مجلس التعاون الخليجي، الذي احتفل في الشهر الماضي بمرور واحد وثلاثين عاماً على انطلاقته المظفرة كانت تكريس تجربة ناجحة في العمل العربي المشترك, والارتقاء بالتعاون البيني، إلى حدود متقدمة، قل نظيرها، في منطقة أدمنت التوتر والحروب. ولم تترك التجربة مجالاً من مجالات السياسة والاقتصاد والمجتمع في الدول الشقيقة الست إلا وكان لها انعكاساتها الواضحة عليه. فهي واحدة من ضمانات أمن وأمان واستقرار شعوبنا الطامحة دوماً إلى غد أفضل يتيح لها المساهمة في الفعل الإنساني. وفي أحد جوانبها عامل تعزيز لمناخات الارتقاء بالتنمية والأوضاع الاقتصادية إلى الحد الذي يوفر الرفاهية التي يطمح لها المواطن الخليجي. تحققت الإنجازات وبالغزارة والكثافة التي نقطف ثمارها لأن المجلس اختار العمل التراكمي والتدريجي في البناء والابتعاد عن أشكال الوحدة المشوّهة التي أثبتت فشلها وجلبت الدمار والويلات للمنطقة. تحول المجلس رغم الصعوبات والتحديات التي واجهها منذ تأسيسه إلى مؤسسة لبلورة الرؤى والتوجهات بالشكل الذي يوفر قراءة واعية وعقلانية للتحولات الكونية. وعلى ضوء القراءات الواعية استطاع قادة الدول الأعضاء الإفلات بدولهم وشعوبهم من منزلقات إقليمية ودولية كانت ولم تزل تهدد الأوطان والإنسان في واحدة من أكثر بقاع العالم حساسية. الاحتفال بمرور واحد وثلاثين عاماً ودخول العام الثاني والثلاثين من عمر المجلس المديد بحفظ الله ورعايته يأتي في الوقت الذي تصلب عوده إلى الحد الذي حوله إلى ثقافة ومنهج حياة لأجيال تربت في رحابه على فكرة الوحدة الخليجية. أجواء العلاقة الصحية والمتينة بين دول المجلس وشعوبه الشقيقة الممتدة بعشائرها الكريمة إلى وراء حدود كل دولة من دوله تترافق مع ظروف إقليمية ودولية قد تكون الأكثر حرجاً منذ تأسيسه. تتيح هذه الظروف لدول المجلس المضي خطوات أوسع لقطف ثمار وحدة تتلاءم من حيث نضوجها مع ما تم قطعه من خطوات وتوفر قدراً أكبر من المناعة والحصانة للحد من آثار تحولات الإقليم والعالم على شعوبنا واستقرارها. فكرة الانتقال من التعاون إلى الوحدة لم تأت من فراغ، فهي مبنية على أساس متين من العمل والإنجازات، وتوفر مخرجاً من عواصف الإقليم والعالم العاتية، الأمر الذي يفترض أن يتم وضعه في عين الاعتبار, ونحن نناقش هذه المسألة الحيوية، وكما قال تعالى في كتابه العزيز {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} صدق الله العظيم.