لم يتوقف الذين تابعوا كلمة الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله كثيراً أمام قوله «لا نريد مشكلة في لبنان ولا أن ينتقل الصراع الى لبنان»، أول من أمس، بل تنبهوا الى انه أنهى خطابه بعبارة تناقض العبارة الأولى حين قال: «لا تراهنوا على الميدان (في سورية) والدفع بالميدان الى اتجاهات خطرة لن يقف عند حدود». وتستنتج الأوساط التي تابعت سياق كلمة نصرالله أن الأزمة السورية ستعبر الحدود اللبنانية حتماً، بالإضافة الى حدود أخرى، وهو «تهديد» سبق للرئيس السوري بشار الأسد أن أطلقه قبل أسبوعين حين استقبل الأحزاب الوطنية والتقدمية الحليفة للنظام. وفي رأي هذه الأوساط ان التشدد الذي أظهره نصرالله والوضوح الذي اتسم به خطابه لجهة الاشتراك في الدفاع عن النظام وتوقعه أن يحشد أصدقاء سورية إمكانات أكبر إذا اقتربت معركة دمشق، هي مؤشرات إضافية الى السياسة التي سيعتمدها الحزب وحلفاؤه في «قوى 8 آذار» على الصعيد اللبناني، ومن الطبيعي ان ينعكس ذلك تشدداً في شروط الحزب ومطالبه لتشكيل الحكومة اللبنانية وفي مسألة قانون الانتخاب وخيار تأجيل الانتخابات النيابية الذي تهمس به الأوساط السياسية من دون التجرؤ على الحديث العلني عنه، من زاوية حاجة هذه القوى الى تأجيل مديد للاستحقاق الانتخابي. ويسأل مصدر سياسي بارز: «كيف يقول السيد نصرالله إنه لا يريد للأزمة السورية أن تنتقل الى لبنان وفي الوقت نفسه لا يجد حرجاً في القول إن حزبه يقاتل في القصير ودفاعاً عن مقام السيدة زينب، وهذا يتطلب بقاء الحدود أمامه مفتوحة كي يرسل المقاتلين ذهاباً وإياباً، ثم يتحدث عن اشتراك لبنانيين آخرين في القتال (ضد النظام) ويقتلون، ويقول إن لديه أسماءهم، ما يعني أنه يهدد بالاقتصاص منهم أو بملاحقتهم ويترك لنفسه حق القيام بعمل ما تجاههم». ويضيف المصدر: «جوهر ما قاله نصرالله أن من يهرب من ملف الأزمة السورية تحت عنوان سياسة النأي بالنفس يختبئ وراء إصبعه، وأنه بهذا المعنى يحلّل للحزب وحلفائه الإقليميين أن يقوموا بما يقومون به من قتال في سورية، والتدخل وزيادة وتيرته في الأزمة السورية في صراع مفتوح على امتداد المنطقة، من دون طلب إذن من أحد أو مراعاة سياسة الحياد والتحييد عن الصراع الوارد في إعلان بعبدا ومهما كانت الحكومة المقبلة». وفي اعتقاد المصدر نفسه أن ردود قيادات «قوى 14 آذار» على نصرالله «تظهر كم هو كبير التباعد في المواقف اللبنانية من الأزمة السورية وفي حسابات كل الفرقاء. والمنطق يفترض أن الاستحقاقات الداخلية تدخل من ضمن حسابات «حزب الله» في المواجهة الشاملة التي يخوضها على الصعيد الإقليمي، ووفق توصيفه للموقف من الأزمة السورية وضرورة حؤول «أصدقاء سورية الحقيقيين» دون سقوط دمشق والنظام فيها». ومن هذه الحسابات حاجة الحزب الى أن يمسك بالقرار السياسي اللبناني، أو على الأقل، أن يحول دون إمساك فريق آخر بهذا القرار عبر حصوله وحلفائه على الثلث المعطل في الحكومة العتيدة، أو أن يحول بشروطه دون تشكيلها، فالحزب وفق اعتقاد أوساط قيادية وسطية وأخرى في قوى 14 آذار، يريد الاحتفاظ بالقدرة على التأثير في مراكز القرار في السلطة السياسية