم النظام السياسي في البلدان العربية بأنه وراء التشظي الموجود بين التيارات، وأنه المستفيد الأول من ذلك.. كيف ترى ذلك؟ - مرة أخرى أعود إلى تاريخ الدولة العربية الحديثة وظروف نشأتها، الإجابة عن هذا السؤال تكمن في فهم الظروف العسرة لنشوء الدولة العربية الحديثة. وهنا يأتي سؤال الشرعية، والاعتماد على الخارج. والتركة التي أصابت القيم السياسية في تلك الدول، لاسيما ما يتعلق بمفهوم السيطرة على مقاليد المجتمع الاقتصادية والسياسية. مثل هذا المناخ بالتأكيد لم يكن صحياً لظهور فكرة المعارضة. وإذا ما تذكرنا أن ثمة إرثاً تاريخياً يصف المنتقد للسلطة بأنه زنديق وخارج على إجماع المجتمع، فإننا نفهم لما تم وتتم شيطنة أية فكرة للمعارضة، وإظهارها بمظهر الذي يقسم المجتمع، أو أنها هي منقسمة عن المجتمع. اللعبة الديموقراطية لو انتخب الشارع الإسلامي غير الإسلاميين.. هل تعتقد أنهم سيقبلون باللعبة الديموقراطية؟ - ألا يقبلوا فهذا يعني أنهم لم يختلفوا عمن استأثر من قبلهم بالسلطة، وهم بذلك يؤكدون ما يقوله خصومهم عنهم. وأن يقبلوا فهذا يستلزم أن تتوافر للجميع مرجعية سياسية تحافظ على دينامية القوى السياسية، وقدرتها على العمل بفعالية، سواء من موقع الحكم، أم من موقع المعارضة. لا تزال الديموقراطية تشهد عسر هضم لدى الإسلاميين، على رغم حضورها بشكل لافت في الأطروحات الإسلامية.. لماذا في رأيك؟ - الديموقراطية ليست وجبة سريعة يمكن للمجتمعات أن تجترها على قارعة طريق وتمضي. هذه عملية متكاملة تبدأ بالتعليم، ولا تنتهي بثقافة القانون وسيادته واحترام المرجعيات، التي يتوافق عيها المجتمع. الإسلاميون يجب ألا يعترفوا بأن لديهم مشكلة مع شكل الديموقراطية كما يعرفه الغرب، وهو شكل يبدو اليوم أنه يحتاج إلى مراجعة، لاسيما في ما يتعلق بشكل الحكم، وما يلحق به من قيم سياسية. وكذلك القيم الاجتماعية. أعتقد أن الإسلاميين يرون في عملية الانتخابات جزءاً مهماً من العملية الديموقراطية، وهي في الحقيقة ما هي إلا وسيلة. وتشاركهم في هذا بقية التيارات السياسية الراغبة في السلطة. يريدونها بأغلبية، حتى يمنحوا شرعية إجراء التغيير. وهذا في ظني يحتاج إلى مراجعة من الإسلاميين، إذ وضعتهم الديموقراطية في قالب، وجعلتهم في موقع رد الفعل، وليس المبادرة. ما مدى انعتاق السلفية العلمية من السياسي؟ - شخصياً لا أرى صحة تلك التسميات التي تظهر من هنا وهناك لوصف هذه الجماعة أو تلك. هناك سلفي كان يرى في ظل الاستبداد، أن العمل الدعوي البعيد عن السياسة قد يكون أكثر تأثيراً، وحاولت بعض الأنظمة السماح لمثل هذا التيار بالعمل في محاولة لخلق توازن مع ما كان الإخوان المسلمون يفعلونه. هذا التيار تغيّر شأنه شأن التغيير الذي أصاب بعض المنضمين للإخوان الذين لم يعودوا مقتنعين بمنطق التدرج، لاسيما أمام القمع الذي يواجهونه من بعض الحكومات، فانتقلوا إلى مربع المواجهة مع الأنظمة، وأصبحوا يسمون بناء على مقولاتهم الجديدة بالسلفيين الجهاديين. هناك سياقات سياسية جرت وتجري في العالم العربي تدفع إلى الانقسامات وإلى المواقف المتشددة، لقد كان التطرف في فرض النموذج العلماني، الذي يعزز استبداد الفرد إلى ردود فعل متشددة من إسلاميين وغيرهم. من هنا لا أعتبر ما يحدث انعتاق بقدر ما هو استجابات لتحد تفرضه الظروف المحيطة. لنتذكر أن الجماعات الإسلامية كلها وصلت إلى قناعة بأن إبقاء الدين منحصراً في الحيز الخاص لفرد ليس عملياً. فالتجربة الإسلامية تتحدث على مستوى التطبيق عن دور الدين في الحيز العام، وهذا الحيز متنافس عليه من كل التيارات السياسية. إلى أي شيء تعزو ترحيب عامة الناس بالخطاب الإسلامي، في حين لا يجد الخطاب العربي والليبرالي الترحيب ذاته؟ - الإسلام جزء من هوية الرأي العام العربي، سواء الهوية الدينية أم الهوية الثقافية، التي ورثوها عبر آلاف الأعوام، وهو في ظني أمر مهم وراء ترحيب الناس، لكن لهذا مخاطرة إذا لم يتبع ذلك عمل يقنع الرأي العام، فقد يؤدي إلى رد فعل يعكس شكوك الناس حول قابلية الإسلام في إحداث التغيير المطلوب. ومن هنا على من يتصدون للعمل رافعين شعار الإسلام، أن يتنبهوا إلى حساسية هذا الأمر. في المقابل الخطاب الليبرالي خطاب يبدو للرأي العام مشوهاً، وربما مغلوطاً حول الديموقراطية والحريات، وغيرها من المسائل التي ينشدها الناس. الأمر الآخر ثمة قناعة واسعة بأن الليبراليين تمت تجربتهم سياسياً في العالم العربي، وأن التجربة أثبتت أنهم ليبراليون بالكلام وليس الفعل. وأن الاستبداد الموجود في دول الثورات العربية قاده خريجو أحسن الجامعات الغربية ممن عملوا على ترويج مشوّه لليبرالية السياسية والاقتصادية. الإخوان في دول الخليج هناك توجس ملحوظ من الإخوان في دول الخليج، هل هو وهمي أم حقيقي، أم أن فلول النظام المصري تقف وراءه؟ - لا يمكن الحديث عن موقف موحد في دول الخليج، هناك مواقف، وهذه المواقف ترتبط بقراءة كل دولة لمدى المصلحة والضرر الذي يمكن يصيبها كنتيجة لاحتمال ظهور الإسلاميين وسيطرتهم على المشهد السياسي. الخوف من الإسلاميين هو ظاهرة دولية وليست إقليمية، وفي ظني أنها لن تختفي بل يمكن أن تخف حدتها. هذا بالتأكيد سيرتبط بأداء الإسلاميين من جهة، وكذلك باستعداد الآخر لقبولهم كقوى سياسية فاعلة وبرغماتية. المهم في هذا السياق أن يدرك الجميع أن الحديث عن الإسلاميين في العالم العربي هو حديث عن قطاع من المواطنين، الذين لديهم مشتركات كثيرة مع من حولهم، ومحاولات شيطنتهم والمضي في هذا الطريق من شأنها أن تدفع إلى مزيد من التشظي في المجتمع والتطرف. كيف ترى مستقبل المنطقة العربية والإسلامية في ظل الثورات؟ - أعود وأذكر أن ما تشهده المنطقة ما هو إلا مخاض وعملية فرز سياسي عميقة في المجتمع. وأعتقد أن ما يشهده المجتمع العربي هو صحوة ثالثة، فالصحوة العربية الأولى مرتبطة بانتهاء الحكم العثماني. فيما الصحوة الثانية بالتخلص من الاستعمار التقليدي. المشترك بين هذه الصحوات أن العرب يبحثون عن ذاتهم الحضارية والسياسية. لكن النخبة تخذلهم. من هنا عليهم أن يتنبهوا لهذا المخاض وإلى من يقود التغيير وإلى أين يقود التغيير. من المهم أيضاً أن يتيقنوا أنهم لا يعيشون معزولين عما يجري حولهم، وأن الآخر لن يترك التغير من دون محاولات التأثير فيه. المنطقة تعيش رغبة عارمة في التغيير متعدد الأبعاد، أبرز عناوينها شكل الدولة التي يريدها الناس، ودور الدين في هذه الدولة، وشكل التنمية المطلوب، وطبيعة العلاقة المراد لها أن تتشكل مع الآخر الثقافي والآخر السياسي والآخر الاقتصادي. هذا بالتأكيد لن يحسم، ويجب الاستعداد إلى بعض الخيارات غير السارة أحياناً.