توقفت مصادر سياسية بارزة وأخرى وزارية أمام الكلام الذي قاله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ليل أول من أمس في حديثه التلفزيوني الى محطة «ام تي في»، لا سيما قوله انه لا يوافق «أبداً على موقف وزير الخارجية عدنان منصور حول سورية وأن لبنان يتبع سياسة النأي بالنفس، وهذا لا يعني ان نجند لبنان لخدمات خاصة»... في تعليقه على قول منصور إن ما حصل في منطقة القصير السورية من اشتباكات «هو دفاع عن النفس من اللبنانيين الموجودين هناك حين حصلت عليهم هجمات من عناصر مسلحة». وإذ اعتبر ميقاتي أن «موقف الحكومة يعطيه رئيس الحكومة لا وزير الخارجية ومن يريد يبقى في الحكومة ومن لا يريد مع السلامة وأوجّه اليه الرسالة الآن»، فإن هذه المصادر رأت في حدة موقفه حيال الوزير منصور خطوة غير مسبوقة، لا سيما ان منصور ينتمي الى فريق مؤثر في الأكثرية التي تتشكل منها الحكومة، لا سيما «حزب الله» وحركة «أمل»، خصوصاً أنه تبنى المبررات التي وضعها الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله حول مشاركة الحزب في معارك القصير. وسجلت المصادر نفسها أيضاً أن ميقاتي وقف في شكل حاسم في وجه مشروع قانون «اللقاء الأرثوذكسي» الذي يقول بانتخاب كل مذهب لنوابه وفق النظام النسبي وعلى أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة جازماً بأنه «لن يمر»، لينضم بذلك الى الرفض الكامل لهذا المشروع من جانب رئيس الجمهورية ميشال سليمان وحليفه في الحكومة رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط، إضافة الى رفض تيار «المستقبل» والمستقلين في قوى 14 آذار هذا المشروع، موحياً بذلك أنه حتى إذا حاز الأكثرية في البرلمان فلن يوقّع عليه كقانون، إذ قال انه «لن يصل الى مرحلة الطعن بدستوريته» من جانب سليمان. ومع أن لا رابط مباشراً بين الموقف من اشتراك «حزب الله» في معارك سورية، وبين قانون الانتخاب، فإن المصادر السياسية البارزة والأوساط الوزارية التي توقفت أمام تصريحات ميقاتي أشارت الى خلفيات تكمن وراء حدة انتقاده للوزير منصور تتعلق بالأصداء الخارجية التي بلغته في الموقف من مجموعة من العناوين في العلاقات اللبنانية – السورية. وتشير معلومات الأوساط الوزارية في هذا الصدد الى أن بعض الجهات نقلت الى ميقاتي، وحتى الى الرئيس سليمان الأسبوع الماضي، موقفاً من القيادتين في دولة الإمارات العربية المتحدة ومن المملكة العربية السعودية يعتبر أن الحكومة هي حكومة «حزب الله» وهي حكومة داعمة للنظام السوري وتقوم بقوننة وتغطية كل شيء لمصلحة النظام السوري انطلاقاً من لبنان. وفي معلومات هذه المصادر أن الجهات التي نقلت هذا الانطباع الخليجي عن حكومة ميقاتي تتحدث في هذا المجال عن مجموعة من العناوين، منها تولي لبنان تمرير مادة المازوت بكميات كبيرة الى الجيش السوري والتي يستفيد منها في حربه على الثوار السوريين، وقتال «حزب الله» الى جانب النظام في منطقة القصير، فضلاً عن المخاوف من استهداف بلدة عرسال البقاعية في سياق ما يسميه خصوم