هل يمكن رؤية دراما تلفزيونية عن حياة ياسر عرفات باعتبارها دراما سيرة أيضاً كما هي الأعمال الدرامية الأخرى التي تناولت سيرة هذا المبدع أو ذاك؟ في العادة الدرامية التلفزيونية العربية التي صارت تقليداً، كنا أمام شخصيات من الواقع أبدعت في هذا الجانب أو ذاك، فعرضت الدراما حياتهم ورمّمتها بطيف من أحداث عصرهم، وما أحاط بتلك الحياة من وقائع سياسية واجتماعية أثّرت فيها. أمام سيرة ياسر عرفات، التي تغري كتّاب السيناريو، تبدو المسألة أكثر تعقيداً، فالرئيس الفلسطيني الراحل إذ يمتلك وقائع وتفاصيل سيرته الذاتية الغزيرة، يمتلك في الوقت ذاته وبالأهمية والحيوية ذاتهما ارتباط تلك السيرة الشخصية بقضية وطنه فلسطين والتي تمتدُ على مساحة زمنية تتجاوز ثمانين عاماً، تبدأ من لحظة ولادته عام 1929 وتنتهي بلحظتنا الراهنة التي لا يزال عرفات حاضراً في مشهدها بقوة. في سيرة ياسر عرفات تزول الفواصل بين ما هو وطني عام يطاول الشعب وحركته الوطنية، وبين ما هو «شخصي» يتعلق بصاحب السيرة، الذي تتداخل سيرته الذاتية مع الوقائع العامة على نحو غير مسبوق في التاريخ الفلسطيني. يمكن رؤية ذلك التداخل على نحو رمزي بالغ التكثيف في موضوعة العيش الفردي والبيت الخاص: كل من لهم صلة بالحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة يتذكرون أن ياسر عرفات عاش حياته كقائد للحركة الوطنية بلا بيت خاص به، هو الذي أقام دائماً في مقرات الثورة وقواعدها السياسية والعسكرية حتى في تلك المرحلة المتأخرة من حياته حين أصبح زوجاً له عائلته وحياته الشخصية. دراما من هذا النوع هي بالتأكيد أمام رؤية مختلفة للسيرة الذاتية، تقرأ العام بعناوينه وتفصيلاته، وتحرص في الوقت ذاته على الإفلات من إغواء الرؤية الإيجابية التي طالما أربكت مسلسلات السيرة الذاتية الكثيرة التي عرضتها الفضائيات العربية خلال العقد الفائت. أبو عمار في سياق دراما حقيقية هو عنوان عام، لكنه في الوقت ذاته شخصية من لحم ودم عاش مع الناس وكانت له أدوار كبرى في الموقع القيادي الأول، الذي هو بالضرورة نقطة توافق مع الآخرين ونقطة اختلاف معهم بحسب السياسة والمرحلة. سيرة ياسر عرفات درامياً تعني قراءة بصرية حيوية لعقود من الكفاح الوطني، كما لرؤى رجل حالم صدّق حلمه وظلّ يصدقه، لأنه حلم شعب عاش ولا يزال أقسى تراجيديا إنسانية في العصر الحديث.