قُتل النائب العام المصري هشام بركات بانفجار ضخم استهدف موكبه قرب الكلية الحربية في حي مصر الجديدة (شرق القاهرة)، استخدمت فيه سيارة مُفخخة، وتبنته حركة مُسلحة مرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين». ولم تُعلن السلطات على الفور حصيلة الهجوم، واكتفت بتصريح لوزارة الصحة عن «استشهاد النائب العام»، بعد إعلانات متتالية عن جرح 8 أشخاص في الانفجار، بينهم قائد قوة حراسة النائب العام و5 من أفرادها. وأكد رئيس نادي القضاة عبدالله فتحي ل «الحياة» نبأ مقتل النائب العام بعد محاولات لإنقاذه من جروح بالغة ألمت به، وجراحة خضع لها في مستشفى النزهة الدولي في مصر الجديدة. وأوضحت مصادر طبية ل «الحياة» أن النائب العام أصيب بنزيف داخلي وجروح في أماكن متفرقة من الجسد طاولت الرئة. وفشلت قبل أسابيع محاولة لاستهداف النائب العام أمام مكتبه في دار القضاء العالي في وسط القاهرة، باستخدام عبوة ناسفة بدائية الصنع انفجرت أمام الدار. وبركات الذي تولى منصبه بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في تموز (يوليو) 2013، هو أكبر مسؤول في الدولة يُقتل منذ أطلق عزل مرسي موجة اغتيالات استهدفت ضباط الجيش والشرطة وحاولت قتل وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، وطاولت أخيراً القضاة. وقُتل بركات بعد تهديدات أطلقتها حركات مؤيدة لجماعة «الإخوان» تتبنى العنف في مواجهة الدولة، توعدت فيها مسؤولين وضباطاً كباراً بالقتل في الذكرى الثانية لتظاهرات 30 (حزيران) يونيو التي سبقت عزل مرسي. وتبنت حركة مُسلحة تُطلق على نفسها اسم «حركة المقاومة الشعبية في الجيزة» الهجوم. وبثت عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» أول صور للانفجار. وتتماهى تلك الحركة مع الجماعات المسلحة التي تتبنى العنف والعمل المسلح في مواجهة الدولة، وتؤيد جماعة «الإخوان المسلمين» ومرسي، لكنها كحركات أخرى تسعى إلى إكساب نفسها صفة «الثورية» عبر تسميات لا تأخذ صبغة دينية. وهي كانت تركز عادة على إحراق مصالح اقتصادية وشركات وبنوك وقطع طرق وتفجير عبوات بدائية، ما يعني أن هذه العملية إذا صحت نسبتها إليها تعد تحولاً نوعياً لافتاً. لكن طريقة تنفيذ الهجوم وشدته توحي بأن تنظيماً إرهابياً خطط له منذ فترة، على غرار محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق قرب منزله شرق القاهرة، والتي تبناها تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي بايع «داعش». وبحسب مصادر أمنية، فإن سيارة مُفخخة كانت متوقفة عند تقاطع شارعي مصطفى مختار وعمار بن ياسر في حي مصر الجديدة انفجرت لحظة مرور موكب النائب العام في العاشرة من صباح أمس، متوجهاً إلى مكتبه في وسط القاهرة، وخلفت دماراً هائلاً في الموقع الذي شوهدت فيه سيارات محترقة وآثار دماء. وظهر أن منفذي الهجوم رصدوا تحركات النائب العام بدقة، ووضعت السيارة المُفخخة على بعد بنايتين فقط من مقر إقامته، وما إن استدار الموكب حتى انفجرت السيارة من بعد، بحسب المعاينة الأولية ومصادر أمنية. وتوجهت الموجة الانفجارية بقوة إلى سيارة النائب العام التي شبت فيها ألسنة اللهب. وقال شهود إن حراسة النائب