منذ مسلسل «أم كلثوم» عثرت جهات الإنتاج على منجم إسمه مسلسلات السيرة، فرحنا نشاهد في رمضان كل سنة أعمالاً تتناول هذا أو ذاك من المشاهير الراحلين، خصوصاً من الأدباء والفنانين. مشاهداتنا على اختلافها لم تكن مرضية إذ اكتشفنا بسرعة أن غالبية تلك الأعمال حاولت استثمار رصيد المبدعين الراحلين للترويج لأعمال «مسلوقة» ولا تليق بالأسماء التي يفترض المنطق أنها أنتجت لتخليدها وتعريف الأجيال الجديدة بأصحابها. يمكن رصد نقطتي ضعف رئيستين نعتقد أنهما عماد أي دراما يمكن أن تقوم على سيرة ما: السيرة الحياتية بتفاصيلها وبعناوينها الرئيسة، وأهمية التزام الدقة والصدق، ثم قراءة العصر الذي عاش فيه صاحب السيرة من جوانبه الأهم، وبما يضيء ذلك العصر ويعرّف المشاهدين بأحداثه. في الشرطين الآنفين سقطت تلك الدراما السيرية بامتياز، فهي نهضت – غالباً – على تقديم المشاهير الراحلين كشخصيات «معقمة» تخلو من العيوب، في حين لم تقترب من قراءة العصر إلا بعناوين عامة تخدم البناء الحكائي للمسلسل. أقول ذلك وفي البال ما نسمع ونقرأ عن مسلسلين جديدين أحدهما عن الشاعر الراحل محمود درويش، والثاني عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وهما بالمناسبة من الشخصيات «الدرامية» حقاً، بمعنى إشكاليات النظر لمواقفهما، في حياتيهما وبعد رحيلهما عن عالمنا. شخصياً، أفضل ترك رمزين في حجم درويش وعرفات خارج التناول الدرامي بسبب معرفتي أن الدراما العربية بأدوات عملها ووسائلها ومفاهيمها الراهنة ستقدمهما في صور ملتبسة، وغير صحيحة... ولا تنفع هنا النيات، ولا الوعود التي تنهال بين وقت وآخر ويتحدث أصحابها من القائمين على العملين عن جدّية في التناول يعدوننا من خلالها بعملين استثنائيين. أعرف أن كثراً سيعتبرون إن ما أقوله يستبق أعمالاً لم تتحقق، وأن الموضوعية تفترض الانتظار، لكنني أعرف في المقابل أن لا نتائج إيجابية بلا مقدمات إيجابية. دعوا محمود درويش وياسر عرفات ينامان بهدوء خارج الدراما، ولا تصنعوا لهما قبرين إضافيين هما ليسا في حاجة اليهما، خصوصا أن التصدي لأعمال كهذه يحتاج إعداداً استثنائياً.