منذ أن بدأت الاحتجاجات الشعبية في سوريا التي كان موقد شرارتها محافظة درعا الواقعة في الجنوب السوري وهذه الاحتجاجات تأخذ منحى تصاعديا وكلما زادت إراقة الدماء زادت المطالب بحضور صوت العقل والحكمة لإنهاء هذه الحالة التي أرقت الجميع. وبعد أيام قليلة من جمعة نظمها السوريون تحت عنوان (صمتكم يقتلنا) وقد وجهها المحتجون السوريون للعرب جميعا، فكان الرد قويا وكاسرا لحاجز الصمت لكنه بلغة الحكمة والعقل والتذكير بالإسلام والعروبة والأخوة. خادم الحرمين في خطابه هذا خاطب السوريين بلغة كانت في قمة الرقي وجاءت كلماتها بأسلوب مشفق ومحب وأخ أكبر، لذا لم تمض على بثها سوى ساعات قليلة حتى جاءت ردود الفعل بحجم الكلمة وقبل ذلك بحجم صاحبها الذي احتل المرتبة الثالثة بين الشخصيات الأكثر تأثيرا بين العالم بحسب دراسات ومصادر غربية. وهنا يسرني أن يقف القارئ الكريم على نماذج متنوعة من ردات الفعل على هذا الخطاب التاريخي من خلال حديث وسائل إعلام وشخصيات عامة وكتاب ومحللين تناولوا بالتعليق على كامل الخطاب أو بعض مضامينه، وجاء تخيير خادم الحرمين الشريفين القيادة السورية بين الحكمة والفوضى مادة رئيسة في الكثير من وسائل الإعلام، إضافة إلى كسر خادم الحرمين الشريفين لحاجز الصمت حول ما يجري في سوريا، فجاء العنوان الرئيس في صحيفة اللواء اللبنانية مؤكدا لذلك حيث جاء نصه (الملك عبد الله يكسر طوق الصمت ويستدعي السفير بدمشق•••ما يحدث غير مقبول وسوريا أمام الحكمة أو الفوضى . ومن العناوين المميزة والتي لخصت كثيرا مما جاء في الخطاب الملكي عنوان صحيفة الشرق الأوسط اللندنية فقد جاء عنوانها قائلا (الملك عبد الله يبرئ الذمة ويقيم الحجة في سوريا) وأما صحيفة البيان الإماراتية فقد جاء تلخيصها لكلمة خادم الحرمين وفي عنوانها الرئيس مختصراً لكنه معبرا حيث قالت (خادم الحرمين يخيّر سوريا بين العقل والفوضى) ومثلها صحيفة الرأي الأردنية حيث جاء عنوانها الرئيس (خادم الحرمين: سوريا بين خيارين (الحكمة) أو (الفوضى) وأما صحيفة المستقبل اللبنانية فقد جعلت التنبيه على عامل الوقت الوارد في حديث خادم الحرمين ركيزة مهمة في عنوانها حيث جاء العنوان (نداء خادم الحرمين إلى «أشقائنا في سوريا قبل فوات الأوان»: وقف آلة القتل أو الانجراف إلى الفوضى والضياع) وفي السياق نفسه جاءت صحيفة أخبار الخليج البحرينية، حيث أكدت على ما جاء في خطاب الملك وعنونت لهذا الموضوع (العاهل السعودي يدعو إلى وقف «آلة القتل وإراقة الدماء» في سوريا. ولم تغب الصحافة القطرية عن ساحة التعليق على خطاب خادم الحرمين حيث جاء العنوان في صحيفة الراية القطرية (السعودية تطالب بإيقاف آلة القتل وتستدعي سفيرها للتشاور) وبعنوان مختصر معبر في صحيفة الوطن القطرية لخصت خطاب الملك بقولها (الملك لسوريا: أوقفوا القتل) هذا عن العناوين الرئيسة، أما إذا نظرنا في حديث الصحف في افتتاحيتها وحديث كتابها فإننا سنكون أمام سيل هائل من المقالات والتعليقات لا يمكن حصرها وجلها تثني على الخطاب وما تضمنه، ولم تغب صحيفة المستقبل اللبنانية في كلمتها عن ركب الصحف التي احتفت بهذا الخطاب التاريخي، حيث جاءت الكلمة اليومية للصحيفة متحدثة عن الخطاب التاريخي للزعيم التاريخي، وجاء في هذه الكلمة: كلامُ المَلك مَلكُ الكلام.. الموقف التاريخي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ينطلق من القيم العربية والإسلامية، ويتأسس على شرعية التاريخ والأخوة والكرامة الإنسانية، فكيف إذا كان من يتعرض للظلم والطغيان والإرهاب شعبٌ أبيٌّ شقيق له في ذمّة العرب، كلّ العرب، حقّ التضامن، وحقّ الرعاية، وحقّ الأخوة، لأنه يصنع بدمائه الزكيّة تاريخاً جديداً ربما يتعدى في دلالاته الإطار السوري، وربما يبشّر بتغيير في الإستراتيجيات والتوازنات في منطقة الشرق الأوسط؟. الحدث في سوريا «أكبر من أن تبرره الأسباب» هو ثورة من أجل الكرامة والحرية والعدالة، وهو ثورة على الظلم والقهر والقتل بدم بارد بحقّ أحرار خرجوا بنزوع سلميّ يطالبون بحقوقهم المشروعة