المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    رسالة إنسانية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يهودية إسرائيل.. بين الصهيونية الدينية والأمنية (3)
نشر في البلاد يوم 22 - 08 - 2010


توافق أوباما ونتنياهو
أخذ مصطلح "يهودية" الدولة العبرية يتغلغل داخل كافة الأوساط الإسرائيلية منذ أن طرحه شارون في عام 2003، بحيث بات هناك ما يشبه الإجماع على هذه الفكرة كما وضح في ثلاثي "أولمرت - ليفني – باراك" (حكومة كاديما/العمل) خلال الأعوام الثلاثة السابقة لعودة نتنياهو رئيسا للوزراء في عام 2009؛ فاليمين المتطرف (الأحزاب اليمينية المتشددة، والليكود) ويمين الوسط (حزب كاديما) واليسار (حزب العمل) يتفقون في طرحهم على أن إسرائيل يجب أن تكون دولة "يهودية"، وإن كان ثمة جدل كبير حول هذا المعنى، كما سيأتي لاحقا.
ثالثاً: نتنياهو وأوباما.. توافق على "يهودية" إسرائيل
ويظهر هذا التوجه بجلاء في برامج غالبية الأحزاب الإسرائيلية في انتخابات 2009، حيث شغل كل من التثبيت على "يهودية الدولة" والضغط على عرب 48 أولوية كبرى في هذه البرامج، التي أكدت ضيق الفوارق بين أيديولوجيات الأحزاب اليهودية في إسرائيل، سواء أكانت تمثل اليسار أو الوسط أو اليمين، وأن الممارسات الهادفة لتحويل الدولة ل "يهودية" خالصة أمر يجتمع فيه غلاة المتطرفين ومؤسسات إسرائيل الرسمية، وخاصة في نظرتهم إلى عرب 48 على أنهم "لاجئون" يجب ترحيلهم عبر سياسات الحرمان والضغط والتضييق المتواصل. وقد تضمن البرنامج الانتخابي لكل من حزب الليكود بزعامة نتنياهو وحزب إسرائيل بيتنا بزعامة المتطرف أفيجدور ليبرمان، دعوات صريحة إلى تهجير عرب 48 من قراهم إلى الضفة الغربية. ولا يكف ليبرمان عن استهدافهم في كل مناسبة؛ فتارة يصفهم بأنهم "لاجئون مسلمون"، وتارة يقول: "لابد من ترحيلهم لأنهم قد أقاموا حكما ذاتيا خاصا بهم، وسينفصلون مثل كوسوفا حينما تسمح الفرصة بذلك". أما تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما فتذكر أن "المكان الطبيعي لعرب 48 هو الدولة الفلسطينية الجديدة".وكان نتنياهو قد تفاخر في عام 2006 بدوره -حينما كان يشغل وزارة المالية في حكومة شارون (2003 2005)- في خفض نسبة المواليد في أوساط فلسطينيي 48، على اعتبار أن ذلك خطوة يتطلبها "النضال من أجل الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة". وذكر أنه تعمد "تقليص مخصصات الضمان الاجتماعي التي تمنحها الدولة للأطفال وللعائلات كثيرة الأولاد؛ مما أدى إلى انخفاض الفارق بين نسبة ولادات فلسطيني 48 وولادات العائلات اليهودية من 3% إلى 1% خلال عامين" (27).
نتنياهو .. وتكريس التهويد
على أية حال، فإن وصول نتنياهو وليبرمان، أي اليمين المتطرف، للسلطة في عام 2009، لا يعني أن اليمين فقط هو من يسعى لتكريس "يهودية" الدولة كأمر واقع، أو ضرورة الاعتراف بهذا الأمر من قبل السلطة الفلسطينية؛ فسلسلة الإجراءات الساعية لإعمال "الأسرلة" ثم "التهويد" داخل أوساط الأقلية العربية في إسرائيل لم تنقطع يوما على كافة المستويات، التاريخية والسكانية والجغرافية والاجتماعية والاقتصادية. كما أن ابتلاع القدس الشرقية واستكمال الجدار العازل وتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية وشطب قضايا الحل النهائي في أي مفاوضات مع الفلسطينيين باتت أمورا ثابتة لتكريس فكرة "يهودية" إسرائيل.ويعزز حقيقة هذا التوجه الإسرائيلي الجديد هو شبه الإجماع الإسرائيلي حول ضرورة الاعتراف الفلسطيني - العربي بإسرائيل كدولة "يهودية"، فلا تسوية ولا دولة بدون مثل هذا الاعتراف الذي كانت أطلقته تسيفي ليفني، وأولمرت، بمنتهى الوضوح في مفاوضاتها مع السلطة الفلسطينية، ثم إيهود باراك، والآن يأتي نتنياهو وليبرمان (اليمينيين المتشددين) وشيمون بيريز (الرئيس السابق لحزب العمل).