النظام السوري محاولة للسيطرة على المناطق الحدودية من أجل السيطرة على القرى السورية المحاذية للتحكم بخط الإمداد بين مدينة حمص والبقاع الشمالي... (وهو ما اضطر السيد نصرالله الى نفيه)... وتشير الأوساط الوزارية الى أن الرسائل الإماراتية والسعودية غير المباشرة التي بلغت ميقاتي تشمل أيضاً تصريحات العماد ميشال عون و «حزب الله» حول الوضع في البحرين الذي تعتبر الدول الخليجية ان هناك خطة إيرانية لتأجيجه. وإذ تعتبر الأوساط الوزارية أن الرسائل التي تلقاها ميقاتي في هذا الصدد أزعجته... فقد ركز في حديثه التلفزيوني على القول إن الحكومة غير منسجمة، لإبعاد «تهمة» انها حكومة «حزب الله»، وأن فيها توجهات متعددة، وأكد أنه هو من ينطق باسمها في رسالة أراد فيها القول بعدم الأخذ بمواقف الآخرين من أعضائها بل بموقفه هو استناداً الى «إعلان بعبدا» القائل بالحياد على الصعيد الإقليمي. لكن المصادر السياسية البارزة تضيف الى هذا الانزعاج أيضاً، أن ميقاتي أبدى تبرّمه في الآونة الأخيرة من مجموعة من القضايا الداخلية أيضاً، منها عدم انسجام بعض القوى المشاركة في الحكومة مع توجهاته في شأن التحديات المطروحة عليها، منها مشكلة التحركات النقابية في إطار هيئة التنسيق النقابية حيث تشارك في الضغط على الحكومة لإحالتها الى البرلمان على رغم ما يعتبره هو الصعوبات الاقتصادية والمالية التي ستترتب عن تلك الإحالة. يضاف الى ذلك انزعاجه من حصول تصادم في الموقف بينه وبين وزراء الفرقاء الفاعلين في الأكثرية وخصوصاً «حزب الله» و «التيار الوطني الحر»، في شأن حقه القانوني بالطلب الى وزارة الاتصالات تسليم الأجهزة الأمنية «داتا» الاتصالات التي تطلبها، حيث خضع الأمر لنقاش على مدى جلستين في مجلس الوزراء تناولت صلاحياته في هذا الشأن، انتهت الى إصراره على أن الأمر من صلاحيته وفق القانون ومرسوم تنظيم البت بطلبات الأجهزة. ومع أن الأوساط الوزارية لا تنفي أن ميقاتي «أخذ يشعر نتيجة كل هذه العوامل المتعلقة بانعكاسات الموقف اللبناني من الأزمة السورية وبالوضع الداخلي، بضيق هامش التحرك» المعطى له بفعل السياسة التي يتبعها «حزب الله» وحلفاؤه، خصوصاً أن السيد نصرالله قال في خطابه ما قبل الأخير ممازحاً إن «على رئيس الحكومة ألا يأخذ راحته»، فإن الأوساط نفسها ترى أن ميقاتي، على رغم كل شيء ليس في وارد الذهاب نحو التنحي والاستقالة. وفيما يرى الفريق الوزاري القريب من ميقاتي أن فريق الأكثرية بات يكبله، فإن المصادر السياسية البارزة لا تفصل هذه الأجواء عن تلك المتعلقة بالسجالات والمناورات والمواقف المتعلقة بقانون الانتخاب، الذي أخذ حياله موقفاً حاداً حين قال إن «الأرثوذكسي لن يمر». القرارات خارج الحكومة... وترى المصادر نفسها أن مع نجاح تحالف العماد عون و «حزب الله» وحركة «أمل» في جعل مشروع «الأرثوذكسي» يتصدر مشاريع قوانين الانتخاب، والذي أدى الى شق صفوف قوى 14 آذار وتصدّعها بحكم ذهاب الحزب وعون حتى النهاية في المناورة بتأييد هذا المشروع، فإن القوى الفاعلة في