في الحرية والإصلاح وتغيير نظام الاستبداد. الحدثُ محطة تأمل لوعي اللحظة التاريخية وتداعياتها، لا للتزلف والنفاق والالتحاق بالمستكبرين، إذ لا حياد مع الحق ولا انحياز مع الجلاد والقاتل. في مناخ الربيع العربي، وفي ضوء رسالة لبنان ودوره و تاريخه، على الجميع أن يسمع كلام الملك عبد الله جيداً، ولا عذر للبنانيين الذين «نأوا» بأنفسهم عن الإنسانية ومقتضياتها، وعن الإجماع العربي والدولي، فهم ضالعون أكيدون في المؤامرة البشعة على الشعب السوري الجريح الذي يقول خادم الحرمين إن ما يتعرض له «ليس من الدين ولا من القيم ولا من الأخلاق. وفي صحيفة الرأي الأردنية كتب سلطان الحطاب مقالا بعنوان سوريا.. هل ضاعت الحكمة وفات الأوان ؟ وجاء في هذا المقال: كلمة العاهل السعودي تفتح باب الجرأة والشجاعة لقول الحق فالساكت عن الحق شيطان أخرس فكيف حين يكون النظام يستهدف أهلنا في سوريا ويستهدف المفكرين والكتاب والسياسيين والحزبيين والمعارضين وحتى الإصلاحيين وكل من قال لا أو اعترض حتى داخل بيئة النظام نفسه..وما زلنا نذكر تصفية مسؤولين سوريين وسجنهم لاعتراضهم على «التوريث» قبل أن يقع وعلى تغطية ما كان يجري في لبنان طوال سنوات الاحتلال السوري له..وإلى إن قتل الحريري ورحل السوريون.. وتحدث وزير الإعلام الأردني السابق صالح القلاب لقناة العربية الفضائية عن الخطاب الملكي قائلا «إن العرب كانوا في انتظار هذا الموقف من المملكة العربية السعودية تجاه عمليات القتل التي تحدث في سوريا». وفي صحيفة السياسة الكويتية كتب رئيس تحريرها أحمد الجار الله معلقا على خطاب الملك عبد الله تحت عنوان: خادم الحرمين... جاك العلم يا بشار قائلاً: أثلج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الصدور في العالمين العربي والإسلامي بخطاب براءة الذمة، الذي كنا على يقين أنه سيأتي لا محالة في وقته المناسب وما تأخيره إلا بسبب الاتصالات التي كان يجريها حكيم العرب، ليضع الأمور في نصابها الصحيح حيال ما يحدث في سورية، وليحسم أمراً لا يحتمل التأجيل أكثر بعد أن استفحلت آلة القتل في حصد المزيد من المواطنين في غالبية المدن والقرى السورية، «لأن كل عاقل عربي ومسلم أو غيرهم يدرك أن ذلك ليس من الدين، ولا من القيم والأخلاق»، وسفك الدماء وزج الناس في السجون أقفلا كل نوافذ الأمل بإصلاح يخلص سورية مما ابتليت به. نعم يا خادم الحرمين الشريفين، إن الحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، وجميعنا نتفق معك على أن ما يحدث في سورية لا يستطيع العرب والمسلمون السكوت عليه، وحين تحدثت في بيان الحكمة بعثت الراحة في نفوس الجميع، لأن حقن دماء العرب والمسلمين وأصحاب العقيدة هو الشغل الشاغل لكل مسؤول نقي السريرة يسير على المحجة البيضاء، وهو ما أنت عليه. لقد قلت ما أردناه شعوبا عربية وإسلامية، بل ما أراده المجتمع الدولي المؤمن بحقوق الإنسان وكرامته وحريته وعدالته، ويعرف حقوق الرعية وحدود المسؤول فيها، هذا المجتمع الذي كان دائما يقول: تحركوا أيها المسلمون والعرب حتى نتحرك. اسمع يا بشار... لقد نشرت الهم والغم في أرض العرب، وكلما ازداد حنق شعبك والشعوب التي تعاني من العصا الإيرانية عليك ازداد همك، وزاد شعور حكام طهران أنك ونظامك على وشك السقوط، فلجأوا إلى فتح جبهات جديدة، بدءا من البحرين، ومرورا بما جرى ويجري في غزة، إلى محاولة التدخل في مصر، والتضييق على الشعب اللبناني، وصولا إلى توجيه التهديدات إلى الكويت، لكن في كل تلك الجبهات ردوا على أعقابهم يجرون أذيال الخيبة، وما هزائمهم إلا مقدمات لانهيار مشروعهم في المنطقة ككل. نسأل بشار الأسد مجددا: أما حان الوقت حتى تعود إلى أمتك? خصوصا بعد بيان الحكمة الصادر من الملك عبدالله، فتنظف سورية من بني فارس، ولبنان من جحافل الباسيج والحرس الثوري وحسن نصرالله? أما حان الوقت كي تعود سورية قلعة العروبة إلى عروبتها وتعود أرض صلاح الدين ويوسف العظمة ونور الدين زنكي عربية وألا تبقى ممرا للفرس? لا نريد أن تفاجئنا سورية غدا ببيانات