ومنذ توليه رئاسة الوزراء في مارس 2009، لم يتوقف نتنياهو عن اشتراطاته المتكررة لبدء التفاوض مع الفلسطينيين، في ظل وجود إدارة أوباما التي تسعى إلى تفعيل حل الدولتين كمخرج لأزمات أمريكا المختلفة في منطقة الشرق الأوسط، ففي البداية اشترط نتنياهو على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل ك"دولة يهودية" قبل أي حديث عن موضوع حل الدولتين، حيث قال في أول لقاء مع المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل في تل أبيب يوم 17 إبريل 2009، إن "إسرائيل تنتظر من الفلسطينيين أن يعترفوا بدولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي قبل إقدام إسرائيل علنا على قبول حل الدولتين"، وهو ما رفضته الرئاسة الفلسطينية معتبرة أنه يهدف إلى وضع العراقيل أمام حل الدولتين.
ومع تشديد إدارة أوباما على ضرورة وقف الاستيطان الإسرائيلي والبدء بمفاوضات على أساس حل الدولتين، تراجع نتنياهو (وهو واقعيا لم يتراجع) خطوة صغيرة لكن قاسية، إذ أعلن في خطابه (28) في جامعة بار إيلان بتل أبيب، معقل اليمين، يوم 14 يونيو (بعد 10 أيام من خطاب أوباما للعالم الإسلامي من القاهرة يوم 4 يونيو 2009) مجموعة الثوابت التي تنطلق منها إسرائيل لحل الصراع، ومنها:
أولا: استعداد حكومته للقبول بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، إذا ما اعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي. يقول نتنياهو: "إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، غير أن الجانب الفلسطيني ما زال يرفض الاعتراف بذلك.. إنني أتطلع إلى لحظة يقول فيها الزعماء الفلسطينيون هذا الكلام البسيط: إننا مستعدون للعيش إلى جانب دولة إسرائيل بصفتها دولة الشعب اليهودي.. (نريد) اعترافا فلسطينيا علنيا وصادقا بدولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي... نريد العيش معكم في سلام وجيرة حسنة... ولنبدأ مفاوضات سلام فورية دون شروط مسبقة".
ثانيا: يقدم نتنياهو للفلسطينيين حكما ذاتيا خاضعا للإشراف الإسرائيلي، تحت مسمى "الدولة الفلسطينية" التي ستكون كما قال منزوعة السلاح، ولا تتمتع بالسيطرة على مجالها الجوي، وليس بإمكانها عقد تحالفات، قائلا: "إذا تلقينا هذه الضمانة بنزع السلاح والترتيبات الأمنية التي تطلبها إسرائيل، وإذا اعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، سنكون مستعدين لاتفاق سلام حقيقي والوصول إلى حل بالنسبة لقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب الدولة اليهودية". كما طالب ب "التزام أمريكي واضح بأن الدولة الفلسطينية ستكون منزوعة السلاح، وبدون مجال جوي، ولن يكون بوسعها الدخول في تحالفات عسكرية، بل يجب أن تسيطر إسرائيل على مجالها الجوي".
ثالثا: إسقاط حق عودة اللاجئين، حيث أكد نتنياهو أنه يجب حلها بعيدا عن حدود إسرائيل، بقوله: "يجب أن يتم حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج دولة إسرائيل لأن المطالبة بإعادة اللاجئين إلى دولة إسرائيل سيؤدي إلى انهيار إسرائيل التي استوعبت مئات الآلاف من اللاجئين اليهود من الدول العربية، وأنا أؤمن بأنه من خلال حسن النية والاستثمارات الدولية يمكن حل هذه المشكلة".
