لا أقلل من القدرات الشخصية والجهود المبذولة لأي من تجار وطننا الغالي إجمالاً، فتجارتهم مستحقة سواء كانت أساس نشأتها حقوق مكتسبة جراء الميراث، أو نتيجة جهود ذاتية نظير العناء والفكر والابتكار لتطوير أنشطتهم التجارية؛ لكن هذا المقال يتعاطى مع ما أراه في جانب بأن الوطن هو حقيقة من يصنع التاجر الناجح، باعتبار أن الوطن راع لنجاحات ومشاريع أي تاجر ومركزاً يحتضن أنشطته وأعماله التجارية، وداعماً لخططه الاستثمارية وميسراً لحصوله على التسهيلات التمويلية واللوجستية، وبنفس القدر كذلك يعتبر المواطن حجر الزاوية لنجاح أي تاجر وزيادة مبيعاته وتحقيقه للأرباح، وسبباً لبقائه في دائرة المنافسة وباعثاً لتمدد نشاطه وتوسع مشاريعه التجارية. وعلى هذا الأساس نقول بأن هناك نماذج وطنية عديدة وناجحة من تجارنا الذين نفتخر فيهم دائما نتيجة استشعارهم لمسؤوليتهم الوطنية وإبرازهم لمظاهر التقدير والعرفان لمجتمعهم في صور مختلفة وسبل متنوعة؛ فمن هؤلاء التجار مثلا من يعطي أولوية التعيين في الفرص الوظيفية في مؤسساتهم وشركاتهم لأبناء وبنات الوطن دون انتقاص أو مساومة، أو التفاف على متطلبات الجهات الرقابية ببنود خفية من أجل نهب الدعم الحكومي المخصص للسعودة، أو بطرق ملتوية للاستعانة بالأجنبي؛ وهناك أيضاً منهم من يقتنع بالمكسب القليل الذي يغطي مصاريف التكاليف والتشغيل ويحقق هامشا ربحيا معقولا، ويتجنب أياً من وسائل الاستغلال أو الغش؛ وكذلك هناك منهم من يحتفي بأي عمل خيري لمجتمعه ويفرح بالمساهمة في المشاريع التنموية والمبادرات الاجتماعية التي يعود نفعها على الوطن والمواطن، وهنا تتجلى الأصالة والوطنية في أبهى صورها كوسام مستحق لهؤلاء التجار نتيجة العرفان برد الجميل للوطن والمواطن. وفي المقابل هناك نوع من التجار الجشعين الذين لم يقدموا للوطن أو المواطن سوى تضخيم أرصدتهم نتيجة المبالغة في زيادة الأسعار وتمرير البضائع الرديئة والعروض والوهمية، وافتعال الاختناقات وانتهاز الأزمات واستغلال المناسبات للتلاعب بمقومات حرية الأسواق للتحكم بالأسعار؛ وليس لهم مساهمات مجتمعية تذكر وتستر عيوب تقصيرهم مع أن الوطن والمواطن هو سبب نجاح تجارتهم ودخولهم لنادي الأثرياء، بل إن المواطن حتى لم يسلم من مزاحمتهم ومحاولة التأثير على ما تقره الدولة -رعاها الله- من تنظيمات في مجملها تهدف إلى انفتاح الأسواق المحلية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية لتنويع الخيارات أمام المستهلك وتعزيز مقومات المنافسة المشروعة، ونستشهد في ذلك بما ذكره وكيل وزارة النقل والخدمات اللوجستية للخدمات اللوجستية في لقاء سابق معه على أحد المنصات الرقمية، من قيام أحد ملاك الصيدليات المعروفة محليا بدافع الخوف من المنافسة والطمع بالمحافظة على تركز نشاط تجارته بمحاولة التأثير على رغبة دخول شركة أميركية مشهورة ومتخصصة في بيع المنتجات الصحية والطبيعية للسوق المحلي، لاتخاذه مركزاً لتوزيع منتجاتها في منطقة (مينا)؛ وأيضاً هناك من التجار من سعى إلى التضييق على خيارات وحقوق المستهلك، عندما تم تقييد استيراد السيارات المستعملة أو الجديدة من خارج المملكة سابقا في جانب، أو بامتناع الوكلاء المحليين من عدم توفير الضمان وقطع الغيار والصيانة لتلك المركبات المستوردة؛ بل إن هناك من التجار من ذهب للتباهي علنا بالالتفاف على الأنظمة وعدم احترامها، وهو ما ذكره مالك الصيدليات السابق ذكره في أحد البرامج التلفزيونية من قيامه بفتح صيدليات بأسماء سعوديين تحت غطاء التستر مقابل مبلغ مقطوع كي يدخل سوق قطاع الصيدليات، والذي -أي ذلك التاجر- ما أن اشتد عوده، انتهجت صيدلياته المبالغة في أسعار ما تبيعه من منتجات مقارنة بأسعار أرخص بمراحل على المواقع الإلكترونية.