تشهدُ العاصمة الرياض خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا في أسعار الأراضي؛ مما يثير تساؤلات عديدة حول أسباب هذا التضخم وتأثيراته المباشرة على سوق العقارات وقدرة المواطنين على التملك. فعند النظر إلى هذا الارتفاع المطرد؛ نجد أنَّ أسبابه متعددة ومتداخلة، وتعود إلى عدة جوانب اقتصادية وتنظيمية واجتماعية، وقد يكون من المفيد قراءة هذه الأسباب التي يأتي في مقدمتها زيادة الطلب في ظل محدودية العرض؛ حيث ساهم النمو السكاني الكبير والتوسع الاقتصادي المستمر في الرياض في رفع الطلب على الأراضي السكنية والتجارية، وخاصة في المناطق التي تشهد نشاطًا عمرانيًا أو قربًا من المشاريع الكبرى؛ هذا الارتفاع في الطلب لم يواكبه توسعًا كافيًا في المعروض؛ مما أدى إلى تصاعد الأسعار كما نشهد تركّزا في الطلب على مناطق محددة، مثل: شمال العاصمة، إقبالاً كبيرًا من قبل السكان والمستثمرين بسبب جودة البنية التحتية وتوفر الخدمات، هذا التركز الجغرافي ساهم في خلق فجوة بين العرض والطلب وعزز من عملية الاحتفاظ بالأراضي نتيجة معرفة توجه الأسواق، حيث يقوم ملاك الأراضي في هذه الأحياء بالاحتفاظ بمساحات واسعة وتركها دون تطوير رغبة في ارتفاع الأسعار أو من أجل مشاريع استثمارية مستقبلية؛ مما ساهم في دفع بأسعار الأراضي إلى مستويات غير مسبوقة. كما إنَّ بعض القرارات التنظيمية كانت مؤثرة على السوق، مثل: قرار الحكومة بمنع بيع مساحات كبيرة من الأراضي في شمال الرياض؛ هذا القرار يهدف إلى تنظيم التوسع العمراني وضمان تطوير متوازن للبنية التحتية، لكنه في المقابل، أدى إلى تقييد المعروض في واحدة من أكثر المناطق جذبًا في العاصمة وهو ما ساهم في رفع الأسعار بسبب ندرة الخيارات المتاحة. وعلى الرغم من إقرار رسوم على الأراضي البيضاء غير المطورة داخل النطاق العمراني، إلا أنَّ التطبيق من وجهة نظري لم يكن بالفعالية الكافية لتحفيز التطوير أو تحرير الأراضي المحتجزة؛ وهذا أضعف من أثر السياسات التنظيمية التي تهدف إلى تقليل الاحتكار وتحفيز المعروض. كما لا يمكن أن نغفل الأسباب المتعلقة بتوجه المستثمرين نحو العقار كملاذ آمن يساهم في الحفاظ على رأس المال وتحقيق مكاسب مضمونة حيث تزيد المنافسة على شراء الأراضي مدفوعة بشهية المستثمرين المرتبطة بالمشاريع العملاقة أو المشاريع التنموية التي تعد أماكن جاذبة لهم من حيث البنية التحتية والخدمات. وكلما كان التوجه قوياً أكيد أثر على الأسعار وهو مرتبط كذلك بمحدودية التوسع الفعلي خارج النطاق العمراني النشط رغم وجود مساحات شاسعة خارج التوسع العمراني الذي ما يزال محصورًا في اتجاهات معينة نتيجة لقيود البنية التحتية أو السياسات التخطيطية؛ مما يحد من تنوع العرض ويزيد الضغط على مناطق معينة دون غيرها. وبالرجوع للتجارب العالمية من أجل أخذ تصور أوسع لحلول واقعية وفعالة قد تكون هذه الحلول تتمثل في تعزيز فرض ضرائب ورسوم فعّالة على الأراضي غير المطورة بطريقة تصاعدية للتشجيع على التطوير بالإضافة إلى تفعيل وتوسيع نطاق تطبيق رسوم الأراضي البيضاء، ورفع قيمتها تدريجيًا كلما طالت فترة احتفاظ المالك بالأرض دون تطوير وتحفيز التوسع العمراني العمودي بدلاً من الأفقي سيقلل الطلب ويحد من ارتفاع الأسعار ويحتاج ذلك العمل على تعديل أنظمة البناء في بعض المناطق لتسمح بارتفاعات أكبر وتسهيل إجراءات الترخيص، خاصة في المناطق القريبة من النقل العام. لاشك أنَّ تصحيح مسألة ارتفاع أسعار الأراضي في الرياض يتطلب توازنًا دقيقًا بين النمو والتنظيم، وفعالية في تطبيق الأنظمة، وتشجيع التطوير العقاري بدلًا من الاحتكار، مع تعزيز البدائل السكنية في مناطق جديدة. التخطيط العمراني الذكي والشفاف سيكون العامل الحاسم في بناء مدينة تتسع للجميع، وتواكب تطلعات رؤية 2030 في جودة الحياة وتمكين التملك وقد استبشرنا جميعاً بالتوجيه الكريم من سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بإقرار حزمة من الإجراءات التنظيمية لإعادة ضبط مسار السوق العقاري بالرياض وتحقيق التوازن فيه.