رابعا: لا لتقسيم القدس، عاصمة إسرائيل الأبدية الموحدة، حيث ذكر نتنياهو أن "القدس عاصمة إسرائيل وستظل موحدة، وحرية العبادة فيها مضمونة لكل أتباع الأديان". وكان نتنياهو قد أكد على نفس الرؤية لمستقبل القدس يوم 21 مايو في ذكرى الاحتفال باحتلال القدس الشرقية في ذات اليوم من عام 1967، إذ قال: ""القدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل.. كانت القدس وستبقى لنا، ولن يتم تقسيمها أو تفكيك وحدتها مرة أخرى". وأضاف: "السيادة الإسرائيلية وحدها على القدس الموحدة هي التي تضمن ممارسة الشعائر الدينية في حرية، وتضمن الوصول إلى الأماكن المقدسة للأديان الرئيسية الثلاثة".
خامسا: بالنسبة للاستيطان، وعلى الرغم من أن الضغوط الأمريكية كانت في ذروتها في هذا الوقت، فإن نتنياهو أشار إلى إن إسرائيل لن تبني مزيدا من المستوطنات، غير أنه قال: "غير أنه يجب علينا أن نأخذ في الحسبان احتياجات سكان المستوطنات القائمة"، أي ما تسميه إسرائيل "نموا طبيعيا" داخل حدود ما تعتبرها "مستوطنات شرعية" في الضفة الغربية المحتلة؛ ما يعني أن حكومته لن تلتزم بوقف الاستيطان، وإنما تكثيفه كما سيرد في الخطوات التي اتخذتها حكومة نتنياهو في هذا الصدد.
سادسا: يقدم نتنياهو الاعتبارات الأمنية على ما سواها، إذ يعتبر أن "أكبر خطر على دولة إسرائيل والشرق الأوسط والإنسانية برمتها هو التزاوج بين التطرف الإسلامي والسلاح النووي، قائلا: "أمامنا ثلاثة تحديات هي التهديد الإيراني، والأزمة الاقتصادية، والتقدم في عملية السلام".
وفيما يخص حركة حماس، قال: "على الفلسطينيين الاختيار بين طريق السلام وطريق حماس.. على السلطة الفلسطينية أن تفرض القانون والنظام، وأن تدحر حماس، فإسرائيل لن تتفاوض مع إرهابيين يحاولون تدميرها". وذكر أنه "مقابل وقف التحريض ضد إسرائيل سنضمن للفلسطينيين حرية التنقل".
سابعا: وبالتوازي مع مواجهة الخطر الإيراني وأصولية حماس، فإن نتنياهو يقرن كافة ما سبق، بتحقيق "سلام إقليمي" مع العرب الذين لابد وأن يوافقوا على ما سبق من شروط، حيث أعرب عن استعداده للاجتماع مع زعماء الدول العربية في الرياض والقدس ودمشق، قائلا: "أناشد زعماء الدول العربية التعاون مع إسرائيل والفلسطينيين لتحقيق السلام الاقتصادي.. أناشد المستثمرين الخليجيين أن يتعاونوا مع إسرائيل والفلسطينيين لإقامة مناطق صناعية واقتصادية وسياحية".
إضافة لما سبق، فإن نتنياهو، وعلى عكس كل من شارون وأولمرت، لا يؤمن بالخطوات الأحادية الجانب التي اتخذتها إسرائيل، فقد ذكر نتنياهو يوم 9 أغسطس في جلسة لمجلس الوزراء بمناسبة الذكرى الرابعة للانسحاب من غزة أن " إن تجربة تفكيك المستوطنات في قطاع غزة قبل 4 سنوات كانت خطأ لن يتكرر، لم يجلب لنا لا السلام ولا الأمن، بعد أن خلت الساحة لحركة حماس" الموالية لإيران، ولن نكرر هذا الخطأ ثانية"، في إشارة إلى عدم تفكيك أي مستوطنات بالضفة الغربية المحتلة (29).
