تبدأ التظاهرات مطالبة بالعمل على تقديم تحسينات اجتماعية واقتصادية، يرد عليها الحكام بالعنف، فتتحول مباشرة إلى ثورة مطالبة بإسقاط نظام لطالما عانى المواطنون من جوره عليهم. هي لقمة العيش تحرك عشرات الأشخاص الذين لا يلبث أن ينضم إلى صفوفهم المئات وبسرعة شديدة تغص الساحات المطالبة بتغيير واقع نال من يوميات المواطنين فأدى إلى تخلخل النظام الاجتماعي، وترتبط المطالبة مباشرة بحريات أكبر. عندما انطلقت التظاهرات الاحتجاجية في «ميدان التحرير» في القاهرة وتونس وليبيا ومختلف الدول العربية ضد الانظمة العربية مطالبة بحقوقها وحريتها، خرج رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو، يتغنى ب «ديموقراطية بلاده»، معلناً أن فلسطينيي ال 48 داخل الخط الاخضر، هم الأكثر تمتعاً بالديموقراطية والأكثر تحصيلاً لحقوقهم، من بين جميع الشرائح العربية والفلسطينية في منطقة الشرق الأوسط بأسرها. وواصل نتانياهو حملة «المفاخرة» لبلاده، من دون ان يأخذ بحساباته انه يستفز بحديثه هذا، ليس فقط فلسطينيي 48، بل الاسرائيليين أيضاً، الذين يعانون بدورهم من سياسة حكومته. وما هي إلاّ مدة قصيرة حتى خرج الآلاف يتظاهرون في تل أبيب تحت شعار «المطالبة بعدالة اجتماعية»، واقتبسوا ما ردّده المتظاهرون في مصر «الشعب يريد إسقاط النظام»، مع تغيير كلمات بما يتناسب ووضعهم هاتفين: «الشعب يريد عدالة اجتماعية». ومع إحياء اليوم العالمي لحقوق الانسان، خرجت التقارير التي تكشف الصورة الحقيقية ل «الديموقراطية والحرية»، في ما يرغب اليهود في تسميتها «بلاد السمن والعسل». ولم تأتِ الضربة لنتانياهو من معدّي التقارير والجمهور، فحسب، بل من وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، التي حذّرت من خطر التراجع في اسرائيل عن أسس الديموقراطية والدوس على حقوق الانسان، مصنّفة ما يحدث في اسرائيل بأنه «يذكرها بإيران». ومع نشر جمعية حقوق الانسان تقريرها السنوي، ظهرت الصورة الحقيقية للوضع، التي صنّفها البعض خطيرة، اذ يتحدث التقرير في شكل خطير عن انتهاكات حقوق الانسان، بخاصة بين الفلسطينيين في الضفة وداخل الخط الاخضر. ويُبرز تنافي القوانين «العنصرية» التي يسنّها البرلمان الاسرائيلي (الكنيست) وحقوق الانسان. وآخر هذه القوانين منع المسلمين من حقهم في إسماع صوت الآذان بذريعة «أن الصوت يقلق ويزعج اليهود ويقض مضاجعهم». ويحمل التقرير لائحة اتهام طويلة ضد اسرائيل، وفي حال لم تتجاوب السلطات الاسرائيلية مع مطلب إجراء تغييرات تُدخل تحسينات على وضع حقوق الانسان فسيتحول التقرير إلى الهيئات الدولية. وكشف تقرير حقوق الانسان ان فلسطينيي 48 هم الاكثر تعرضاً للإجحاف ودوس حقوقهم، بخاصة إزاء سن القوانين العنصرية التي صادق على معظمها «الكنيست» وأظهر انتهاكات خطيرة لحقوق الأسرى داخل السجون والأهالي لدى زيارتهم أبناءهم. المشكلات الاجتماعية تلتحق بالأمنية ويقول معدّو التقرير انه لا يجدر بحقوق الإنسان ان تتوقف عند