العام أخلته من السيارة عبر نافذتها، ونُقل على الفور إلى المستشفى. وبثت قنوات فضائية وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة للحظات التي أعقبت الانفجار تُظهر مدى شدته، إذ ظهرت ألسنة اللهب وقد نشبت في سيارات عدة، وعلت سماء منطقة الهجوم سحابات كثيفة من الدخان. وتحولت السيارة المُفخخة إلى ركام، بعدما تطايرت أجزاؤها في مختلف الاتجاهات، ولم تتبق منها إلا كومة من الحديد المُهشم. وتفحمت سيارة النائب العام تماماً جراء الهجوم، واحترقت أيضاً سيارة مرافقة له، فيما تضررت سيارة مقدمة الركب في شدة. وقال سكان في محيط الانفجار إن موكب النائب العام يتحرك عادة في مواعيد ثابتة، وأن الشارع الذي يقطنه لا يشهد إجراءات أمنية استثنائية. واعتبر خبراء في تعليقات على الهجوم أن تقصيراً أمنياً اعترى مسألة تأمين النائب العام، ما مكّن الجناة من الوصول بسيارة تحمل كميات ضخمة من المتفجرات قرب سكنه، ورصد الموكب وتفجير السيارة لحظة اقترابه منها. وانفجرت السيارة المُفخخة على بعد 500 متر من منزل النائب العام، و40 متراً من موكبه في شارع جانبي، يبلغ عرضه 12 متراً. وتهشمت واجهات 9 بنايات في موقع الهجوم، وتحطمت أكثر من 30 سيارة تفحمت 4 منها. وظهر من حجم الدمار في موقع الانفجار والبنايات في محيطه، أن كمية هائلة من المتفجرات استخدمت فيه، إذ خلف حفرة قطرها بضعة مترات، لكنها ليست عميقة، كما تحطمت أجزاء من البناية الملاصقة للسيارة المُفخخة، وتحطم زجاج الشقق السكنية على ارتفاعات كبيرة. ومن شأن هذا الهجوم أن يُعمق المواجهة بين الدولة وجماعة «الإخوان المسلمين»، بعدما ظهر أن الطرفين ماضيان في الصراع إلى نهايته. وقضت محكمة مصرية الشهر الجاري بإعدام مرسي ومرشد «الإخوان» محمد بديع ونوابه وقادة الجماعة لإدانتهم ب «التخابر» و «اقتحام السجون» إبان الثورة. وكانت النيابة العامة تستعد للطعن على أحكام الإعدام بعد إعلان المحكمة أسبابها، في ظل إعلان جماعة «الإخوان» أنها لن تطعن على تلك الأحكام، ليبقى طعن النيابة وجوبياً. ويُتوقع أن تتخذ الدولة إجراءات ضد الجماعة في أعقاب اغتيال النائب العام، لكن لا يمكن توقع اتجاه ردود الأفعال. وكانت جماعة «ولاية سيناء»، التابعة لتنظيم «داعش»، دعت أنصارها الشهر الماضي إلى استهداف القضاة بعد إعدام ستة من أعضائها دينوا ب «الإرهاب». ونفذت السلطات حكم الإعدام في 6 أشخاص، في أعقاب قتل مسلحين 3 قضاة في مدينة العريش في شمال سيناء الشهر الماضي، بعد ساعات من إحالة محكمة أوراق مرسي وقادة «الإخوان» على المفتي لاستطلاع رأيه في إعدامهم. وتبنت «ولاية سيناء» أول من أمس المسؤولية عن قتل القضاة الثلاثة، ونشر حسابها على موقع «تويتر» قبل ساعات من قتل النائب العام، شريطاً مصوراً يُظهر مسلحين، وهم يُمطرون سيارة القضاة بالرصاص. وحاول مجهولون تفجير منزل قاض في مدينة حلوان بعدما عاقب قادة الجماعة بأحكام مشددة. ورسخ اغتيال النائب العام موقع القضاة كطرف في الصراع بين الدولة وجماعة «الإخوان». وكان النائب العام الراحل أحال قبل أيام قيادات المكتب الإداري لجماعة «الإخوان» في شرق القاهرة الذي شهد اغتياله على محكمة عسكرية بتهمتي «العنف والإرهاب».