يعيش الجسم الإعلامي في تونس إحدى أسوأ فتراته، إذ يرى كثيرون أن الحكومة التي يتزعمها حزب «النهضة» ذو المرجعية الدينية تسعى لوضع يدها على الإعلام والسيطرة عليه وتعديل بوصلته وفق ما تراه مناسباً لسياساتها ومصالحها؛ بينما ترفض الحكومة هذا الكلام معتبرة أنه من دون دليل ملموس، وفي المقابل يردّ أهل المهنة أنّ الأدلة كثيرة وليس أخطر على الإعلام من التعيينات الأخيرة في عدد من المؤسسات الإعلامية، المكتوبة والمسموعة والمرئية. وهي في رأيهم تعيينات سياسيّة تخدم تصورات الحكومة لمستقبل الإعلام. ويصرّ عدد كبير من الإعلاميّين في تونس اليوم وبعد أكثر من عام ونصف العام على «14 يناير»، على عدم الرضوخ لرغبات الحكومة ورفض كل أشكال التدجين أو التبعيّة التي كرّسها نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي على مدى 23 عاماً. وليست الحملة الشرسة ضد الإعلام والإعلاميين في تونس حكراً على مؤسسات إعلامية أو صحافيّين محددين، بل تجاوزتهم لما وصفه بعضهم ب «ضرب النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين»، الممثل الوحيد لعموم الصحافيين، وهو ما دعا عدداً مهماً من الوجوه الإعلامية إلى تبنّي مبادرة لمساندة النقابة. وتأتي هذه «الهجمة» على خلفيّة البيان الذي صدر عنها حول توقيف سامي الفهري مدير قناة «التونسية». وكانت الغرفة الجنائية لمحكمة الاستئناف في تونس أصدرت مذكرة توقيف في حق الفهري الذي سلّم نفسه في وقت لاحق كما أكدت محاميته. وجاء القبض عليه على خلفية القضايا المرفوعة ضده، إذ اتُهم باستغلال التلفزيون لسنوات والتسبب في خسائر وأضرار مادية كبيرة للمؤسسة، مع ما تبع ذلك من مبالغ مالية «استفاد منها الفهري وشركته، نظراً لخرق الاتفاقات بينه وبين التلفزيون». لكنّ صفحات «فايسبوك» وعدداً من الناشطين في المجتمع المدني يرون أنّ السبب الرئيسي ليس المعلن من طرف القضاء بل برنامج «اللوجيك السياسي» الذي تبثّه القناة، والذي يقدّم لوحات ساخرة على نمط البرنامج الفرنسي «Les guignoles de l'info». ويبدو أن البرنامج الذي قدّم أعضاء الحكومة في مواقف مضحكة من خلال نقد أدائهم وتصرفاتهم كما يحدث في كثير من تلفزيونات العالم، لم يرق لبعض قيادات حزب «النهضة» واعتبروه مسيئاً لهم في شكل شخصي. وتحدث الفهري عن ضغوط متواصلة من المستشار السياسي لرئيس الحكومة التونسية لطفي زيتون لوقف البرنامج. لكنّ الأخير نفى ما ورد وقال إنه لم يتصل بالفهري ولم يحاول الضغط عليه، من دون أن يخفي انزعاجه من محتوى البرنامج الذي عرض يومياً خلال رمضان واستمر أياماً إضافية قبل وقفه. ويعتقد المتابعون أنّ وقف الفهري ومنع بثّ برنامج «اللوجيك السياسي» ليسا إلاّ حلقة في سلسلة المحاولات التي تقوم بها الحكومة ل «تركيع» الإعلام التونسي الذي بدأ يتنفّس نسائم الحرية. كما يربط بعضهم بين هذا الملف وملف التعيينات المتواصلة في مراكز إعلامية مهمة وحسّاسة في القطاع. ويصل بعضهم إلى حد اتهام الحكومة بأنها تتملكها رغبة لوضع المؤسسات الإعلامية والإعلاميين في خانة المباركة الكاملة لسياستها. ملفّ «التونسية» ما فتئ يأخذ أبعاداً جديدة بين متضامن مع القناة ومديرها، وبين داعم لقرار الحكومة. ففي وقت يعتبر بعضهم أنّ سجن سامي الفهري بداية حقيقية لمحاسبة الفاسدين وملاحقة الذين «عاثوا في البلاد فساداً» قبل «14 يناير»، يطالب آخرون على صفحات التواصل الاجتماعي بالقضاء على كل القنوات التلفزيونية ومحاسبة العاملين فيها وإبدالهم بشباب الثورة، ويقولون إنّ هذه القنوات لا تخدم ثورتهم بل تعرقل عمل الحكومة. يُذكر أنّ شركة «كاكتوس» وقناة «التونسية» مملوكتان للدولة بعد مصادرة أملاك صهر الرئيس المخلوع بلحسن الطرابلسي الذي كان يملك 80 في المئة من الأسهم فيما يملك البقية سامي الفهري، علماً أن متصرفاً قضائياً يشرف على شركة «كاكتوس».