حذّر المدير العام للمركز السعودي لكفاءة الطاقة الدكتور نايف بن محمد العبادي، من استمرار الاستهلاك المرتفع للنفط والغاز في المملكة العربية السعودية، إذ يبلغ ضعف المعدل العالمي، مشيراً إلى أن استهلاك المواطن من الكهرباء يبلغ ثلاثة أمثال المعدل العالمي. وحدد العبادي في حوار مع «الحياة» عدداً من المعوقات التي تحد من ترشيد الطاقة في المملكة، منها «تدني أسعار الكهرباء في المملكة الذي يعد من عوائق ترشيد الاستهلاك، إضافة إلى انتشار الأجهزة ذات الكفاءة المتدنية»، مشيراً إلى أن هناك معوقات في القطاع الصناعي «تعرقل جهود رفع كفاءة الطاقة، منها استخدام تقنيات قديمة في العديد من المصانع القائمة وتلك التي تحت التشغيل». لافتاً إلى «ندرة الخبرات والمهارات المدربة في مجال كفاءة الطاقة، وقصور في التشريعات الضرورية لمراقبة وتشجيع برامج كفاءة الطاقة في القطاع الصناعي». وأشار إلى أن من معوقات ترشيد الاستهلاك، أن «55 في المئة من المنازل في المملكة مستأجرة، وهذه المنازل تم بناؤها من دون عوازل حرارية، وتم تركيب أجهزة تكييف فيها ذات كفاءة ضعيفة، ما يرفع استهلاك الكهرباء، خصوصاً أنه يوجد في المملكة حالياً 17 مليون مكيف»، موضحاً أن 70 في المئة من المباني في البلاد غير معزولة، وهي نسبة مرتفعة جداً، وتتسبب في هدر الطاقة. وأوضح أن هناك نمواً مطرداً في الاستهلاك المحلي للنفط والغاز، وتشير التوقعات إلى تسارع نمو الاستهلاك المحلي منهما بمعدل يراوح بين 4 و5 في المئة سنوياً خلال العقدين المقبلين، ليرتفع من نحو أربعة ملايين برميل مكافئ في اليوم حالياً إلى 8 ملايين برميل مكافئ، معتبراً هذا النمو في الاستهلاك المحلي مرتفعاً مقارنة بمعدلات الاستهلاك العالمية. وهنا نص الحوار: كم يبلغ حجم استهلاك المكيفات من الكهرباء في المملكة؟ وما هي أكثر الأجهزة استهلاكاً للطاقة؟ - تشير التقديرات إلى أن أجهزة التكييف تستهلك أكثر من 70 في المئة من الطاقة الكهربائية في قطاع المباني وبخاصة خلال موسم الصيف، الأمر الذي يشكل تحدياً وأعباء تشغيلية ومالية على منظومة الكهرباء في السعودية، وبالتالي يعتبر تكييف المباني مسؤولاً عن أكثر من نصف الاستخدام الكهربائي في المملكة، كما أن أجهزة التكييف هي الأكثر استهلاكاً للطاقة الكهربائية، خصوصاً مكيفات الشباك التي تشكل التحديات التقنية عائقاً للارتقاء بمعامل كفاءة الطاقة فيها. وتشير الإحصاءات إلى أن معدل نمو مبيعات المكيفات في المملكة يبلغ 12 في المئة سنوياً، وهناك تزايد في الطلب على المكيفات السبليت والتكييف المركزي، وتناقصاً في الطلب على مكيفات الشباك، التي كانت تسيطر خلال الأعوام العشرة المقبلة على 90 في المئة من مبيعات المكيفات. وتبلغ أعداد المكيفات المستخدمة حالياً في المملكة 17 مليون مكيف، في حين لا توجد أية آلية لمراقبة كفاءة استهلاك المكيفات للطاقة، إذ يصدر إلى المملكة العديد من المكيفات ذات معامل أقل من 7.5، وهو الحد الأدنى الذي حددته الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة. ويعمل المركز مع الجهات ذات العلاقة على تفعيل آليات مراقبة السوق للتحقق من أن أجهزة التكييف المصنعة محلياً والمستوردة مطابقة للمواصفات السعودية المعتمدة. نمو استهلاك الطاقة بنسبة 5 في المئة خلال العقدين المقبلين كيف ترون نسبة استهلاك الطاقة في المملكة مقارنة ببعض دول العالم؟ - شهدت السعودية في العقد الأخير نمواً مطرداً في الاستهلاك المحلي للنفط والغاز، وتشير التوقعات إلى تسارع نمو الاستهلاك المحلي من النفط والغاز في شكل كبير وبمعدل يراوح بين 4 و5 في المئة سنوياً خلال العقدين المقبلين، ليرتفع من نحو أربعة ملايين برميل مكافئ في اليوم حالياً إلى 8 ملايين برميل مكافئ، أي ضعف حجمه الحالي، وهذا النمو في الاستهلاك المحلي للطاقة يعد مرتفعاً بكل المقاييس مقارنة بمعدلات الاستهلاك العالمية، إذ ينمو بمعدل أعلى من معدل النمو الاقتصادي في المملكة، في حين أن معدلات نمو الاستهلاك في الدول الصناعية تأتي أقل من نصف معدلات نموها الاقتصادي، ويتبيّن أيضاً أن تلك المعدلات في الدول النامية، وبخاصة في الصين، لم تتجاوز معدلات نموها الاقتصادي. ما انعكاس هذا الطلب الكبير في الاقتصاد والتنمية في المملكة؟ - استمرار هذا النمط الاستهلاكي المحلي المرتفع من النفط والغاز يؤدي إلى هدر كبير في موارد المملكة الطبيعية الناضبة، وعدم الاستفادة منها بأقصى قدر ممكن. هل هناك توجه لرفع كفاءة الطاقة عند إنشاء المباني الحكومية من مدارس ومستشفيات ودوائر حكومية أخرى؟ - من خلال البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة الذي يعمل المركز على إنجازه، تم تفعيل مبادرات ريادية تهدف إلى تطبيق معايير كفاءة الطاقة في المساكن والمباني المزمع بناؤها من الجهات المشاركة في إدارة المركز، عبر توقيع مذكرات تفاهم مع عدد من الجهات لتبني مخرجات البرنامج، ومن ذلك التوقيع مع كل من وزارة الإسكان، وصندوق التنمية العقاري، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، وشركة أرامكو السعودية، والشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، وهي مذكرات تهدف في مجملها إلى ترشيد استهلاك ورفع كفاءة الطاقة في مشاريع الإسكان التي تنفذها تلك الجهات، من خلال استخدام العزل الحراري في المباني وتطبيق المواصفات القياسية لأنظمة التكييف وغيرها. كما يعمل البرنامج على تفعيل المزيد من مبادرات الريادة التي تستهدف العديد من الجهات الحكومية مثل وزارة التربية والتعليم، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووزارة التعليم العالي وغيرها من الجهات، بحيث يتم تبني رفع كفاءة الطاقة في جميع مشاريع ومنشآت هذه الجهات، كما قام المركز بالتعاون مع وزارة المياه والكهرباء، والشركة السعودية للكهرباء، وبالاتفاق مع وزارة الشؤون البلدية والقروية بإلزام المباني الجديدة بالعزل الحراري، وهذه الجهود تصب ضمن جهود الدولة والجهات المعنية لرفع كفاءة الطاقة، وتحقيق وفرة في استهلاك الطاقة لا يمكن الاستهانة بها. كم تبلغ نسبة المباني التي تم بناؤها من دون استخدام العوازل؟ وكيف يؤثر استخدام العزل إيجابياً في استهلاك الطاقة الكهربائية في المملكة؟ - تبلغ نسبة المباني غير المعزولة في المملكة وفق أحدث الدراسات 70 في المئة، وهذه النسبة مرتفعة جداً، وهي أحد الأسباب الرئيسة في هدر الطاقة الكهربائية، والمقصود بالمباني هنا السكنية والتجارية والحكومية، وبطبيعة الحال فإن العزل الحراري له أهمية كبري في التقليل من هدر الطاقة، وتكمن فوائده في توفير نسبة عالية من الطاقة اللازمة للتدفئة والتبريد، وخفض الكلفة الرأسمالية لأجهزة ومعدات التدفئة والتكييف وتقليل كلفة صيانتها، إضافة إلى ما يوفره العزل من راحة حرارية للمستخدم للمبنى. وتبيّن الدراسات أن التكاليف الإضافية لعزل جدران وسقف وأرضية المبنى تراوح بين 3 إلى 5 في المئة من الكلفة الأساسية لإنشائه، وأن التكاليف الإضافية لاستعمال النوافذ المزدوجة لا تتجاوز واحد في المئة من الكلفة الأساسية للإنشاء، في حين أن عزل الجدران والأسقف يساعد في توفير حوالى 35 في المئة من الطاقة المستعملة للتكييف، فيما يوفر الزجاج المزدوج ما بين 5 و10 في المئة من الطاقة المستعملة للتكييف. استهلاك الفرد السعودي من الكهرباء 3 أضعاف المعدل العالمي بلغة الأرقام كم تبلغ قيمة الطاقة المهدرة في المملكة بسبب عدم ترشيد الطاقة؟ - لا يمكن تقدير ذلك بالأرقام، إذ إن ارتفاع استهلاك الطاقة مرتبط بالتنمية ونمو عدد السكان، وبالتالي تختلف كمية الهدر من فترة إلى أخرى، ولكن يمكن مقارنة استهلاك الطاقة في المملكة بمعدل الاستهلاك العالمي، فاستهلاك المملكة من النفط والغاز يبلغ ضعف المعدل العالمي، كما أن استهلاك الفرد من الكهرباء يبلغ ثلاثة أمثال المعدل العالمي. ما أبرز عوائق نجاح برامج كفاءة الطاقة في المملكة؟ - أبرز عوائق برامج كفاءة الطاقة في المملكة كانت عدم وجود إطار قائم يتولى مهمة متابعة أنظمة وإجراءات ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة في المملكة، بحيث تتابع الجهات المعنية مهماتها من خلال الأهداف المرسومة لكل جهة على حدة، وشكل إنشاء المركز السعودي لكفاءة الطاقة قبل ثلاثة أعوام هذا الإطار العام، إذ تشرف على المركز لجنة إدارية برئاسة رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وعضوية 19 جهة، تمثل كل الجهات ذات العلاقة من وزارات، وجهات حكومية، وشركات شبه حكومية، وممثلين القطاع الخاص، وتتولى الإشراف على أعمال المركز ونشاطاته، ووضع برنامج وطني لترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة، واقتراح التشريعات الخاصة بالترشيد، ومتابعة تنفيذ الأنظمة والتعليمات ذات الصلة بمهمات المركز. غير أن ذلك لا يعني انتهاء العوائق، إذ لا تزال هناك بعض العوائق التي تحد من نجاح برامج كفاءة الطاقة، أبرزها ضعف الوعي وقصور المعرفة لدى المجتمع حول الوضع الحالي لاستهلاك الطاقة في المملكة، وأهمية البدء في ترشيد الطاقة والتعرف على الطرق المثلى للترشيد ورفع كفاءة الطاقة. وفي قطاع المباني يعد تدني أسعار الكهرباء من عوائق الاهتمام بترشيد الاستهلاك، وانتشار الأجهزة ذات الكفاءة المتدنية، كما أن ما يزيد على 55 في المئة من المنازل في المملكة مستأجرة، وهذه المنازل تم بناؤها من دون عوازل حرارية، وتم تركيب أجهزة تكييف فيها ذات كفاءة متدنية، وذلك لأن فواتير الكهرباء يدفعها المستأجر وليس المالك، وهناك أمر آخر يتمثل في ضعف مواصفات الأجهزة ومعايير الرقابة عليها. وفي قطاع النقل نجد عوائق عدة لنجاح برامج كفاءة الطاقة، منها أن أسعار الوقود في المملكة تعد منخفضة جداً مقارنة بغيرها من دول العالم، ما يحد من اهتمام المستهلكين بكفاءة استخدام الطاقة، إضافة إلى انتشار المركبات ذات الكفاءة المتدنية والأحجام الكبيرة التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود، وعدم توافر بدائل للنقل مثل شبكة السكك الحديد بين مدن المملكة، إلى جانب انعدام وسائل النقل العام داخل المدن، ويضاف إلى كل هذا ضعف معايير مراقبة وضبط المنتجات، ومن المهم توافر معيار لاقتصاد الوقود في المملكة للمركبات الجديدة أو فرض قيود على اقتصاد الوقود للمركبات المستعملة المستوردة، إلى جانب ضعف اختبارات الفحص الدوري للسيارات عموماً. ولا يختلف الأمر كثيراً في القطاع الصناعي، إذ توجد تحديات تعرقل جهود رفع كفاءة الطاقة، ومن ذلك ندرة الخبرات والمهارات المدربة في مجال كفاءة الطاقة بسبب عدم التركيز على هذا المجال في السابق، إضافة إلى استخدام تقنيات قديمة في العديد من المصانع القائمة والتي تحت التشغيل، وعموماً هنالك قصور في التشريعات الضرورية لمراقبة وتشجيع برامج كفاءة الطاقة في القطاع الصناعي. ما هو أهم هدف وضعه المركز لتحقيقه خلال العام الحالي في مسألة ترشيد استهلاك الطاقة؟ - أبرز هدف للمركز السعودي لكفاءة الطاقة منذ إنشائه بقرار من مجلس الوزراء، هو نشر الوعي بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة ورفع كفاءتها، وفي هذا العام تحديداً يسعى المركز إلى تكثيف البرامج التوعوية التي يقيمها وفق الإمكانات المتاحة، وذلك بهدف إيصال رسائله التوعوية إلى كل شرائح المجتمع وفئاته، مع التركيز على فئة الشباب وصغار السن، إذ يمكن غرس ثقافة ترشيد الاستهلاك لدى هذه الفئات منذ سن باكر، حتى تنمو وتكبر معهم هذه الثقافة. ومن أهم أهداف المركز السعودي لكفاءة الطاقة خلال هذا العام إعداد وتجهيز البرنامج الوطني لترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة والخطط اللازمة لذلك بمشاركة 19 جهة حكومية وشركات وطنية كبرى، إضافة إلى عدد كبير من شركات القطاع الخاص، كما أن برامج المركز تدعم هذا التوجه، إذ يعتزم المركز الاستمرار في تقديم برامجه التدريبية في مجال حفظ وتدقيق الطاقة في عدد من مدن المملكة، وذلك بهدف تأهيل المهندسين السعوديين في مجال تقويم وضع استهلاك الطاقة في المباني والمصانع والمنشآت، وبيان الفرص الممكنة لتقليل استهلاك الطاقة، مع عرض التجارب العالمية في هذا المجال. كما يعمل المركز خلال هذا العام على تحسين ورفع كفاءة استهلاك الطاقة في عدد من المباني والمصانع والمنشآت عبر برنامج تدقيق الطاقة، من خلال تطوير أو تعديل أو استبدال أنظمة الاستهلاك القائمة. المركز يهتم بتنفيذ تشريعات وسياسات الترشيد هل سيكون للمركز جهاز رقابي للتأكد من استخدام وسائل الترشيد في البناء؟ - الدور الرقابي سيكون من اختصاص الجهات المعنية والرقابية في الدولة، والمركز يهتم بحسب اختصاصه بمتابعة تنفيذ التشريعات والسياسات والخطط المتعلقة بترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة، والتوصية بالخطوات اللازمة لتنفيذها، والإسهام في وضع المواصفات القياسية للأجهزة والمعدات ونظم الإضاءة ووسائل النقل وغيرها بما يحقق ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة، ووضع الأسس المناسبة التي تساعد في إدارة برنامج بطاقات كفاءة استهلاك الطاقة للأجهزة والمعدات بالتنسيق مع الجهات المعنية، والإسهام في تفعيل أنشطة ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة واستخداماتها المتعلقة بالمباني. تعلمون أن الأسواق تعج بأجهزة كهربائية ذات كفاءة متدنية، ما دور المركز في الحد من انتشار مثل هذه الأجهزة؟ - الدور الرقابي على الأجهزة الكهربائية تقوم به جهات أخرى في الدولة، وهي وزارة التجارة والصناعة بالتعاون مع الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، ومصلحة الجمارك، وهذه الجهات أعضاء في اللجنة الإدارية للمركز السعودي لكفاءة الطاقة، ودور المركز عبر برامجه يكمن في رفع وعي المستهلك حول أفضل الطرق لترشيد استهلاك الطاقة في الأجهزة الكهربائية، بداية من شرائها من خلال تمييز الأجهزة ذات الكفاءة العالية في الاستهلاك، وبطبيعة الحال فإنه عند معرفة المستهلك بالأجهزة الجيدة التي تستهلك الطاقة بكفاءة، وتوفر عليه الكثير من الجهد والوقت في الصيانة، فسيتجه لهذا النوع ويهمل الأجهزة الأخرى الرديئة، وهو ما يشجع على إيجاد سوق فاعلة للأجهزة عالية الكفاءة.