الأكثرية أخذت تتصرف على أن الساحة خالية لها، لا سيما بعد أن تعذر على قوى 14 آذار أن تعدل في صورة المشهد السياسي في البلد رداً على اغتيال رئيس فرع المعلومات اللواء الشهيد وسام الحسن عبر مطلبها استقالة الحكومة. هذه القوى، أي «حزب الله» وحلفاؤه، أخذت تتصرف على أن إمساكها بالمبادرة، إن في ما يخص الانحياز الى النظام السوري قتالياً وتسهيل حاجاته انطلاقاً من لبنان، أو في ما يخص التوازنات الداخلية ورسم التركيبة السياسية المقبلة عبر قانون الانتخاب، جعل الحكومة شبه مغيّبة. وتضيف المصادر البارزة أنه على رغم دفاع ميقاتي عن مسألة بيع المازوت الى سورية، على أنه يذهب الى المعارضة أيضاً ومنظمات دولية تقدم مساعدات، وليس للنظام وحده، فإن شعوره بوطأة انحياز قوى فاعلة الى النظام على موقف الدول العربية يعود الى أن الموقف الخليجي أخذ ينزع عن الحكومة صفة حفظ الاستقرار مع تآكل هيبة الدولة الأمنية، وهذا أخذ يؤثر عليه، وجاءت نتائج مناورة «الأرثوذكسي» لتجعل الحكومة مغيّبة كلياً ولا أحد يناقش مشروعها الذي حوّلته بصفة المعجّل الى البرلمان والذي يقول بالنسبية في 13 دائرة، فضلاً عن أن الإصرار على «الأرثوذكسي» من دون التوصل الى توافق على بديل منه، ذهب الى حد تعطيل صلاحية سليمان وميقاتي بدعوة الهيئات الناخبة وفقاً لما ينص عليه الدستور، ولو على أساس قانون الستين النافذ على رغم معارضته، نتيجة رفض تحالف «حزب الله» وعون وحركة «أمل» لهذه الدعوة. لكن ظهور الأمور على أن القرارات أخذت تصدر خارج الحكومة، مسّ بالموقع السياسي للكتلة الوسطية الشريكة فيها، التي باتت بدورها معطلة، وهي الكتلة الممثلة بالرئيسين سليمان وميقاتي والنائب جنبلاط، خصوصاً أن قوى الأكثرية ترسم مشاريع قوانين الانتخاب على قاعدة استبعاد إمكان حصول الوسطيين على موقع معقول في الخريطة النيابية المقبلة. ودعوة الهيئات الناخبة على أساس قانون الستين الذي يرفضه سليمان وميقاتي، والدعوة الى مناقشة مشروع الحكومة وتعديله من جانب جنبلاط، فضلاً عن المواقف التي أعلنها ميقاتي أول من أمس، هي محاولة من هذه الكتلة لاستعادة موقعها في المشهد السياسي، إن في التفاوض على بدائل «الأرثوذكسي» أو قانون الستين ومشروع الحكومة. وتعتقد المصادر أن مواقف ميقاتي ومنها قوله إنه مرشح للانتخابات، ولن يترأس الحكومة في حال أُجريت، مفضلاً قيام حكومة حيادية، وإصراره على دعوة الهيئات الناخبة في 9 حزيران المقبل، تعيد تظهير دوره في المشهد السياسي، فيشكل حائلاً دون إيصال الاستحقاق الانتخابي الى طريق مسدود إذا كان في نية أطراف تأجيلها، ويظهر أمام المجتمع الدولي على أنه مع إجرائها في موعدها. أما في خصوص إشارته إلى نيته عدم ترؤس الحكومة كونه مرشحاً للانتخابات، فإن المصادر البارزة نفسها تعتبر أنه يعني بقاءه في رئاسة الحكومة في حال تأجلت هذه الانتخابات، أو إمكان بقائه فيها إذا قرر عدم الترشح إذا أُجريت، كما فعل حين ترأس حكومة عام 2005. وهو أمر لم يتم استبعاده في شكل نهائي بعد على رغم إعلانه ترشحه.