ليضمن ألا تعاكسه هذه في سياستها حيال الأزمة انطلاقاً من النأي بالنفس وإعلان بعبدا اللذين يمارس عكسهما، وهو بالتالي لن يقبل تسليم هذا القرار لوسطيين ولا لوزراء حتى لو كانوا من غير الحزبيين الذين لا يشكلون تحدياً لأحد، من قوى 14 آذار، وفق المعايير التي يصر عليها الرئيس المكلف تمام سلام. وفيما تدعو أوساط حيادية الى التدقيق بما إذا كان «حزب الله» قد يقبل بتسهيل مهمة سلام في تشكيل الحكومة مقابل قبول قوى 14 آذار والوسطيين معه بتمديد طويل للمجلس النيابي لأن ما يهمه هو عدم حصول انتخابات تحمل مخاطر حصول خصومه على الأكثرية بنتيجتها، في ظل انعكاس ضعف النظام السوري على الوضع اللبناني، فإن الحاجة الى تأمين الأكثرية لهذا التمديد في البرلمان تتطلب من «حزب الله» إما إقناع رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط أو إقناع قوى 14 آذار وخصوصاً «تيار المستقبل» به، وهذا متعذر الى الآن، إذ ان معظم الأطراف يتحدثون عن تمديد قصير المدى للبرلمان. وتفيد معلومات مصادر متعددة ان مداولات قوى 8 آذار مع الرئيس سلام ليل أول من أمس، لا تدل الى نية تسهيل مهمته، بل ان بعض هذه المصادر يرى ان هناك لعبة إضاعة الوقت تحصل تحت مظلة التشدد من الحزب حيال الأزمة السورية ورفضه سياسة النأي بالنفس. وعلى رغم حرص أوساط سلام وقوى 8 آذار على تسريب الأجواء الإيجابية عن نتائج اللقاء باعتباره شفافاً ويضمن تفاهماً على تسريع الاتصالات بحيث تعقد لقاءات قريبة جداً لأن سلام لن يقبل بإطالة عملية التأليف أسابيع أخرى، فإن رواية كل من الفريقين حول تفاصيل ما حصل اختلفت. فمصادر سلام قالت إنه طلب أجوبة عما طرحه على قوى 8 آذار، بينما أوضحت مصادر 8 آذار انها تنتظر جواباً منه حول مطلبها أن تتمثل في الحكومة ب 9 وزراء، استناداً الى معيارها تمثيل الفرقاء وفق أحجامهم في البرلمان. وإذ يعني حصول 8 آذار على 9 وزراء حصولها على الثلاث المعطل في حكومة من 24 وزيراً، فإن مطلبها هذا جاء رداً على طرح سلام صيغة 7 وزراء ل 8 آذار و 8 وزراء لقوى 14 آذار و9 وزراء للوسطيين، أي رئيس الجمهورية ميشال سليمان وسلام والنائب جنبلاط. وبعدما رفض ممثلو 8 آذار هذا الاقتراح من سلام في الاجتماع، اقترح الأخير صيغة تساوي بين الكتل الثلاث، أي 8 وزراء لكل منها بحيث لا يحصل أي منها على الثلث المعطل، لا سيما بعد أن أكد سلام أنه يشكل كوسطي، لا غبار على موقفه من المقاومة في مواجهة إسرائيل، ضمانة لها. إلا ان فريق 8 آذار رفض هذه الصيغة أيضاً وأصر على الحصول على 9 وزراء. وتفيد مصادر 8 آذار بأن سلام أبلغ الوفد أنه سيفكر بصيغة تجمع أو توفق بين الصيغتين، لا تشمل التسليم بتسعة وزراء، على أن يبلغها الى الوفد في اجتماع قريب. لكن المصادر نفسها أكدت ان قوى 8 آذار ما زالت على رفضها المداورة الشاملة في الحقائب لأن «التيار الوطني الحر» يرفض التخلي عن حقيبتي الطاقة والاتصالات ويصر على تمثيله بالحزبيين، وترك الباب مفتوحاً على كل الاحتمالات بالنسبة الى المعيار الثالث الذي يطرحه سلام والمتعلق بأن يكون الوزراء من غير المرشحين للانتخابات، مع تفضيلها عدم حصرهم بغير المرشحين.