وفي 11 سبتمبر، وخلال اجتماعه في احتفال لحزب الليكود، أكد نتنياهو على أنه "لن يتنازل عن مطلب الاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، وأن القدس الموحدة هي عاصمة الشعب اليهودي". وقال: "من خطاب جامعة بار إيلان وأنا أعمل على تحقيق اعتراف دولي بمبدأين أساسيين، الأول هو: الاعتراف بدولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، والثاني هو عدم السماح بوجود "حماسستان" أخرى في قلب البلاد"، في إشارة إلى الضفة الغربية المحتلة.وفي مقابل طرح نتنياهو فكرة دولة فلسطينية دون سيادة تذكر (فكرة الحكم الذاتي المنقوص)، يطرح رئيس الدولة شيمون بيريز، صاحب كتاب الشرق الأوسط الجديد، والذي يرى أن إقامة العلاقات الاقتصادية لا يجب أن تؤجل أو ترتبط بالسلام لأنها قد تكون مدخلا إليه، فكرة الدولة الفلسطينية المؤقتة؛ ففي لقائه مع الرئيس المصري حسني مبارك يوم 7 يوليو 2009، أكد بيريز على تأييده حل الدولتين، لكنه تمسك ب "يهودية إسرائيل"، قائلا: "الموقف الإسرائيلي هو حل الدولتين، شعب واحد فلسطيني من جهة، وشعب واحد إسرائيلي"، مضيفا أن "إسرائيل ستكون دولة يهودية، وفلسطين دولة عربية، وأن النقاش بهذا الصدد قد انتهى". واقترح بيريز إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، بقوله: "إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة لفترة زمنية موجودة في خطة خارطة الطريق التي قبلها الفلسطينيون والعرب والطرف الإسرائيلي والطرف الأمريكي وكل العرب" (30).
الحاصل من ذلك أن قادة إسرائيل لا يؤمنون مطلقا بفكرة إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا أو تتمتع بحقها كدولة، فضلا عن أن هذه الدولة، إن قامت، ستكون داخل حدود 67 وليس على حدود 67، أي ما يتبقى بعد الجدار العازل والمستوطنات والطرق الالتفافية وسواها.
مكان تحت الشمس.. إلغاء الدولة الفلسطينية
ولا شك أن نتنياهو يجسد عبر أفكاره السابقة الفكر الصهيوني التقليدي في أنقى صوره، ولكن في إطار تكاملي يمزج الديني والسياسي والأمني والاقتصادي والسكاني في توليفة واحدة تعبر عن عنصرية فظة وتطرف وأطماع توسعية لا تزال تحلم بأرض إسرائيل الشرقية، كما ذكرها في كتابه (مكان تحت الشمس) والمتمثلة في مقولة "الأردن ضفتان.. هذه لنا وتلك أيضا".وتجد أفكار حكومة نتنياهو الحالية بشأن التسوية مع الفلسطينيين وبكيفية التعاطي مع فلسطيني 48، جذورها في مؤلفه السابق (31)، فهو يبني جبلا من الأكاذيب التاريخية، ليخلص منها إلى طرح "إسرائيل القوية" بدلا من شعار "إسرائيل العظمى" الذي طرحه بيريز في كتابة (الشرق الأوسط الجديد)لقد تحدث نتنياهو في كتابه عن نوعين من السلام، أولهما: "سلام انسجامي وديمقراطي" كافة أطرافه تنبثق أساسا من الممارسة الديمقراطية كما قائم في أوروبا، وثانيهما: سلام "الردع" الذي يبنى على الأمن قبل السياسة، وهو المناسب لمنطقة الشرق الأوسط الديكتاتورية، وهذا يقتضي قوة الدولة الديمقراطية الوحيدة "إسرائيل". ولقوة الردع الإسرائيلية عناصر ثلاث هي قوتها العسكرية مقابل قوة العرب العسكرية، والمدة الزمنية للإنذار المبكر المتوفر لإسرائيل لتتمكن من تجنيد قوات الاحتياط، والحد الأدنى من المساحة المطلوبة للجيش الإسرائيلي كي يستطيع الانتشار لمواجهة أي خطر محتمل.ومن مجموع قوى الردع الثلاث، يخلص نتنياهو إلى "مسلمة إستراتيجية" تقول إن جبال الضفة الغربية توفر الحد الأدنى فقط من العمق الاستراتيجي للجيش الإسرائيلي، وهذا يعني أن المساومة على الضفة الغربية تعني بصورة مباشرة التآمر على الوجود الإسرائيلي في حد ذاته.
