تدمع عينا الألمانية كريستينا تومي شوقاً وانفعالاً وهي تؤدي جزءاً من قصيدة «من سونيتات إلى أورفيوس» للشاعر النمسوي البوهيمي راينر ماريا ريلكه. ويصدح صوتها متدرجاً من موسيقى البوب وصولاً إلى موسيقى الجاز في مزيج مدهش، محاوراً بطبقاته الغنية المتصاعدة عزف كارستن درّ على البيانو وأنغام كارلوس بيكا على الكونترباص، ما يولّد أغاني مليئة بالشفافية والتفاصيل الشعرية الأثيرية. تُعتبر فرقة «تريو تومي» (Tuomi Trio) من أهم فرق الجاز الأوروبية التي أحدث نقلة نوعية في هذا الفن. وتقدّم مزيجاً فريداً من كلمات الأغاني المميزة ومؤلفات موسيقى الحجرة، الأمر الذي جعلها تطوف العالم لتقديم موسيقاها الشعرية الفريدة، عبر إيقاعات حذرة وسريعة. وتلعب أشعار راينر ماريا ريلكه المبكرة المعروفة بأجوائها السوداوية المفرطة في اليأس والرعب دوراً محورياً، فضلاً عن أن خربشات قصيدة «الغراب» وقصائد أخرى لإدغار آلن بو، تصارع بين اليأس والأمل، وتلعب دوراً مهماً في تأليفات الفرقة وتوليفاتها وابتكاراتها. تقول الفوكاليست المولودة لأم فنلندية وأب ألماني عن بدايات الفرقة: «نشأنا من جذور أوروبية مختلفة ومن ثم تعانقت رؤانا الموسيقية، وجمعنا ولعنا بالشعر. وغالباً ما تبدأ موسيقانا بالبوب ثم تتدرج حتى تصل إلى الجاز وفقاً للنوتات الموسيقية التي نؤلّفها». والتقت تومي مع عازف البيانو الإرلندي كارستن درّ أثناء دراستهما الجاز في برلين، في جلسة استماع لإحدى سوناتات شكسبير الشهيرة، ومن ثم التقيا المزارع البرتغالي عازف الكونترباص كارلوس بيكا، وجذب الثلاثة سحر الجاز فقدموا ألحانهم المبتكرة مع كثير من الإرهاصات التي تعكس مزاجهم الفني التواق إلى إيصال الشعر الموسيقي لمؤلفات شكسبير وإدغار الن بو، ما نقل الفريق بعيداً من تيار الموسيقى التقليدية. واكتسبت فرقة «تومي» مكانة خاصة وحققت شعبية كبيرة في أوروبا من خلال تلحينها للأشعار وتأليفها موسيقى البوب بطابع جازيّ، وأيضاً ما يسميه البرتغاليون والبرازيليون أداءً شعورياً «ساوداده». تقول كريستينا التي تعيش حالة عشق للموسيقى والأدب الإنكليزي: «كثيراً ما أفكر لماذا أعتبر الكلمة البرتغالية ساوداده واحدة من الكلمات المحببة إلى قلبي. الترجمة الأفضل لها هي الشوق. ولكن ساوداده هي عبارة عن الشعور بالشوق إلى شيء ما لا تستطيع تبيانه وتذكره... هذا هو فعل الموسيقى التي نقدمها». وتضيف: «خذ القليل من الفولك مع بعض الجاز وضعهما في إناء من الشعر، واخلطهما بثلاثة موسيقيين يعشقون الابتكار، ستجد فريق تريو تومي». وتصف موسيقاها بأنها «مفعمة بالإيقاع والفرح والمأساة والحب والكراهية والخشوع... تسعى موسيقانا إلى تمجيد أنماط وتعابير موسيقية كلاسيكية سليمة، ثم نخلط أصوات الحاضر بقشرة أزمنة وأمكنة أخرى». وتؤكد أن الفريق ليس لديه أي توجه سياسي أو رسالة سياسية فكل ما يسعى إليه هو «تحويل جمادات العالم الخارجي بقسوتها وصراعاتها إلى رموز موسيقية حية نابضة بالأحاسيس المرهفة». وقدمت الفرقة أخيراً حفلة في الإسكندرية بمركز الجيزويت الثقافي، لاقت صدى طيباً لدى الجمهور. وعن علاقة الفرقة بالشرق الأوسط تقول كريستينا إنها زيارتها الأولى لمصر، لكن در وبيكا أقاما العديد من الحفلات في مصر، ولهما علاقات وطيدة مع موسيقيين مصريين، «إلا أنني ذهبت إلى البحرين ودول عدة في أفريقيا». وعن المطربين العرب تقول: «أعشق حكيم وتعجبني كثيراً أغنية «افرض مثلاً»، كذلك أعجبني صوت دينا الوديدي وأداؤها في مهرجان القاهرة للجاز هذه السنة، ولم أكن أتوقع أن أجد الشباب العربي ذوّاقاً للجاز كما الأوروبي». قدّم الفريق أولى ألبوماته «Tightrope Walker»، ومن ثم اتبعه بألبوم «The Expense of Spirit» الذي أبهر المستمعين الأوروبيين بمزيج فريد من الفولك الاسكندينافي والبوب ذي الطابع الجازيّ المستلهم من الفن الشكسبيري الملهم وساوداده البحر المتوسط. قدّم فريق «تريو تومي» حفلات في غالبية العواصم الأوروبية، وعدد من المدن الآسيوية، ونال جوائز عدّة، أهمها جائزة مهرجان الفيلم الألماني، وتصدرت ألبوماته استفتاءات جمهور الراديو الأوروبي.