دارت الأيام وجاء زمان اضطر فيه فلاديمير بوتين الرئيس الروسي إلى الانحناء طالبا الى خصم الأمس جورج بوش اسداء معروف واتخاذ اجراءات واعتبار الاقتصاد الروسي (اقتصاد سوق) عسى ان يساعد ذلك على انعاش الاقتصاد الروسي العليل. وإرضاء للعم سام تنكر بوتين الى أصدقاء روسيا القدماء واتخذ الاجراءات التي أملتها عليه واشنطن فالغى جميع المعاهدات والاتفاقات التي كانت معقودة بين الاتحاد السوفيتي (سابقا) وجمهورية كوبا الاشتراكية، حتى ان فيدل كاسترو رئيس كوبا وجه كلمة عتاب منذ حوالي شهر اتهم فيها بوتين بالخيانة لأنه تحالف مع أمريكا ونسي حلفاء الشعب الروسي القدامى. وإلى جانب محاولات بوتين نفخ الحياة في الاقتصاد الروسي على أمل أن تستعيد روسيا مكانتها الدولية كدولة عظمى وكقطب منافس للولايات المتحدة أو على الأقل كزميلة موازية لها في القوة والنفوذ السياسي.. نراه مرتبكا في معالجة قضايا حدودية متعددة. فعلى اثر انهيار النظام الشيوعي عام 1991 أصبحت منطقة كالينجراد (وهي ما كانت تعرف باسم كونينجسبرج الألمانية الواقعة وشرقي بروسيا)، معزولة عن روسيا. وزادت الأوضاع سوءا في هذه المنطقة مع زحف دول الاتحاد الاوروبي نحو الشرق ما أثار احتمال فرض قيود على حركة المواطنين الروس الراغبين في دخول تلك المنطقة أو انتقال سكان منطقة كاليننجراد الراغبين في زيارة روسيا الأم. ومما يؤكد أهمية هذه المنطقة لروسيا قيام بوتين بإثارة قضيتها في لقائه الأخير مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي أيد موقف بوتين وعارض فرض قيود على المرور من والى الدول الأوروبية الجديدة التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي مثل لاتفيا ونتوانيا. لكن بوتين لم يستطع إخفاء قلقه على مصير دولة أخرى تناضل من أجل الاستقلال هي الأخرى، ونعني بها الشيشان، وهي كما هو معروف مقاطعة اسلامية لم يلق المسلمون أهلها سلاحهم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وبوتين حائر بين المضي في محاربة طالبي الحرية أو الاستجابة لمطلبهم أسوة بالدويلات الصغيرة الاخرى التي استقلت. وفي ولاية خاباروفسك الواقعة الى اقصى الشرق من روسيا همت حكومة بوتين بإقامة جسر لربطها بجزيرة نهر أوردريسكي الواقعة على نهر أمور، فإذا بجمهورية الصين تقدم احتجاجا رسميا على هذا التحرك لانها تدعي ملكيتها تلك الجزيرة، ويتوقع المراقبون السياسيون اشتداد حدة التوتر بين موسكو وبكين على اثر محاولات الصينيين ردم قناة كازاكيفتشي التي تربط جزيرة أوزوريسكي بالأراضي الصينية. وظاهر ان روسيا ترغب في الاحتفاظ بهذه الجزيرة، اذ قررت بناء جسر علوي تستطيع به عزل الصين عن تلك الجزيرة موضوع النزاع وايضا عن جزيرة دامانسكي المجاورة. ولا يزال العالم يذكر نزاعا حدوديا قديما جاريا روسياواليابان على جزر كوريل يرجع الى نهاية الحرب العالمية الثانية حين احتل ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي تلك الجزر الواقعة شمالي روسيا. وكان الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين قد وافق عام 1993 على جلاء القوات الروسية عن هذه الجزر مع الابقاء على 3500 جنديا بصفة حرس حدود. وقبله سمح الرئيس جورباتشوف عام 1991 للمدنيين اليابانيين بالدخول الى تلك الجزر مقابل سماح اليابان للسكان الروس في جزر كوريل بزيارة اليابان وقبل ذلك كان في استطاعة اليابانيين زيارة مقابر اقاربهم الموجودة في اراضي تلك الجزر. عرفت الحكومة اليابانية كيف تستغل ضعف روسيا الاقتصادي فاشترطت إعادة جزر كوريل الى روسيا لقاء اقامة علاقات اقتصادية ومبادلات تجارية بين الدولتين. وكانت نوايا بوتين متجهة في البداية الى جعل الاتحاد الروسي الفيدرالي ذا سلطة مركزية بعد ان قسمه الى سبع ولايات، هي ولاية الشرق الاقصى، وولاية سيبيريا وولاية الاورال وولاية الفولجا والولايات الجنوبية والولاية الوسطى والولاية الشمالية/ الغربية. وأصر على تحقيق انتماء ولايتين على الأقل الى الدستور الفيدرالي، وهما تترستان وساخا وذلك ليحول دون تمديد الحكام لفترات ولايتهم المعتادة. ويشير المراقبون الى ان بوتين سيلاقي صعوبة في السيطرة على الاقاليم المنشقة إلا اذا استعان بجهات أجنبية خاصة الولاياتالمتحدة بقصد حماية حدود روسيا المترامية الأطراف. ولكن يرجح المراقبون انفصال قطاعين عن حدود روسيا هما منطقة كالينجراد وجزر كوريل وذلك لأسباب جغرافية اكثر منها سياسية وذلك على نحو ازدياد نزوح المدنيين الروس عن هذين القطاعين.