ومن ثم فإن هذه الرؤية تحتم أمرين، هما: استحالة قيام دولة فلسطينية من الأساس، وأن القوة وحدها هي الطريق لتحقيق "سلام الردع" لأن إسرائيل القوية بهذا المعنى، لا سواه، هي ما تجعل العرب يوافقون على إبرام سلام معها.ويعرض نتنياهو لملامح هذا السلام، بعد أن ينتقد خطوات إسحق رابين وشيمون بيريز مع الفلسطينيين، في نقاط محددة، هي: (1 منع إقامة أية سيادة أجنبية (فلسطينية) على الضفة الغربية. 2 السيطرة على مصادر المياه الجوفية وعلى المناطق الواقعة فوق أحواضها. 3 مراقبة ووقف الزيادة الديموجرافية الفلسطينية. 4 المحافظة على وحدة القدس تحت السيادة الإسرائيلية).
كما يطرح نتنياهو في كتابه فكرة مركزية تعبر عن المسار الذي يمكن أن تؤول إليه محاولات السلام التي يتشبث بها العرب في ظل إدارة أوباما، وهي (الأمن قبل الاقتصاد) و(الأرض ملازمة للأمن)؛ وهو ما يعني استمرار فكرة العمق الإستراتيجي، فلابد من وضع أسس جديدة للمفاوضات تستند إلى مبدأ (السلام مقابل السلام)، وهذا يعني طرح فكرة الحكم الذاتي على الفلسطينيين في ظل سيادة إسرائيلية لحل الصراع مع الفلسطينيين، وفكرة الأمن الحدودي في الجولان دون انسحاب منها.وفي موضوع اللاجئين الفلسطينيين يتحدث نتنياهو عن المقترحات الدولية بشأن إعادة توطينهم في الدول العربية، ويطالب بإدماجهم في العراق وسوريا وبقية الشعوب العربية، ولا يتطرق أبدا إلى إعادتهم إلى أرضهم وبلادهم أو تعويضهم، بل إلى ضرورة تلاشيهم بين ثنايا الشعوب المختلفة في أكثر من 21 دولة بالعالم. بل إنه كذلك يطرح فكرة "الوطن البديل"، فالأردن هي فلسطين، وفلسطين هي الأردن.وفي كتابه الذي نشر للمرة الأولى عام 1996، يحلم نتنياهو بمستقبل إسرائيل "اليهودية" بعد ثلاثين سنة، وقد بلغ تعداد سكانها ما يقرب من 10 ملايين يهودي، وقد قوي اقتصادها وازدهرت نشاطاتها. ويخصص نتنياهو فصلا خاصا حول المشكلة السكانية التي يمكن أن تواجه إسرائيل نتيجة زيادة نسبة المواليد في الأوساط العربية، عنها في الأوساط اليهودية، ويرى أن تفوق إسرائيل ديموجرافيا يأتي من خلال: (وعي الشعب اليهودي بضرورة البقاء والاستمرار، وتخفيض متوسط عدد أفراد الأسرة العربية، وجلب مزيد من المهاجرين اليهود من كافة دول العالم، وتشجيع الهجرة الفلسطينية المعاكسة للدول العربية مقابل تخفيض مبررات الهجرة اليهودية المعاكسة إلى أوروبا وأمريكا، وقيام إسرائيل بتقديم حوافز حقيقية لزيادة حجم الأسرة اليهودية مثل منح قروض لإنشاء أسر جديدة ومساعدة النساء في شئون الحمل والعناية بهن وتقديم المساعدة للعائلات التي ترغب في زيادة عدد أولادها..).
إن كافة أفكار نتنياهو هذه سابقة حتى على وصوله لرئاسة وزراء إسرائيل في انتخابات 1996، وها هو اليوم، وبعد أشهر قليلة من توليه الوزارة ثانيةً في إبريل 2009، يعيد ذات الأطروحات "العنصرية"، وقد وجد ضالته المنشودة فيما ابتدعه شارون من ضرورة الاعتراف العربي - الفلسطيني بإسرائيل كدولة "يهودية".
