بين ما تبقى من آثار في الوسط التجاري لمدينة بيروت، وبناء هندسي حديث ولافت، احتضن «مسرح في الهواء الطلق» مهرجان الجاز2010 الثالث الذي استضاف الموسيقي شربل روحانا وفرقته والمغنية باتي أوستن والمغنية راندي كروفورد وعازف البيانو جو سامبل. وعلاقة لبنان بموسيقى الجاز قديمة تعود إلى سبعينات القرن العشرين مع رائد الجاز في لبنان الفنان زياد الرحباني، واتسع نطاقها في ما بعد، لا سيما عندما باتت وسيلة تعبير لكثير من المغنين الشباب، ومع إعادة انطلاقة المهرجانات الدولية في لبنان احتلت موسيقى الجاز مكانة مرموقة وباتت لها أمسيات ينتظرها متذوقو هذا الفن من سنة إلى اخرى. ويختتم مساء اليوم المهرجان حفلاته مع كروفرد (1952) التي كانت انطلاقتها الحقيقية مع سامبل عندما أدّت «حياة الشارع» (Street Life) و «سأطير يوماً ما» One Day I'll Fly Away. تتمتع المغنية الأميركية بصوت متعدّد الأوجه. أصدرت الكثير من الألبومات منذ سبعينات القرن العشرين وعادت إلى التعاون مع سامبل في ألبومَيْها الأخيرين Feeling Good وNo Regrets. أما جو سامبل (1939) الذي يشاركها الأمسية، فهو فنّان يقدّم خلاصة تجربته الطويلة في الجاز والسول والفانك وغيرها من الأنماط الموسيقية. أسّس سامبل الكثير من الفرق، يبقى أبرزها ثلاثي The Crusaders الذي طبع فترة سبعينات القرن العشرين وثمانيناته بمقطوعاته، خصوصاً أغانيه الجميلة والشعبية. استقل سامبل في تجربة خاصة منذ التسعينات، وأصدر ألبومات مع زملاء قدامى مثل راندي كروفرد، أو معجبين من العالم مثل عازف الترومبون السويدي نيلز لاندغرين. وكانت بيروت أمس على موعد مع المغنية الستينية باتي أوستن وهي من أبرز مغنيات الجاز وال R&B (والبوب أيضاً)، وتاريخها مملوء بنجاحات شعبية، وهي نالت جائزة «غرامي» عام 2007، وأفضل مغنية جاز عام 2010. أما الافتتاح، فكان مساء أول من أمس مع الموسيقي اللبناني شربل روحانا، في تناقض بين ما قدمه وعنوان المهرجان. قدم روحانا مقطوعات موسيقية من وحي أغاني أم كلثوم ومعزوفات فولوكلورية وبعض أعماله الموسيقية واختتم الحفلة بأغان خاصة به. بيد أن ذلك لا يُدرج ضمن خانة موسيقى الجاز. والمتابع يلاحظ الفرق بين ما قدم في الأمسية الأولى والثانية. ولو ابتعدنا قليلاً عما جرى في الحفلة، قدم الموسيقي اللبناني أغاني ك «زوروني كل سنة مرة» و «البنت الشلبية» و «عالروزانا» بأسلوب ممتع وفريد، وتوزيع موسيقي جديد، وتفاعل الجمهور معها بحماسة. وفي سياق حديثه عن المهرجان يوضح روحانا أن موسيقى الجاز واسعة في استطاعتها أن «تغمر» موسيقاه، مشيراً الى أن مهمّة الموسيقى الوصول إلى الشعوب الأخرى، والتعرف اليها مقدمة رسالة سلام. وروحانا حائز الجائزة الأولى في هيرايما، اليابان، عن مسابقة نشيد السلام ولحن عدداً كبيراً من مسرحيات عبدالحليم كركلا، وعمل مع مارسيل خليفة وألّف ألحاناً موسيقية لأهم الأفلام والمسلسلات العربية. وما ميّز المهرجان المنطقة التي احتضت المسرح، اذ تقع في الوسط التجاري لبيروت بين أبنية أثرية رممت وأخرى بنيت في شكل يتناسب مع التراث، اضافة الى التنظيم الجيد والاستقبال المميز. ومن الملاحظات التي تسجل دوماً على اللبنانيين تأخرهم وعدم التزامهم الأوقات المحددة للحفلات، الى أن باتت هذه الملاحظة عادية بالنسبة الى الكثير من المهرجانات. ويوضح منظم مهرجان الجاز في بيروت جان كاسابيان أن الحدث يقام للمرة الثالثة في بيروت بعد عامي 2004 و 2009. ويشير إلى أن المهرجان كان من المفترض أن يكون حدثاً سنوياً، إلا أن الأحداث التي عرفتها الساحة اللبنانية قلبت كل الأمور. ويعتبر كاسابيان أن المشاركين في المهرجان متنوّعون من ناحية الموسيقى، فشربل روحانا معروف بنفسه الموسيقي الشرقي بينما راندي كروفرد وجو سامبل تريو وباتي اوستين لديهم خبرة كبيرة في عالم الجاز.