تحولت قاعة قصر الإمارات في أبو ظبي إلى ساحة للرقص والغناء والفرح، على أنغام البوسا نوفا البرازيلية الساحرة خلال الأمسية التي قدمها الفنان البرازيلي سيرجيو منديز، ضمن مهرجان أبو ظبي. كرنفال برازيلي امتد لأكثر من ساعتين، لم يهدأ فيه عازف البيانو والملحن عن نثر موسيقاه الحماسية التي تمزج أنواعاً مختلفة كالجاز والبوب مع إيقاعات السامبا. حيّا الجمهور بكلمات عربية، معبراً عن سعادته بالوجود في العاصمة الإمارتية للمرة الأولى، والتواصل مع جمهور جديد. المهرجان الذي انطلقت دورته الثانية عشرة أول الشهر الجاري تحت شعار «الفكرة: نواة الإبداع»، يقدّم طيفاً واسعاً من المعارض والأمسيات والعروض الأدائية. وبالتوازي مع البرنامج الرئيسي للمهرجان الذي يحييه فنانون كثر، حاول القائمون عليه نقل التجربة الإبداعية إلى المدارس والجامعات ومواقع تجمع الجمهور في أنحاء الإمارات، لتكتمل المشاركة التفاعلية في المجتمع. واللافت في أمسية منديز، أن الجمهور المحلي بات ينافس الحضور الأجنبي في هذا النوع من الحفلات، نظراً إلى انفتاح هذا الجمهور على ثقافات جديدة، خصوصاً أن من أهم أهداف المهرجان التواصل والتفاعل بين أفراد المجتمع. بعد أكثر من 40 ألبوماً وحصوله على ثلاث جوائز «غرامّي»، لا يزال منديز (74 عاماً) شغوفاً بالموسيقى. من يراقبه وهو يعزفها لا يشعر بأنه في هذه السنّ. يقفز من على كرسيه فرحاً طالباً من جمهوره التفاعل والرقص إلى ما لا نهاية. وما يميز مسيرة هذا الفنان الشعبي، التواضع والانفتاح على المدارس الموسيقية المختلفة، والأهم التعاون والإفساح في المجال أمام المواهب الشابة لتشاركه حفلاته، وهو معروف بتعاونه مع فنانين آخرين لتطوير موسيقاه وابتكار أعمال جديدة. ومن الأغاني التي قدمها في الأمسية، «ماس كي نادا»، «ذا فول أوف ذا هيل»، «ذا لوك أوف لوف»، «ماغالينا»، «ذا ووتر أوف مارس» و «ذا غيرل فروم إيبينيما». يقول منديز أن معظم نجاحاته خلال مسيرته الفنية أتت مصادفة. ويوضح في أحد أحاديثه الإذاعية: «أنا أسميها مصادفات سحرية، إنه سحر لقاء الأشخاص من باب المصادفة. الأشخاص الذين ساعدوني ووفروا لي الدعم كثر، وسلسلة النجاحات في حياتي اعتمدت كثيراً على هذه اللحظات. لذا، أشعر بتواضع كبير بسبب هذا الأمر». ولد الفنان المخضرم ونشأ في البرازيل، وهو يعزو الفضل لوالديه اللذين عرفّاه إلى الموسيقى واشتريا له بيانو، وتلقى حينذاك التدريب في معهد نيتروي للموسيقى، وهناك برز كعازف ماهر أواخر الخمسينات من القرن الماضي. لدى بلوغه سن الثالثة عشرة، سمع منديز معزوفة «تيك فايف»، وهي موسيقى جاز من تأليف بول ديزموند. فتحول سريعاً من عزف مقطوعات شوبان وموتسارت وبيتهوفن إلى عزف مقطوعات فرق الجاز، بعدما سحرته فكرة العزف الارتجالي في شكل متناغم وفق الوزن الموسيقي. عندذاك أتقن عزف مقطوعة «تيك فايف» وانتقل بعدذاك إلى عزف موسيقى تشارلي باركر وثيولونيوس، إضافة إلى مقطوعات أخرى لرواد موسيقى الجاز. بعد نجاحاته المحلية وسطوع نجمه كفنان شاب وموهوب مع فرقته التي أسسها، شارك في حفلة إلى جانب أنطونيو كارلوس برازيليو ديالميدا جوبيم الذي يوصف بأنه جورج غيرشوين البرازيل، في قاعة نيويورك الشهيرة للحفلات الموسيقية. وهناك أدرك أن من يريد الانتشار العالمي عليه التوجه إلى أميركا. سافر منديز مع فرقته إلى الولاياتالمتحدة، لكنه لم يلق أي نجاح خلال سنتين، فعادت فرقته إلى البرازيل، ليعود ويؤسس فرقة جديدة نجح معها بعد سنتين من الرفض المتكرر، وحققت لاحقاً ألبوماته أفضل المبيعات، واحتلت أغانيه المراتب الأولى. واللافت في أسلوب منديز، إضافة موسيقى السول والفانك إلى موسيقى الجاز والبوب التي يعزفها، ولكن دائماً وفق الإيقاعات والأنغام البرازيلية. كما تتميز موسيقاه بمزيج من البوسانوفا - السامبا التي تعزف بواسطة آلات البوب. في عام 2011، أصدر منديز ألبومه ال39 الذي حمل عنوان «رحلة موسيقية»، والذي يلخص مسيرة 50 سنة من موسيقاه، وضم مقطوعات كلاسيكية. ومن النشاطات اللافتة أيضاً ضمن البرنامج التعليمي والمجتمعي لمهرجان أبوظبي، إحياء اليوم العالمي للقصص عبر سلسلة من الزيارات لعدد من المدارس والمراكز المجتمعية ودور الأيتام، بمشاركة واسعة من تلاميذ المدارس وأولياء الأمور. وحظي الأطفال الذين شاركوا في الفاعلية بخوض تجربة تضمنت الكتابة الإبداعية، والسرد القصصي للحكايات والتراث الشفهي باللغتين العربية والإنكليزية، بتقديم كل من نوره النعمان، ديالا أرسلان وريم غزال. ويعتبر اليوم العالمي للقصص من المناسبات التي تحظى بشعبية كبيرة على مستوى العالم، ويجرى إحياؤه من خلال سرد الروايات والحكايات بمختلف اللغات وإقامة مناسبات خاصة به بمشاركة جمهور الكبار والصغار.