لغة الأرقام هي عالمٌ لوحدها يستخدمها رجل الاقتصاد لمعرفة دخول دولته من النفط والتعدين وخلافه،كذلك التاجر يعود للأرقام إذا فكر بالتوسع في مشروعه الاستثماري لقياس نجاحه وإخفاقه وكذلك ميزانية الدولة دائماً تأتي مفصلة بالأرقام وبالشروحات الكافية حتى يفهمها الجميع، فهذه اللغة لها حظوتها وقوتها في عالم المال والأعمال كذلك في بحر السياسة فمن هذه اللغة يستطيع رجل السلطة معرفة مايدور حوله وكيف تسير بلاده وإلى أين تتجه فولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- يستخدم هذه اللغة كثيراً وقال ذات يوم :”انظر للأرقام ..الأرقام هي التي تتحدث”،مايعني أن الرقم هو الفيصل وهو المحتكم الرئيس الذي نتوقف عنده فالأصل في الأرقام أنها لاتخون ولاتكذب وهي نتائج مؤشرات ومُحصلة عمليات دقيقة لايمكن استنتاجها من العدم أو بناءها دون دراسة مستفيضة وتخطيطٌ سليم، لأن الأرقام تتحدث ولاتنطق بغير الصدق،ولأن هذه اللغة دقيقة وموضوعية هيئة الإحصاء لديها معطيات تبني عليها أرقامها فلايمكن أن تحدد رقماً دون معرفة خلفيته لأن تحديد الرقم مهمةٌ مرهقة بحد ذاتها فضلاً عن مابعد هذا الرقم من خطوات لأن صاحب القرار يتخذ قراره بناءاً على هذه الأرقام. لكن الواضح أن هذه اللغة الحسابية باتت سلعة متداولة حتى لمن لايفهمونها وجداراً للتعتيم والتغطية ومحاولات إرضاء الضمير المُخفق فقد تستطيع وأنت تحتسي قهوتك الصباحية في استراحتك التي لاتتجاوز مساحتها 200 متر أن تقول زار استراحتي 100 ألف من الضيوف في يوماً واحداً واستمتعوا بما وجدوه من حفاوة استقبال وتحبك لك مسلسلاً درامياً عنوانه الفشخرة المُزيفة وإقناع من حولك بالهُراء …..! وفي المهرجانات التي تقام في المحافظات ويُنظمها بعض المشغلين أو القطاعات الحكومية تُمطر مسامعنا بأرقام هي أقرب للخيال من الواقع ويعزفون على الرقم وكأن النجاح مقروناً ومرتبطاً بالرقم وكأن اللجان الإعلامية العاملة هناك مطلوباً منها أن تسرد الأرقام “الخُرافية التطبيلية” مع أن المهرجان الناجح يفرض نفسه ويذيع اسمه دون أن يضطر منظموه للبهرجة الحسابية،فاليوم المتلقي والمستهدف فطنٌ وكيّس وقبل أن تتجه بورصته لأي مهرجان يعرف فعالياته وهل هي مكرورة باهتة أو جديدة ومُطورة،علاوة أن هذه الأرقام لم تبنى على مؤشرات ومقاييس منطقية واضحة نستطيع أن نعود لها، ولم يفسروا لنا ماهية هذا الرقم ؟ولو تفحّصت فعالية هذا المهرجان الذي أصدر هذا الرقم وجدته أكشاكٌ للأسر المنتجة ومعارض حكومية وفعاليات شعبية هي نفسها الموجودة بكل المهرجانات!. وحتى نُوقف هذا التدفق لابد من تدخل لجان السياحة بالمحافظات ورفض خروج أي رقم دون شرحٍ لتفاصيله حتى لانفقد مصداقية هذه اللغة الدقيقة فلا رقم دون سبر أغواره والتمحيص وراءه فالدولة تتجه للتوطين وصناعة منتج سياحي محلي ينافس عواصم السياحة فنجاح غربلة القطاع السياحي مبنية على أرقام الحضور وكم ضخوا فبعض الأرقام الغير دقيقة لاتخدم ماتنشده الدولة.