بوابات السجن. في إشارة الى ما يحصل داخل السجون الاسرائيلية، وعلى رغم ذلك فليس ثمة من يكفل واجب توفير شروط معيشية أساسية للسجناء والمعتقلين، والحفاظ على كرامتهم وحقوقهم. فعندما يدور الحديث عن غير المواطنين، وبخاصة سكان الأراضي المحتلة، فليس ثمة ضمانات لتحقيق إجراءات قضائية عادلة، وقد يتحول السجن لأشهر طويلة لا بل لسنين طويلة من استثناء إلى قاعدة. ويجد أفراد ينتمون الى شرائح مستضعفة أنفسهم في كثير من المرّات وراء القضبان... كاللاجئين وطالبي اللجوء، ومهاجري العمل وأبنائهم، والفلسطينيين في الأراضي المحتلةوالقدسالشرقية. وقد تحوّل اعتقال الأطفال والقاصرين إلى أمر روتيني، على رغم أن القانون ينص على عدم اعتقال القاصرين إلاّ في الحالات الأكثر استثنائية. ويتطرق التقرير إلى القيود على حرية التعبير، وحرية التنظّم والنشاط السياسي، مشيراً إلى اعتداءات مختلفة على المتظاهرين في السنة الفائتة، تلك التي تدفع نحو تقليص الجدل العام، وشملت في ما شملت، وصول أفراد شرطة مقنعين أو من دون شارة تعريف بالنفس لتفريق التظاهرات، على رغم الواجب القانوني الذي يؤكد ضرورة التعريف بالنفس، واعتقال عدد من المتظاهرين، والطلب منهم الالتزام بعدم المشاركة في التظاهرات في المستقبل القريب، واستدعاء عدد من الناشطين الاجتماعيين والسياسيين الى «محادثات تحذير» تخللها توجيه تهديدات. إضافة إلى ذلك تتجسد هذه القيود بسن قوانين مناهضة للديموقراطية تحمل خطر تقليص حريات الفرد والأقلية، ومحاولات المساس بالنشاط الشرعي والضروري لمن يوجهون سهام النقد الى السلطة، ومنظمات حقوق الإنسان من بينها، والتهديد برفع دعوى قضائية ضد من يبتغي إسماع الانتقادات. كما اعتبرت القيود على حرية التنقل والحركة، والحق في التظاهر في الأراضي المحتلة، وما يواجهه المتظاهرون من معاملة وحشية غالباً ما تنتهي بالإصابات الجسدية والاعتقال، من الخروق الكبرى لشرعة حقوق الانسان. ويضيف معدو التقرير أنه وعلى رغم الهدوء النسبي، فما زالت تفرض قيود قاسية على تنقل السكان الفلسطينيين وحركتهم، ويتعرض التقرير لبعض الأمثلة الصارخة في هذا المضمار: قيود على التنقل في مركز مدينة الخليل، و«نظام التصاريح» في منطقة التماس بين الخط الأخضر وجدار الفصل، وتقليص حركة الفلسطينيين في شارع رقم 443 ومعظمه أرض محتلة منذ عام 1967، والحصار المتواصل لقطاع غزة، وفصل سكان غور الأردن عن بقية مناطق الضفة الغربية، وتأثيرات جدار الفصل على نسيج الحياة داخل القدس وبين القدسالشرقية وبقية مناطق الضفة الغربيةالمحتلة. والأكثر خطورة في ما يشير اليه التقرير، تآكل وتراجع الحقوق الاجتماعية في مجالات الإسكان والصحة والرفاه الاجتماعي والتشغيل وغيرها، وتشكّل الفجوات الاقتصادية محصّلة للسياسات الاجتماعية – الاقتصادية لحكومات إسرائيل في العقدين الأخيرين... فاتحاً الباب أمام التساؤل عن قدرة تحمل الشعب لهذه الحالة ومستقبل النظام في ظل هذه المشكلات وكيفية التصدي لها!