أوباما.. إقرار صريح ب "يهودية" إسرائيل
واللافت أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وإدارته يؤيدون الطرح الإسرائيلي حول "يهودية" الدولة رغم إدراكهم جيدا لمغزى إسرائيل من ذلك، وهو التهرب من عملية السلام.وربما يقرأ أوباما ذلك بأنه اعتراف إسرائيلي صريح بوجود دولة أخرى (فلسطينية)، إلا أن ذلك مردود عليه؛ فمن ناحية لا يعتقد كثيرون من يهود أمريكا في فكرة "يهودية" إسرائيل لأنها تعني في البعد الديني أن يهود الشتات يجب عليهم الإيمان بذلك حتى يكونوا يهوداً (32)، كما أنها تتنافى من وجهة نظر بعضهم مع فكرة الديمقراطية بحد ذاتها، وثمة طرف ثالث يرى في طرح الدولة ثنائية القومية حلا للصراع بعد أن ثبت أن حل الدولتين لا يمكن تحقيقه.
ومن ناحية ثانية كانت إدارة بوش، وهي توافق وتردد لفظ "يهودية" إسرائيل، تنطلق من بعد صهيو-مسيحي شكل سياسة أمريكا الخارجية ونظرتها للعالم بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بل وقبله في مشروع القرن الأمريكي الجديد الذي وضعه المحافظون الجدد في عام 1997؛ وهو بعد كان يجب أن يغيب عن إدارة أوباما التي تدير السياسة الدولية بمنظار مختلف، على الأقل أيديولوجيا.
ومن ناحية ثالثة، ومع رفض العرب والفلسطينيين المطلق ل "يهودية" إسرائيل، فإن إصرار أوباما عليها إنما يصب في خانة الانحياز السافر لإسرائيل.
المشكلة أن أوباما يبدو مقتنعا بتلك الفكرة، فقد ساقها خلال حملته الانتخابية، حيث أكد في حديث مع بعض الصحف الإسرائيلية في 29 يناير 2008 على حل الدولتين، لكنه قال: "الخطوط العريضة لأي اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين يجب أن تضع في الاعتبار ضمان يهودية دولة إسرائيل". ورأى أن هذا الحل "لا يمكن أن يمضي قدما حتى تكون هناك ثقة بأن الفلسطينيين قادرون على إيجاد أجهزة أمنية من شأنها أن تمنع الهجمات المستمرة ضد إسرائيل". وبالنسبة لموضوع اللاجئين الفلسطينيين، قال: "إن اللاجئين الفلسطينيين ينتمون إلى دولتهم (الفلسطينية)، وليس لهم خيار بالمعنى الحرفي في العودة إلى إسرائيل" (33).ولذا لم يكن غريبا أن يطلق ميتشيل في أول زيارة له لمنطقة الشرق الأوسط، وخلال لقائه بوزير خارجية إسرائيل ليبرمان، تصريحه بأن "سياسة واشنطن تدعم حل الدولتين، دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب دولة إسرائيل اليهودية". ولم يكن غريبا كذلك أن يعيد أوباما في خطابه للعالم الإسلامي التأكيد على أن "متانة الأواصر الرابطة بين أمريكا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع، ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبداً، وهي تستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية، وكذلك الاعتراف بأن رغبة اليهود في وجود وطن خاص لهم هي رغبة متأصلة في تاريخ مأساوي لا يمكن لأحد نفيه" (34).بيد أن الأخطر من ذلك، وكما جاء في كلمته أمام الجمعية للأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر 2009 (35)، أن يربط أوباما بين مجرد وقف الاستيطان وبين شرعية إسرائل كدولة "يهودية"، حيث ذكر اوباما أن الولايات المتحدة لا تقبل بشرعية مواصلة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية"، لكنه حينما يدعو لحل الدولتين، يقول: "أدعو إلى إقامة دولتين الواحدة إلى جانب الأخرى بسلام وأمن، دولة يهودية في إسرائيل مع أمن حقيقي لجميع الإسرائيليين، ودولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة وذات تواصل جغرافي لتضع نهاية للاحتلال الذي بدأ في العام 1967".
إن أوباما إذن يربط قيام دولة فلسطينية بتحقيق أمن مطلق لإسرائيل، مقابل وضع نهاية للاحتلال على جزء من أرض 67 المحتلة، وبالتالي يسقط أوباما من أحاديثه المبادرة العربية والمرجعيات الدولية التي لم يشر لها من قريب أو بعيد في كافة ما يتعلق بأحاديثه عن تسوية الصراع، كما لم يشر أي من المسئولين الأمريكيين إلى إمكانية مناقشة قضايا الوضع الدائم، أو عودة نقطة المفاوضات إلى ما توقفت عنده في العام 2000.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.