سألتْ الإعلامية السعودية منى أبو سليمان الحاضرين في منتدى أرامكو السعودية للاتصال الذي كان بعنوان: «دور الاتصال في خدمة المجتمع»، ما إذا كان أحدهم أطفأ النور في مكتبه قبل أن يغادره أو أطفأ جهاز الكمبيوتر بعد أن انتهى من عمله أو فتح صنبور المياه على قدر الحاجة من دون إسراف، وأسئلة أخرى تتعلق بالتوفير في استهلاك الطاقة، للأسف الشديد معظم إجابات الحاضرين الذين طلب منهم رفع أيديهم كانت قليلة. الحديث عن توفير استهلاك الطاقة أحد أصعب التحديات التي تواجه المجتمع السعودي، وهي مرتبطة بين تهاون مؤسسات الدولة وسلوكيات المواطنين، خصوصاً أنها بدأت تشكل عبئاً كبيراً على خزينة الدولة، وتهدد مستقبل الطاقة في البلاد مع النمو المرتفع في شكل لافت، فاستهلاك الكهرباء وصل نسبة النمو في الطلب إلى 9 في المئة سنوياً، وهو معدل فاق الدول الصناعية التي تبلغ نسبة النمو لديها 3 في المئة فقط، فيما يعد استهلاك الفرد السعودي للطاقة الأعلى عالمياً، ليس هذا فحسب، بل إن المنتجات الكهربائية المستوردة الرديئة تعد أحد أهم الأسباب التي ترفع من نسبة تبديد الطاقة، لكونها أقل سعراً وأقل جودة. على مدى يومين، ركز المشاركون في منتدى الاتصال على أهمية توفير الطاقة وطرق التوعية وأهمية مواقع التواصل الاجتماعي، الزميل الإعلامي خالد المعينا رئيس تحرير «سعودي جازيت» أورد قصصاً اجتماعية عدة خلال محاضرته التي ألقاها، فهو يقول: إن السعوديين لا يعرفون كيف يوفرون في حياتهم، فهم مسرفون، يستعملون الأشياء بإفراط شديد، بخاصة إذا كانت مدعومة من الدولة، وإذا انتقدته أو طلبت منه الترشيد وقف أمامك «ملاصقاً أنفه بأنفك»، ويقول لك: «إشل أهلك صلاح»، يقول خالد المعينا: إن تصميم صنابير المياه في المنازل والمساجد غير اقتصادية، والبعض منهم يستخدم في الوضوء كميات أكثر من الحاجة المطلوبة، وإذا قلت له خفض الاستخدام، قال لك: «ما تبغانا نتوضأ»، والحقيقة أن السعوديين ينزعجون من أية نصيحة تتعلق بالتوفير أو الاستهلاك، وهو سلوك اجتماعي مشاع، على رغم الحملات والبرامج التوعوية، ربما يتحدثون بحماسة عن التوفير، وحينما يأتي دوره للمشاركة يقف في آخر الطابور. المجتمع السعودي يجب أن يفيق من الغيبوبة التي يعيشها وإفراطه في استخدام الأشياء المدعومة من الدولة، لأنه سيدفع ضريبة هذا الاستهلاك المفرط وغير المنظم مستقبلاً، إن لم تكن عاجلاً فستكون، بالتأكيد، آجلاً. كيتري كالاهان رئيسة شركة الاينس توسيف انيرجي تتحدث عن مجتمع متحضر، ويعرف عن أهمية التوفير، لهذا، فهي ترى أن مواقع التواصل الاجتماعي تلعب دوراً كبيراً، وإن مؤسسات المجتمع المدني تسهم في بث رسائل توجيهية، فضلاً عن أن المجتمع أصلاً لديه ثقافة التوفير، لهذا، لا تجد مشكلة في عمل برامج توعوية وورش عمل، الشيء الوحيد الذي لا يدركه السعوديون أنه، بحسب تقارير اقتصادية، من المتوقع أن تشهد السعودية عجزاً مالياً في 2017، نتيجة تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، خصوصاً أنها تعتمد في شكل مباشر على إيراداتها من النفط في إعداد موازنتها السنوية، وهي تمثل ما نسبته 80 إلى 90 في المئة، كما أن دول العالم تتجه الآن إلى البحث عن البديل في استخدام الطاقة والتحول إلى الطاقة المتجددة والبديلة، وهذا الأمر يتطلب من الآن تغيير سياسات الدعم وتحرير قطاع الطاقة، والأمر مخيف حينما يصل معدل الاستهلاك المحلي إلى معدل الإنتاج اليومي للنفط وهو ما يعادل 9 ملايين برميل يومياً، بينما بلغت كميات الاستهلاك المحلي نحو 8 ملايين برميل. وفي الصيف الماضي استوردت المملكة 110 آلاف برميل من البنزين، ونحو 300 ألف برميل من الديزل بحسب تقارير اقتصادية. توفير استهلاك الطاقة في السعودية وفي مختلف دول العالم هو الهاجس الأكبر للحكومات، ولا يمكن الاعتماد على برامج التوعية ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، فالسعوديون يعتقدون أن الحديث عن ترشيد الاستهلاك هو تدخل في الخصوصيات، فمتى ما نصحت أحدهم طار في وجهك، قائلاً: «فلوس أبوك»؟ لهذا ترى المياه تملأ الشوارع نتيجة سوء التمديدات، والأنوار في الكثير من المباني الحكومية «مضاءة»، ومع زيادة النمو السكاني تلقائياً تتحول معظم منازل السعوديين إلى معرض للسيارات بعدد الأبناء الموجودين، فجميعهم يذهبون إلى المكان نفسه بسيارات متعددة، ولا يمكن أن تفرض عملاً توعوياً في المجتمع ما لم تكن هناك شخصيات قدوة وأنظمة وقوانين تدعم البرامج التوعوية للترشيد. كنت أتمنى حتى ولو من باب المجاملة أن يركب بعض المسؤولين حافلات نقل الجماعي للذهاب إلى العمل أو أن تسن قوانين لأجل إفاقة المجتمع من النوم العميق، مثل: فرض رسوم للسير على الشوارع أو وضع حد لتملك السيارات للأفراد والشركات أو تحرير سعر الوقود. خلال مدة الملتقى في قاعة المؤتمرات في المقر الرئيس لشركة أرامكو في الظهران، أتاحت لي الفرصة الاستماع إلى تجارب جيدة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتوعية، قدرة الاتصالات على تغيير السلوكيات والتصرفات التي ألقتها «بيتا آشورورث»، وبناء القدوة المجتمعية لاستقطاب الجماهير «روبرت فيلبس» و«كريستوف فينيستي». يبقى السؤال إلى متى تدفع الدولة الدعم للكهرباء والماء والبنزين، وتنفق سنوياً لدعمها 135 بليون ريال؟ * إعلامي وكاتب اقتصادي. jamal [email protected] jbanoon@