رئيس الوزراء (مازران) الفرنساوي لمع نجمه بأشد من الشعرى اليمانية جاءته المنية فجأة فخر من سماء السلطة فتلمظ الكل للمنصب وسال اللعاب! قال وزير المالية (فوكيه) جاء دوري فلأضرب ضربتي ولكن كيف؟ كان فوكيه يلعب بالمال ويحب النساء الحسناوات والقمار والخيل المسومة والأنعام والحرث قد امتلأ سحتا وحراما، وبلغ به الأمر أن ابتنى لنفسه قصرا فاق كل خيال، وبدأ في التفاخر ما يذكر بقصة البرامكة أيام هارون الرشيد. ثم هداه تفكيره ونصح من حوله إلى عمل سوف يوصله إلى قمة السلطة لاشك فيها ولا ريب، كانت الفكرة تقوم على التقرب من الملك لويس الرابع عشر الملقب بملك الشمس! فمن أفضل منه لافتتاح قصره الألماسي الجديد. تم الإعلان عن افتتاح القصر بحضور الملك الشخصي وقدمت أصناف من الطعام الفاخرة منها ما يعرفه الناس ومنها ما سمعوا عنه ومنها ما ذاقوه للمرة الأولى. ذكرت الرواية أن الطعام قدم بما يذكر مفاجأة الطعام في المغرب على طبقات. قالوا ربما سبع طبقات بدءً من الحساء وانتهاء بالحلويات والخمور المعتقة (فرنساوية طبعا) والمرطبات من أشكال العصيرات! بعدها ساق وزير المالية فوكيه الملك في حدائق التوليب والمعرشات والنخل باسقات لها طلع نضيد. وكانت هندسة حدائق خلابة. ثم بدأت حفلات الشعر والتغني بخصال الملك لويس الرابع عشر ملك الشمس، مع غلطة قاتلة في إظهار محاسن الوزير العظيمة فبدأ بالالتماع مثل القمر حين تغادر الشمس وهو الشمس. كانت غلطة قاتلة في زمن لا يعرف إلا الاستفراد والاستبداد. صدق الوزير نفسه وقال أصبح المنصب في جيبي. في تلك الحفلة الرائعة حضر نخبة القوم والمغنيون والشعراء وسيدات الصالونات الباريسية المشهورة. واختتمت الحفلة بالمسرحيات المضحكة والألعاب النارية. ثم ودع الوزير مليكه بكل احترام وحب وهو جذلان، ثم نام في قصره تلك الليلة الوحيدة؛ فقد قرع الحرس الملكي في الصباح الباكر بقيادة دارتينيان ضابط الملك الخاص بيت المنكوب الوزير! قام الوزير على جلبة الجند وقرقعة السلاح يا جماعة ما الخبر؟ هل يمكن أن أخدمكم بشيء؟ كل شيء خطر في باله سوى أن يكون السجن مأواه. لقد قدم إلى محكمة خاصة بتهمة الاختلاس ثم سيق إلى سجن منفرد في جبال البيرنيه يقضي فيه بقية حياته، أما قصره فقد استفاد الملك من هندسته فأنشأ حدائق الفرساي على نمطه. الحسد قاتل أليس كذلك. لقد حذرنا الرب فقال «ومن شر حاسد إذا حسد».