على غرار المسابقة الصاخبة شاعر المليون للشعر العامي، نظمت قناة?"المستقلة"مسابقة شاعر العرب للشعر الفصيح، وأعلنت في قناتها وموقعها أنها تسعى بمسابقتها هذه إلى رد هيبة الشعر الفصيح، وتسليط الضوء على شعرائه المميزين من مختلف أنحاء العالم، وأن لجنة متخصصة في النقد ستقيِّّم تلك المشاركات، وأن عدداً من الفائزين سيحظون بالجوائز المغرية. وما إلى ذلك من شعارات خلابة، وعبارات رنانة. والمطلع على مجمل شروط المسابقة وأهدافها من حسني الظن سيشعر أن عصراً ذهبياً للشعر الفصيح عاود الساحة من جديد. ولقد سعدتُ كما سعد كثيرون غيري بهذه البادرة المحمودة، فقررت اغتنامها راضياً، مع أن أصدقاء وإعلاميين حذروني من الانغرار بالمسابقات الفضائية عموماً، وبهذه المسابقة خصوصاً، إذ ليس من بين أعضاء لجنة التحكيم الخمسة خليجي واحد يوازن الكفة العربية التي تشكلت منها اللجنة، ولا حتى اسم نقدي معروف يوازي زخم المسابقة. على رغم هذا وغيره أحسنت الظن في توجه القناة، ولا سيما أنه ? أعني صاحبها ? ممن يتبنون الحيادية والجدية في برامج قناته، فبعثت إلى القناة بمشاركتي، لأصبح واحداً من بين أكثر من 1250 متسابقاً، ولم يكن الفوز هاجسي الأكبر بقدر ما كان هاجسي الأساسي أن أخوض مضمار تنافس شريف ليس فيه خاسر بالمعنى الأدبي. وكذلك لأضيف اسمي إلى قوائم شعراء الفصحى الذين سُحب من تحتهم البساط خليجياً، وظُن أن مدهم قد انحسر أمام طوفان الشعر العامي المدعوم على مختلف الصُعد. وبعد فرز المشاركات أعلنت لجنة التحكيم تأهل نحو 250 شاعراً، وكنت منهم، فاستبشرت بذلك، وتفاءلت بالمقبل، ولكن القناة غيّرت من مسارها، وأضافت ما لم تعلنه سابقا. وقررت أن التصفيات المقبلة تحسمها لجنة التحكيم، إضافة إلى جماهير المصوتين الذين سيرشحون شعراءهم في مقابل مادي سيجلب إلى خزينة القناة ملايين تفوق بأضعاف قيمة مجموع جوائزهم. وهنا أقول من دون تحفظ: إن هذا التغرير لا يليق بقناة?"المستقلة"ولا بصاحبها، ولا يناسب مطلقاً الشعر الفصيح ولا شعراءه القابضين على الجمر، وإن المسابقة المزعومة تلك ليست إلا عملية تجارية محضة أراد بها المنظمون استنزاف مشاعرنا وجيوبنا. ولنا الله معشر الخليجيين كم نُغبن ونتغاضى، ففي حين أن الفئة المستهدفة بالتصويت هم الخليجيون، إلا أن لجنة التحكيم تخلو منهم، فكأنها معادلة محسوبة: لجنة التحكيم منهم، والمصوتون الأسخياء منا، وقد علموا يقيناً أن مجتمعنا الخليجي تستخفه نعرة التصويت بكل خلفياتها وتبعاتها، ولهم من مسابقة شاعر المليون مثال قائم يسيل له اللعاب. ولذا فأنا أعلن انسحابي من هذه المسابقة حفاظاً على كرامة الشعر الفصيح، وصوناً لكرامتي، ولا أخفي أيضاً أنني على يقين بأنه لن تصوت لي قبيلة كبيرة، كما أن والدي - حفظه الله - رفض أن يصوت لي ليقينه بعبث هذا النوع من التصويت، ووالدتي - أمد الله في عمرها - أبدت استعدادها لولا أن رصيد جوالها يوشك على الانتهاء، ولم يبق لي من عصبتي غير أخ وزميل وجار وعدوني بالتصويت على سبيل الاستخفاف، أما زوجتي فأنا من أسدد فاتورة جوالها، ولذا منعتها من التصويت لئلا أخرج من المسابقة خاسراً مرتين. د. فواز بن عبدالعزيز اللعبون - الرياض [email protected]