وسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي من النعم التي أنعم الله بها علينا في هذا الزمن، والتي توجب علينا شكر المنعم سبحانه وتعالى، وذلك باستخدامها الاستخدام الأمثل والاستفادة منها في الدعوة إلى الله تعالى ونشر دينه، وصلة الرحم، وتوثيق العلاقات الاجتماعية بين الناس. إلا أنه وللأسف الشديد هناك من يسخر هذه التقنية في خدمة هواه وما تمليه عليه نفسه الأمارة بالسوء، فيقوم بالكذب ونشر الإشاعات والأباطيل والإرجاف بين الناس، والسب والقذف والتشهير؛ مستغلاً مواقع التواصل الإلكتروني التي تتيح له التسجيل باسم متخفٍ ومتسترٍ تحته، فإذا ما جمع بين ذلك وبين انتحال اسم شخصٍ آخر، ونسب له ما لم يقله، أو نشر باطلاً، أو أذاع كذباً ونسبه لآخر؛ فهذا من التزوير والبهتان، ومن أعظم الجرائم التي يحاسب عليها الله تعالى، بل هي كبيرة من كبائر الذنوب، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ. قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ). إن من أعظم البهتان أن يُنسب لشخص كلاماً لم يقله، أو توجُّهٌ لم يتبناه، ويلبَّس على الناس أن هذا الكلام صدر منه، ثم يقوم هذا المجرم بنشر ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي، ليطلع على ذلك البهتان الجم الغفير، وهذا كذبٌ وزورٌ أراد منه هذا المجرم الإساءة لأخيه المسلم والحط من قدره في أعين الناس. وقد تنبه لذلك ولاة الأمر حفظهم الله تعالى، فقاموا بوضع التدابير الرادعة لمثل ذلك، فجرموا انتحال الشخصية، واعتبروه من الجرائم المعاقب عليها نظاماً، بموجب (نظام عقوبات انتحال صفة رجل السلطة العامة)، الذي يقتضي بمعاقبة المنتحل بموجب المادة الثانية، التي قد تصل إلى السجن لمدة لا تتجاوز عشر سنوات، أو بغرامة لا تزيد على مائة و خمسين ألف ريال أو بهما معاً، إضافة إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الاستخدام الذي يضر بالآخرين ويسيء إليهم، يعرض هذا المسيء للعقوبة المقررة في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، والتي قد تصل إلى الحبس لخمس سنوات، ودفع غرامة مالية تبلغ خمسة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. إن مثل هذه الأفعال الخبيثة لا تصدر إلا من منافق معلوم النفاق، امتلأ قلبه حقداً وحسداً، وأشعل نار الغيرة في عقله وفكره، فطار في كل ناحية يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا، نسأل الله تعالى السلامة والعافية. إن من كان هذا حاله، حريٌ أن يلجم بلجام الشرع، وأن يوثَّق بوثَاق السلطان، وأن يؤخذ على يده، فهو بذرة فاسدة في المجتمع، يجب استئصالها حتى لا تفسد من حولها. فأوصي إخواني المسلمين بتقوى الله تعالى في السر والعلن، وأن يبتعدوا عن هذه الجرائم، فالله تعالى يقول: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، وكل أعمال الإنسان يحصيها الله، ثم يحاسبه عليها يوم القيامة، والمسلم يصون عرضه ويحفظ عرض أخيه ويذب عنه ولا يسيء إليه. أسأل الله تعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يقينا جميعاً من مضلات الفتن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.