في بدء الأحداث الدموية في سورية دخلت رهاناً مع زميلين من أعمدة «الحياة» في لندن قال أحدهما إن النظام سيسقط في مطلع الصيف، وقال الآخر إنه سيسقط في نهاية الصيف، وكتبنا تفاصيل الرهان على ورقة صفراء صغيرة احتفظ بها. قلت إنهما مخطئان وربحت الرهان. اليوم لا أراهن على بقاء النظام، وإنما أخشى أن تطول الأزمة فلا تحسم قبل سقوط ضحايا كثيرين آخرين. قبل أيام كنت في بيروت ما أتاح لي فرصة الجلوس مع الزميلة ندى عيتاني، رئيسة مركز المعلومات في دار الحياة، وهي قدمت لي كل ما كتبت عن سورية وأزمتها المستمرة منذ 1/4/2011 عندما نقلت إلى القراء «رواية مناف» عن أحداث درعا، فهو من تلك المدينة الحدودية، وقابلته في الكويت، فحكى لي تفاصيل تظاهرة طلاب صغار هتفوا «يسقط النظام» واعتقالهم مع معلميهم وأهلهم، ثم تظاهرة أهل المدينة في اليوم التالي طلباً للإفراج عن المعتقلين وإطلاق الأمن النار عليهم ما أدى إلى مقتل كثيرين. في 27/4/2011 عدت إلى وضع سورية بعد أن طالب ليكوديون أميركيون بالتدخل، واختتمت المقال بالقول إن الوضع في سورية خطر جداً، وقد سقط قتلى في التظاهرات، وقرأت الرقم 200 وأيضاً 300، وقلت عن الأرقام: «وهي لو كانت ثلاثة قتلى أو أربعة تظل كارثة إنسانية لذلك بداية الحل وقف القتل وبدء حوار بنية صافية». وعدت إلى الموضوع في 27/5/2011 فسألت هل وصلت العلاقات بين النظام والشعب إلى نقطة اللارجوع، واقترحت «فترة سماح» من ستة أشهر تعلن فيها الحكومة برنامجاً إصلاحياً وتبدأ تنفيذه، وكررت الاقتراح في 3/8/2011، كمخرج من استمرار المواجهة الدموية. بين هذا وذاك دعوت باستمرار إلى وقف قتل المتظاهرين وفي 4/6/2011 تحدثت عن خبر في «نيويورك تايمز» عن قتلى وجرحى وتعذيب ورقم ألف ضحية منذ بدء الاضطرابات وقلت: «إذا كان الخبر عن سورية صحيحاً فالنظام مسؤول، وإذا كان غير صحيح فالنظام مسؤول أيضاً لأنه يمنع الصحافيين الأجانب من دخول البلاد، فتصبح المصادر الوحيدة لهؤلاء المعارضة وجماعات حقوق الإنسان وكلها ضد النظام». وخاطبت الرئيس بشار الأسد في زاويتي هذه في 21/6/2011 وحمّلته المسؤولية كاملة عن الأحداث وقلت: «... أنت الرئيس، أنت المسؤول. أنت مسؤول إذا قامت تظاهرات تطالب بالإصلاح والتغيير. وانت مسؤول إذا لم تتوقعها. وأنت مسؤول إذا لم تحسن التعامل معها. أنت مسؤول أيضاً إذا كان هناك مخربون. لماذا لم يستبق الأمن تخريبهم»؟ وعدت إلى سورية في 26 من الشهر نفسه فتحدثت عن قتل الطفلين حمزة الخطيب وثامر الشرعي، وما بدا على الجثتين من آثار تعذيب فظيع، وقلت: «أسجل أسماء الشهداء لأنهم رموز والأمة كلها شهيدة...». في السادس من آب (أغسطس) الماضي ذهبت إلى جدة لحضور اجتماع لمجلس إدارة مؤسسة الفكر العربي برئاسة الأمير خالد الفيصل، وتركت مع تحرير «الحياة» مقالين للاستعمال في اليومين التاليين حتى أتفرغ لبرنامج جدة، ووجدت أن مقالي المنشور في 8/8/2011 ضم العبارات نفسها الواردة في بيان لمجلس التعاون الخليجي أعرب عن قلقه البالغ لنزيف الدم في سورية، وبيان في الوقت نفسه تقريباً للملك عبدالله بن عبدالعزيز قال فيه إن إراقة دماء الأبرياء لا يمكن تبريرها بأية أسباب وطلب إيقاف آلة القتل وإراقة الدماء. وكنت قلت في اليوم نفسه إن النظام السوري يستعمل العنف وسيلة وحيدة في الرد على التظاهرات مع أنه لم يحل شيئاً، ووصفت سياسة النظام بأنها «سياسة انتحارية أبشع ما فيها أنها لم تكن السياسة الوحيدة المتاحة في البداية»، واختتمت المقال بالقول إن الوضع سيسوء أكثر إذا لم تغيّر الحكومة أسلوب العنف في التعامل مع المعارضة. وعدت إلى الموضوع في مقالات تالية، بعضها عن سورية وحدها، وبعضها يجمع أحداثاً عربية معها، منها ثلاثة هذا الشهر فقط، وجميعها يضم كلاماً يدين الحكومة السورية ويطلب وقف القتل. والمادة متوافرة لمن يطلبها. لماذا أكتب هذا الكلام اليوم؟ أكتبه لأنني ضقت ذرعاً بمعارضين سوريين أتهمهم بثقل الدم، رسائلهم من نوع: لماذا لا تكتب عن سورية؟ وقد كتبت عنها أكثر مما كتبت عن أي بلد عربي آخر، أو: انت تساوي بين الجلاد والضحية، وهذا كذب فقد عارضت القتل قبل أي بيان رسمي عربي. وعندي مثل أخير فالقارئ غسّان عبدالقادر في رسالة نشرها بريد «الحياة» يبدأ بالقول: هناك دماء تسيل كالأنهار في سورية، ألا نسمع تعليقاً منك .... وأقول إن أنهار الدم مبالغة ممجوجة لأن الدماء تترقرق ولا تسيل أنهاراً، وأنني كتبت بضعة عشر مقالاً عن سورية منذ 1/4/2011 لذلك كان هذا المقال. والقارئ غسّان على الأقل استعمل اسمه، ثم هناك «الشجعان» الذين يعرضون عضلاتهم من وراء أسماء حركية، مثل سيريان ويوسف والسورية فاتن وفاتن التاريخ وعمار 12. أقول: عيب عليكم. واختتم مختاراً من مقال سابق لي: الله يكون في عون السوريين. [email protected]