وتصريحات وردود ملّ العالم سماعها، بيانات مليئة بعبارات التنطح وبحديث الإفك عن مسلحين وسلفيين و»قاعدة» وغيرها، وكلها تبريرات ممجوجة، فحمام الدم الذي فرضه النظام على كل سورية أسقط حجة أن ما يجري هو شأن داخلي، ولن تنطلي على أحد محاولة نفي وجود قوات إيرانية تذبح الشعب السوري، فكل هذا الكلام لم يعد مقبولا في العالم العربي ولا في أي محفل بالعالم. اسمع يابشار. لقد حانت ساعة مواجهة الحقيقة عارية من كل لبس، وهو ما يجب أن تفهمه جيدا، وتصحو من الأحلام التي تزينها لك ماكينة القتل والقمع والتزييف، وتدرك أن الشعوب لا تحكم بهذا الأسلوب الوحشي البائد. وفي جريدة النهار اللبنانية كتب راجح الخوري مقالا بعنوان رسالة ثانية لبشار الأسد وخاطب الرئيس السوري فيها قائلا: إن رسالة خادم الحرمين الشريفين المطالبة بوقف «ما لا تقبله السعودية ويرفضه العالم كله»، أي استمرار آلة القتل وإراقة الدماء، دعت القيادة السورية (أي أنها دعتك أنت شخصياً) إلى «تفعيل إصلاحات شاملة وسريعة، فمستقبل سوريا بين خيارين، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، وإما أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع لا سمح الله». ليس خافياً عليك أن الملك عبد الله، عندما يدعو إلى «تفعيل الحكمة وتحكيم العقل لدى القيادة السورية للقيام بدورها التاريخي والقيام بإصلاحات لا تغلّفها الوعود، «فإنه يخاطبك أنت شخصياً ويعوّل عليك لا على أحد غيرك في النظام السوري، ولطالما احتفظ لك كما تعرف بمودة حميمة على رغم كل شيء. وفي الصحيفة نفسها كتب راشد فايد عن خطاب خادم الحرمين مبينا أنه نقلة مهمة في التعامل مع ما يجري في سوريا حيث قال فايد: وجاء المؤشر السياسي في كلمة خادم الحرمين الشريفين إذ رسم خطا فاصلا يشير إلى أن رد الفعل العربي عموما، والسعودي خصوصا، بعد اليوم لن يكون كما قبلها، وأن هذا النظام أخطأ في رهانه على الصمت العربي ليتمادى في استهداف المدنيين السوريين، مفسرا الديبلوماسية السعودية الصامتة على أنها فرصة للانقضاض على طالبي الحرية. ووصفت صحيفة الرأي الكويتية هذا الخطاب بأنه دفعة لحملة الدبلوماسية لوقف القمع في سوريا حيث جاء في هذه الصحيفة: تلقت الديبلوماسية الساعية إلى وقف حملة القمع ضد المتظاهرين في سورية، دفعة بعد موقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي دعا القيادة السورية إلى وقف آلة القتل وإراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات الأوان من خلال تنفيذ إصلاحات لا تغلفها الوعود وإنما يحققها الواقع. وفي كلمة توجه بها إلى «الأشقاء في سورية» وأعلن خلالها استدعاء السفير السعودي في دمشق للتشاور حول الأحداث الجارية هناك، قال الملك إن «الحدث أكبر من أن تبرره الأسباب»، مضيفا أن «القيادة السورية يمكنها تفعيل إصلاحات شاملة سريعة، فمستقبل سورية بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع». وجاء موقف الملك ليكسر صمتا دام أشهرا منذ بدء الاحتجاجات في سورية وقمع قوات الأمن لها، وليحدد سقفا عاليا للمواقف العربية التي كان التجاوز الأول لها موقف مجلس التعاون الخليجي الذي دعا قبل أيام إلى وقف العنف. وفي تعليقها اليومي في زاوية قضية اليوم وتحت عنوان (الإنذار البليغ) ناقشت صحيفة القبس الكويتية: خطاب خام الحرمين، وجاء في تعليقها: مضمون الكلمة الموجزة التي وجهها خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى النظام السوري، واضح وضوح الكلام البليغ في دلالته على ما يُقصد في معناه. وإذا أردنا وضع هذا الكلام في سياقه الموضوعي، أمكن القول إنه يؤشر إلى النقطة التي باتت معها دائرة العزلة التي تضيق على نظام بشار الأسد في سوريا، قاب قوسين من أن تتكامل عربياً ودولياً. ما يميز كلمة الملك عبدالله أنها توضح الحد الفاصل بين المطلوب فعله «الآن» (بما تعنيه كلمة الآن حرفيا)، والفوضى. وبالتالي فهي تقول بين طيات تعابيرها، الحريصة على أصول التخاطب ومسؤولياته، إن الرئيس السوري بات اليوم أمام فرصته الأخيرة.