تميزت الفنانة التشكيلية أماني البرديسي بأعمالها التي تنطلق من المدارس التشكيلية الواقعية والتأثيرية والتجريدية، مشكّلة روائع فنية تجبر على التأمل فيها لقراءة مضامينها. ولم تكن أعمال البرديسي مجرد تكتلات لونية تشاهد بالعين المجردة، بل استطاعت تجريد جماليات التراث والحضارة والقضايا والمعاناة الإنسانية في ارتباط مع أحاسيس تنبثق من وجدانها، وتحكي قصصاً وذكريات سارّة وأخرى مكدرة. وتنفرد أماني بالتعامل مع درجات اللون وتوزيع مساحاته، التي تتصدر عدداً من أعمالها، ما يدل على سمة الإبداع التي تقطن قريحتها، وكأنها تستعرض مضامين عدة تشترك في حوار لا ينتهي. وإذا توقفنا أمام لوحة «حارة المظلوم»، التي تطغى عليها الألوان الأزرق والرمادي والبني الفاتح، الذي يرمز إلى ضوء الشمس والصيف، نشاهد النصف الآخر من اللوحة، حيث يرمز اللونان الأزرق الفاتح والرمادي لحال الوقت التي تتحكم في درجة الضوء المنبعث من الشمس أو المصباح القديم. وقدمت مجموعة من اللوحات التجريدية، التي تميزت بثورة لونية تعبر عن الانطلاق كالبرتقالي والبنفسجي والأبيض، وهذه الألوان ترمز كلها إلى الحركة والحرية والدفء، وكأن التفاصيل اللونية في اللوحة تتحدث عن أحاسيس ومشاعر وذكريات مترابطة ومتداخلة، نجحت في تقديم قوالب عاطفية من الشعر المرئي، كما أن المواضيع الموجودة في لوحات أماني تقارب الحقيقة، عبر محاكاة صارخة للعالم الواقعي. وتمتاز أماني بحس رفيع ينعكس على أعمالها بسمة الجمال نابع من الفكر والرؤية ذات الخصوصية، لاسيما أنها ذات شخصية مختلفة ومتفردة في أسلوب مميز لمحاكاة المتلقي، وتدفعه إلى المتعة في تأمل جماليات الواقع، وتحرض مشاعر البشرية والجانب الإنساني من خلال التعبير والتصور الذي تحدثه من عالمها الإبداعي وذائقتها اللونية، التي تنبثق من ذاتها ووجدانياتها الحالمة لتحريك كوامن النفس والعقل. وتحمل لوحة «جدة التاريخية» توافقاً وقراءة حقيقية لعبق وأصالة الماضي، إلا أن التوافق الحسي بين اللوحة والمكان أشبه بالتوأمة التي تربط المضامين الحسية والفكرية، ما يوجد علاقة بين الفلسفة الفكرية والحس الإنساني. وتمتلك أماني مخزوناً ثقافياً، وهي شديدة الغوص في عمق التاريخ والحضارة، كما أنها تضفي عليها لمساتها الفنية والجمالية.